تركيز معمق وحركية كبيرة تشهدها المنظومة المالية، لجعلها رافدا محوريا في تمويل الاقتصاد الوطني، وأداة جوهرية لتسريع أداء الآلة الإنتاجية، وفي هذا الظرف.
إصلاح البنوك.. دعامة الاقتصاد الجديد ونهاية الريع
كل الأنظار تتجه نحو تكريس جهود تعجيل تحقيق المرونة والتحديث الجذري لهذا القطاع الاستراتيجي في الحياة الاقتصادية، إضافة إلى العمل على تنويع الفاعلين في هذا القطاع من خلال تشجيع الخواص على التواجد في قلب المنظومة المالية للمشاركة في تطوير نسيج المؤسسات الإنتاجية وترقية الاستثمار والرفع من “ريتم” الدورة الاقتصادية في منحى تصاعدي متقدم.
إن حرص رئيس الجمهورية على تقويم القطاع المالي، يندرج ضمن رهان استكمال مسار الإصلاحات المتناسقة مع التغيير المنشود، والقفز بالمنظومة البنكية إلى سقف عال من النجاعة والتنوع والفعالية؛ لهذا يعد توجه تشجيع القطاع الخاص على اقتحام الاستثمار في القطاع البنكي، انفتاحا تاريخيا راسخا سيتكرس مع الانطلاق في فتح رأسمال بنكين عموميين، وهذا ما يرشح القطاع البنكي والمصرفي كي يعرف تحولا ثابتا ومستمرا نحو العصرنة والرقمنة، والإحكام وفق ضوابط الحوكمة، بقصد التأسيس لنظام مالي رقمي متطور، يفضي إلى تطوير الأداء، لتكون المشاريع الاستثمارية على موعد مع رهان التنافسية الاقتصادية.
ويترقب حاملو المشاريع، مثل مختلف المتعاملين الاقتصاديين، هذا الانفتاح باهتمام، لأن المؤسسة المالية ستتعزز بمستثمرين خواص، وسترصد التسهيلات وتجند كل الدعم من موارد مالية وتضعها في متناول المؤسسة الإنتاجية، على خلفية أن تدفق المال من شأنه أن يضاعف من الثروة ويحسن من الخدمات ويطور من بيئة الأعمال، ما يمنح تمويلات أكبر للقطاع الإنتاجي، ويضمن له نجاحا تلوح في الأفق بوادره..
السوق المالية الوطنية تحتاج إلى مضاعفة عدد البنوك
يتوقع الخبير في الشؤون المالية والاقتصادية، نبيل جمعة، أن فتح رأسمال بنكين عموميين، سيساهم في الرفع من فرص الاستثمار الجديدة، كما ينتظر من هذه الخطوة الجديدة أن تعزز القدرة التنافسية للقطاع المالي، وتحقق جاذبية غير مسبوقة للسوق المالية الجزائرية.
يعتقد الخبير أن المنظومة البنكية الوطنية – في ظرف التحول والإصلاح الجاري – بحاجة إلى مضاعفة عدد البنوك الناشطة والتوجه بقوة نحو الخدمات الإلكترونية وتعزيز الثقة في المنظومة المالية والمصرفية.
يرى الخبير المالي والاقتصادي نبيل جمعة، أن الاقتراب من تجسيد إجراء فتح رأسمال بنكين عموميين، خاصة في هذا الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الجزائري سيرا حثيثا لتحقيق تنافسية وتنوع أكبر، سيكون ذا أبعاد اقتصادية وتنموية من شأنها أن تغيير كل ما سجل في السابق من تباطؤ تدفق التمويلات والبيروقراطية، وتخوف العديد من البنوك من خوض مغامرة تمويل العديد من المشاريع، خاصة تلك التي تختار الحقول الجديدة للاستثمار، ويأتي كل هذا بعد أن شدد رئيس الجمهورية على ضرورة انخراط المنظومة المالية في وتيرة سريعة ونجاعة عالية من الأداء، من خلال إدراج الرقمنة ومواكبة التقدم التكنولوجي.
وأكد الخبير جمعة أن عملية فتح رأسمال البنوك العمومية في الجزائر، يمكنها أن توفر العديد من المزايا المالية والاقتصادية، المتمثلة في ضخ الأموال الخاصة التي من شأنها تعزيز تنمية القطاع المصرفي، فالأموال الموجودة خارج الإطار الرسمي ولا يستوعبها النظام المصرفي وتكدس في السوق الموازية – يقول محدثنا – قد تصل إلى 50 بالمائة من الناتج الإجمالي الخام الجزائري، ورئيس الجمهورية – يوصل المتحدث – أكد أنها قد تصل إلى 10 آلاف مليار دينار، وكلها مكتنزة في القطاع الموازي، أما عندما تفتح رؤوس أموال البنوك، فإن الحجم الهائل لهذه الأموال، سيضخ – دون شك – في البنوك، ومن ثم يرتفع الناتج الخام الإجمالي الجزائري بنحو 3 نقاط أو أكثر، فالواقع مع الأسف – يقول جمعة – إن هذه الأموال تعد جزءا من القطاع غير الرسمي، وهي مكدسة وغير مستغلة، أي أنها تمثل ثروة من ثروات البلاد غير المستغلة.
وتحدث جمعة عن وجود مؤشر “جيني” يرتكز عليه في المالية الدولية، وينظر على أساسه في تحديد طريقة توزيع مالية البلدان، وسرعة توزيع الأموال أو إن كانت هذه الأموال مكدسة.
ومن مزايا القرار الأخير لرئيس الجمهورية، الحريص على تطوير النسيج الاقتصادي بشكل سريع وقوي – يقول جمعة – تعزيز تنمية القطاع المصرفي الجزائري وتحسين الحوكمة، بفضل مشاركة مستثمري القطاع الخاص، وأضاف أن هذا ما يجعل الاعتماد على الكفاءات في تسيير القطاع كبيرا ومحسوسا، في وقت مازالت الساحة المالية الجزائرية ممولة بنحو 85 بالمائة من القطاع العام، بسبب غياب الاستثمار؛ لهذا فإن قرار رئيس الجمهورية – يؤكد الخبير – يعد خطوة عملاقة تؤسس لانفتاح جديد وغير مسبوق، سيحسن الأداء بفضل مشاركة مستثمري القطاع الخاص لتطوير الاقتصاد الجزائري وخلق فرص جديدة عبر استثمارات حقيقية وفعالة.
واستحسن جمعة، فتح رأسمال البنوك بنسبة 30 بالمائة، على خلفية أن مشروع فتح بنك في الجزائر، يتطلب توفر سيولة مالية تناهز 200 مليون دولار، أي ما يناهز 20 مليار دينار، بينما ستتجاوز رساميل البنوك التي ستفتح 80 مليار دينار، واقترح جمعة مضاعفة عدد البنوك، على خلفية أنه يتوفر بالسوق المالية الجزائرية 20 بنكا، بينها 7 بنوك عمومية، و13 بنكا خاصا، ونحتاج حاليا إلى 20 بنكا جديدا، خاصة وأن الجزائر تسجل لكل 28 ألف نسمة، شباكا واحدا، بينما يجب – بحسب المعايير الدولية – توفير بنك واحد لكل 7000 نسمة.
وفي أثناء تثمينه للانفتاح الجديد في المنظومة المالية، وخلص جمعة إلى القول أن فتح نشاط الفرص الاستثمارية الجديدة تعزز القدرة التنافسية للقطاع المالي وستساهم في جاذبية السوق المالية الجزائرية، وستزيد من قدرة البنوك على امتصاص الخسائر، مما يحصنها بالحماية في حالة حدوث أزمات، ولأن الزيادة في رأسمال البنوك، سيرفع من قدرتها على منح القروض للأفراد والشركات، وبالإضافة إلى ذلك ستقفز بالنمو الاقتصادي إلى مستويات معتبرة، فالنمو في هذه الحالة – يتوقع محدثنا – سيرتفع بنقطتين.
وأكد الخبير المالي أن عملية تدفق القروض نمت بحوالي 2 بالمائة خلال عام 2023، وقدرت بما لا يقل عن 4650 مليار دينار، وقال إن رؤوس الأموال الجديدة تحسن من الخدمات، بينما يمكّن الاستثمار في البنوك من الانفتاح على الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة، ومتابعة التطور التكنولوجي والاستثمار فيه، كون القطاع الخاص سيسهر على تحسين الخدمات.
وأثنى الخبير على قانون النقد والصرف الجديد الذي انفتح على الاستثمار في المؤسسات المالية الالكترونية من دون شبابيك، وتم تجسيد ذلك في بنك الفلاحة وبنك فرنسي ناشط بالجزائر، وتجري الخدمات بصفة آلية في أي وقت، وكل ذلك ينتظر منه أن يعزز الثقة في النظام المصرفي.