لا يكفّ الكتبة عندنا عن احتقار «كتب الطبخ»، ويحرصون على (جرجرتها) إلى معامع الكلام كلما احتاجوا إلى تبرير «الكساد المزمن» الذي أصاب كتبهم، فيُنزلون على المشتغلين بـ(الطبيخ) غضبهم الساطع، ويذيقونهم ألوانا من الاستهزاء الناصع، حتى إذا أكملوا خطبهم العصماء، نفروا (خفافا وثقالا) إلى الموائد التي تتأسس – أصلا – على «كتب الطبخ»..
والحق أن رواج «كتب الطبخ» ليس نقيصة، وتأليف «وصفات الطهي» ليس معيبا، غير أن (المغالطات) تتسلل إلى (المخيخ)، وتلقي فيه من الأوهام ما يحجب الرؤية الواضحة، ويصطنع (التحاليل) الخاطئة، فلا يدرك أن «فنون الطبخ» لا تزدهر إلا إذا بلغت «الحضارة» ذروة الرّقي، ولقد عرفت العرب قديما هذه الفنون، فألّف ابن سيار الوراق – على سبيل المثال – «كتاب الطبيخ»، وهو تحفة أدبية راقية من العصر العباسي، ولم يتأخر الإخباريون العرب عن تزيين كتبهم بالحديث عن المآكل وأنواعها وصفاتها، حتى إن كل من يقرأ «الأغاني» و»عيون الأخبار» وغيرهما من الكتب، يكتشف (الفالوذج) و(السكباج) و(الثريد) و(الخبيص)، وما شاء الله من المأكولات التي لا تفسد للأدب والفكر والثقافة قضية..
ولا ينبغي لأحد من الكتبة أن يتعجب حين يعلم أن الروائي الشهير، ألكساندر دوما، ألف موسوعة «أسطورية» في الطبخ، ما تزال إلى يومنا هذا رائجة في المكتبات، وهي تباع (بضراوة) على منصة «أمازون» العالمية، رغم توفر نسختها الرّقمية مجانا.. ولا ينبغي للكتبة أن يتعجبوا – كذلك – حين يرون العالم (كلّه على بعضه) ينشر كتب الطبخ، ولا تحول مطلقا دون رواج كتب الأدب والفكر والعلوم، ما يعني أن معالجة مسألة (الكساد) تقتضي البحث عن «مشجب جديد» يكون مهربا (معقولا) من إثارة الحديث عن طبيعة المادة الكاسدة..