لن يخالفنا أحد من رواد الملتقيات العلمية، إذا قلنا إنها جميعا – دون استثناء – تتّفق على سيناريو واحد يتكرّر دائما.. الأمر ليس صعبا، فالبداية تكون بإعداد ديباجة تتضمن سؤالا إشكاليّا، يتفرّع إلى أسئلة فرعيّة تؤسّس لمحاور الملتقى، أملا في الإلمام بـ(الموضوع) من جميع جوانبه، ثم يوزّع الإعلان، ويُضبط البرنامج بالدّقيقة.. هذا وقت المداخلات، وذاك وقت المناقشات، والآخر وقت الراحة و(الاستجمام)، وكل شيء غايةٌ في الجمال..
ويحلّ يوم الملتقى الموعود ببركاته، فيجتمع الباحثون المجتهدون في الواقع (أو عبر المواقع).. ويتم إعلان الافتتاح.. وهنا، يحدث ما لا يُؤخذ في الحسبان (على الدّوام).. يتدخل شخص محترم في عشيرته، أو مسؤول عال في رتبته، فيخطب في الجمع (مُنوّها) و(مُشيدا) و(شاكرا) و(مهنئا) و(Bla Bla Bla)، ولا يكف عن الخطابة حتى (يلتهم) معظم الوقت، ثم يفسح المجال للمداخلات التي لا تجد غير خمس دقائق (إن كانت محظوظة).. وترى رئيس الجلسة وهو يستنفر المحاضر كي يختم (هدرته)، ويفسح المجال لـ(الهدرة) الموالية، فلا حاجة للملتقى في تضييع مزيد من الوقت.. أما المساحة المخصصة للمناقشات، فهي – وفق العادة – لا محل لها في التوقيت.. وهكذا تتوالى فعاليات الملتقى، إلى أن تصدر التوصيات المعدّة سلفا، فالجميع يعرفون بأن المسألة لا تتعلق بإشكاليات تبحث عن حلول، قدر تعلقها بـ(الوقت)..
ولا ننكر أن كثيرا من الباحثين يقدّمون للملتقيات عصارة أفكارهم، ومنير جهودهم، وكثيرا من الفتوح العلمية الرائدة، لكنها – مع الأسف – تمرّ دون أن يستوعبها أحد، ثم تُركن في مجلات لا يقرأها أحد، والعاقبة لملتقى مقبل..
لعل فكرة «الملتقى» تحوّلت إلى إشكالية تستحق أن يقام لها ملتقى.. من يدري.. ربما يتاح لها أن تفلت من كابوس (الوقت يداهمنا)..