بقلم الأستاذ مختار بن يطو
مقال تاريخي بعنوان : للجزائري حق قانوني في فلسطين رغم أنف الصهاينة
للجزائري حق قانوني في فلسطين ، يتجاوز الصلة الروحية و الدينية و الموقف القومي العربي إلى الحق المادي و المتعلق بأوقاف الجزائر بفلسطين ، وهي أوقاف الشيخ سيدي أبي مدين الغوث التلمساني هناك ، كما أن حائط البراق ملك للجزائر أيضا و أملاك أخرى في الضفة المحتلة ، حيث عملت الإدارة الأمريكية جاهدة للتخلص من الوثائق التي تثبت ملكية هذه الأملاك للجزائر و إلغائها ، لأنها تعلم يقينا أن وثائق الملكية لو حازت عليها الجزائر لاسترجعتها و ضمّتها إلى الفلسطنيين لتعيش فلسطين حرة مستقلة ، فالكيان الصهيوني وفي ظل موجة التطبيع ، جعل هذه المسألة ورقة لصالح دولة أخرى ، تجعل من اسم ” المغرب ” حكرا عليها ، و تستغل الرأسمال الحضاري و السياسي للاستيلاء على هذه الأوقاف ، و التي هي من أصل منشئها أوقاف جزائرية .
و إنه لِمن الوفاء من فلسطين للجزائر العمل على أن تشمل كتب التربية الوطنية في المنهاج الفلسطيني بعض المقولات التي خلّدها التاريخ ، من كلام الرئيس الجزائري الراحل البطل ” هواري بومدين ” من مقولات ثورية دعماً لفلسطين ، و من أشهرها مقولته الشهيرة من أعلى منِبر أُممي في العالم من فوق منصة الخطابة في الأمم المتحدة حينما صدح بأعلى صوته قائلاً : ” نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ” ، و كذلك مقولته : ” طلقة رصاصة على الصهاينة أفضل من خطاب في جمعية الأمم ، و إن القضية بالنسبة للفلسطينيين ليست خبزا ، بل هي قضية وطن فقدوه ، و يستحيل على دولة الصهاينة أن تبتلع كل الوطن العربي ” .
هكذا كان القادة و الزعماء الأفذاذ يعشقون فلسطين ، لذا يجب علينا أن نعزّز الحس الوطني عند الطلاب و الأجيال القادمة ليعلموا أن فلسطين كانت قضية العرب و المسلمين الأولى و يجب أن تبقى كذلك ، و لا زالت الجزائر و شعبها المخلص من أكثر الشعوب في العالم تعاطفاً مع فلسطين ، و تصدح الصحف الجزائرية يومياً بالقضية الفلسطينية .
فاليوم يجب على أجيال العرب كافة و لأبناء الجزائر بصفة خاصة أن يعلموا بأن للجزائر أنهر من دماء سالت في فلسطين الشقيقة ، سجلت بدايتها من زمن الصليبيين لما احتلوا فلسطين و أخذوا عنا بيت المقدس و حرمونا من قبلتنا الأولى و مسرى نبيّنا ، فجاءت إلى بلاد المغرب العامة و إلى المغرب الأوسط خاصة ( يقصد به الجزائر حاليا ) أخبار الحجيج الحزينة والمؤلمة بسقوط بيت المقدس بيد الصليبيين و الذي اعتاد الجزائريون خاصة أن لا يتمموا الحج إلاّ وقد قدّسوا في فلسطين ، حيث يقيمون في بيت المقدس و يصلّون ويتنفسون هواء فلسطين و تقرّ أعينهم بتربة فلسطين .
و لما تنادى أهل الجهاد إلى فلسطين بقيادة بطل الجهاد و قاهر الصليبيّين ” صلاح الدين الأيوبي ” لتحرير بيت المقدس ، أخذ الشيخ سيدي ” أبي مدين الغوث” يبثُّ في الجزائريين خاصة و هو في رحلة الحج روح الجهاد في سبيل تحرير بيت المقدس ، و استطاع أن يشكل فصيلا قويا من الجزائريين خاصة ، ليكون جزء من أجنحة جيش” القائد صلاح الدين الأيوبي ” في معركة حطّين الشهيرة سنة 1187م و التي انتصر فيها الجيش الأيوبي و فتحت من خلالها مدينة القدس ، و كان للجزائريين خاصة دورٌ مهم في حسم هذه المعركة الإسلامية الكبرى في التاريخ الإسلامي ، و التي قهر فيها الصليبيّين ، و سقطت دماء الجزائريين فيها زكية طاهرة ، و خلال هذه المعركة فقد الشيخ سيدي” أبي مدين الغوث ” ذراعه و دفنت تحت ثرى فلسطين ، و قد وصف ابن كثير هذه المعركة بقوله : ” كانت مقدمة و بشارة لفتح بيت المقدس على عباد الله الصالحين و استنفاذه من أيدي الكافرين ” ، و عرفانًا من قبل القائد ” صلاح الدين الأيوبي ” بجهاد الشيخ ” أبي مدين ” و من معه ، و مشاركتهم الباسلة في تحرير القدس من قبضة الصليبيين ، أوقف لهم وقفيةً وأصبح لهم باب نحو القدس سمي ” باب المغاربة ” و قال قولته الشهيرة : ” أسكنت هناك من يثبتون في البر و يبطشون في البحر ، و خير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة ” ، وامتدت وقفيتهم من باب المغاربة حتى باب السلسلة ، فيها مزارع و بيوت و أملاك عديدة في قرية عين كارم كلها للشيخ ” أبي مدين ” و جنده ، و لا تزال صورة الوقفية محفوظة في سجلات المحكمة الشرعية في بيت المقدس .
و قبل وفاة الشيخ ” أبي مدين الغوث ” أُضيفت أجزاء من قرية عين كارم التي تقع بضواحي القدس الشريف ، و قرية إيوان التي تقع داخل المدينة القديمة إلى وقف المغاربة في القدس ، كما أوقف الشيخ ” أبو مدين ” سكنًا للواردين من المغاربة سمّي بزاوية سيدي أبي مدين الغوث ، و جاء في وثيقة الوقف : ” أوقفها بأموالها و مياهها و آبارها و سواقيها و سهلها و وعرها و مبانيها وقفًا لله يصرف للسابلة من المغاربة المارّين و المنقطعين للعلم و الجهاد المرابطين على وصية صلاح الدين الأيوبي ” ، وقد دوّنت وثيقة أوقاف الشيخ ” أبي مدين الغوث ” لأول مرة سنة 1267م ، و أعيد تدوينها في سنة 1595م ، و بقيت هذه الأوقاف صامدة لأكثر من ثمانية قرون قبل أن يسيطر عليها الاحتلال الصهيوني سنة 1948م و يستولي عليها بالكامل ، و عليه فأملاك الجزائريين بالقدس فهي معروفة و تاريخية و من حق الجزائر المطالبة بها و أن يعملوا على حمايتها و استرجاعها من الاحتلال الصهيوني كحق أصيل للوقف الإسلامي و الشعب الجزائري .
و في العصر الحديث و بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830م ذهب الأمير عبد القادر الجزائري إلى الشام سنة 1856م و وضع نصب عينيه بيت المقدس و فلسطين كي تكون قبلة للجزائريين ، و هو ما تحقّق بعد مرور الوقت ، حيث بدأ الجزائريون يتوافدون على فلسطين بأعداد معتبرة جعلتهم ينشؤون لهم قرى في فلسطين ، فظهرت قرى الجليل ، وهي حوالي عشرة قرى جزائرية ، وكان يطلق عليها ” قرى المغاربة ” ، و شاءت قدرة الله أن تكون قراهم هي الحاجز الأول أمام المدّ الصهيوني في أرض فلسطين و نحو القدس الشريف ، و أثبتت الروايات التاريخية أن الجزائريون هم أول من واجه الصهاينة و مشروعهم الاستيطاني ، فدشّنوا أولى المعارك العربية الإسلامية في فلسطين على الإطلاق ضد الصهيونية .
فالجزائر كانت السباقة إلى فتح أول مكتب للثورة الفلسطينية عام 1965م في شارع “ دالي إبراهيم حالياً ” في قلب العاصمة الجزائرية ، و هو مقر السفارة الفلسطينية حاليا ، كما أنها ساهمت بتسليح الفدائيين الفلسطينيين و مدّتهم و دعّمتهم بالأسلحة الجزائرية و عملت على تدريب الفدائيين في معسكراتها ، ناهيك عن الدعم الجزائري السياسي و المعنوي و المادي ، من دون أن ننسى أن إخواننا الفلسطينيون في الجزائر كأنهم مواطنون جزائريون يعيشون في وطنهم من غير أي تفرقة أو تمييز ، فكانت الجزائر و شعبُها نِعم الوطن و الأخ الحبيب لهم .
و في الأخير يمكننا القول أن الجزائريين هم جزء من تحرير بيت المقدس من الصليبيّين أيام القائد البطل ” صلاح الدين الأيوبي ” ، و هم أول من أسّسوا لمقاومة المدّ الصهيوني في فلسطين ، كما كانت دماؤهم هي أول دماء استبركت بها وارتوت تربة فلسطين ، و كانوا جزءا كبيرا في كل مراحل النضال الفلسطيني ، و لم يكن دعمهم يوما حبيس الشعارات و النداءات يغازلون بها فلسطين من بعيد ، و إنما كان وقائع و أحداث تاريخية كتبت بالدم الأحمر .