من الخليل إلى البلدة القديمة بالقدس .. وقبلها بيت لحم، وصولا إلى رام الله وأريحا فنابلس وطولكرم رصدت “الشعب شهادات لأطفال محررين من سجون الاحتلال من مخيم جنين الشامخ بصموده تطلع روائح النصر الزكية حينما يتحدث الأبطال المحررون رافعين علامات النصر بأصابعهم الصغيرة . . إنهم صغار يصنعون التاريخ لمحو الظلم الذي طال فلسطين.
إن كان أطفال العالم يتعلمون تجارب هذه الحياة من خلال المقررات الدراسية وعلى الورق، فأطفال فلسطين يعيشون هذه التجارب ويكتبون صفحات تاريخهم بأحرف من دمهم، وإن كانت أقسى العقوبات على الإنسان هي العقوبة السالبة للحرية فإنها تهون أمام شموخ أطفال فلسطين الذين يتعلمون كيف يتنفسون الحريّة التي سرقت منهم في سجون شبيهة القبور المنسية.
صفقة المقاومة والاحتلال لتبادل الأسرى عرّت جرائم الكيان تجاه الأطفال المكبّلين في السجون، فمن هان عليه قصف الأطفال وهم نيام لن يتأخر في تعذيبهم في عتمة الزنازين خصوصا بعد السابع أكتوبر، فهذا التاريخ أصبح نقطة تحول فضحت وجه العدو الهمجي الذي لم يضرب جميع البنود والمواثيق الدولية عرض الحائط في كل ممارساته ضد أطفال فلسطين.
في تصريحات لجريدة ” الشّعب” قال والد الأسيرين المحرّرين من القدس المحتّلة، قسّام ونصر الله إياد أحمد أعور أن ولديه ذاقا سجون الاحتلال في سن السابعة من عمرهما، وهما يسهمان في صناعة تاريخ بلدهم بالتضحية بأغلى ما يملكه الإنسان وهي “الحرية”
وكشف والد الأسيرين المحرّرين أن ابنه نصر الله اعتقل للمرة الرابعة قسّام اعتقل للمرة الثانية، وبتهم باطلة حول استعمال القارورات الحارقة “مولوتوف” وإشعال النار في بساط المستوطنين تم الزج بولديه في سجون الاحتلال بحكم سنتين ونصف.
وأوضح والد الأسيرين أنه سجين سابق في سجون الاحتلال ويعي جيّدا ما مرّ على ولديه طيلة فترة حكمهما التي دامت أزيد من سنة ونصف، خصوصا وأنهما لم يبلغا سن الرشد لحظة اعتقالهما والزج بهما في سجون الاحتلال، بتهم باطلة وفي محاكمة صورية حرم ولداه من رفقة أبيهم حتى أثناء التحقيق.
وأضاف محدثنا أن المعاملة كانت جد سيئة في حقه وحق ولديه مذكرا بأن القانون الدولي ينص على مرافقة الأب لأبنه القاصّر أثناء أي تحقيق، وهو ما لم يسمح به وتمت ممارسة ضغوطات كبيرة على ولديه أثناء التحقيق وتعرضا للتعذيب من طرف الاحتلال.
وقال الأسير المحرّر الطفل نصر الله أنه دخل السجن في سن الـ16 عشر وشاهد بأم عينه أطفال في سن الـ11 يقاسمونه زنزانة السجن، وذكر محدثنا أن الاحتلال حرمهم من جميع مكتسباتهم بعد السابع من أكتوبر، وقال الطفل المحرّر نصر الله ” حرمونا من كل شيء بعد السابع من اكتوبر حتى الأفرشة أخذوها من غرف الشجن وضعونا في أماكن أشبه بمقبرة للأحياء، حرمونا من أبسط الحقوق وعزلنا على العالم الخارجي لم نكن ندري ما يحدث في الخارج”.
وأوضح نصر الله أن الاحتلال لم يكن يفرق بين الأطفال والبالغين في السجون وكانوا يتعرضون لنفس ظروف الاعتقال والتعذيب النفسي والجسدي خصوصا الاعتداء بالضرب على يد أكثر من سجّان، وأضاف أن الاحتلال تعمد ترك الأسرى الأطفال بمفردهم دون أي أسير بالغ يرشدهم، لذلك كان برفقة زملائه يحاولون مواساة من هم أصغر منهم سنّا قدر المستطاع.
الأسير المحرّر من القدس محمد أحمد خير الله اعور 17 سنة، روى لنا كيف تم اعتقاله قبل 16 شهرا والزّج به في سجون الاحتلال، بعد الحكم عليه بـ32 شهرا قضى منها نصف العقوبة واستفاد من صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة، وقال محمد احمد خير الله اعور أن الظروف داخل السجن قاسية خصوصا على الأطفال الصغار.
وأضاف محدثنا قائلا ” كنا نتقاسم تلك الوجبة التي تقدم لنا على ونترك جزءا كبيرا منها لمن هم أقل منا سنّا، كان معنا أطفال دون الـ14 سنة، لذا كنا نتضامن معهم ونحاول ان نكون سندا لهم بالرغم من فارق السن البسيط بيننا”.
وقال محمد خير الله أن الفترة الاخيرة تميزت بالعنف الشديد اتجاه الأسرى وكل يوم يأتي مسجون بدمائه من آثار الضرب والاعتداء عليه من قبل الاحتلال، مشيرا الى انقطاعهم عن العالم الخارجي نهائيا في تلك الفترة.
من جهته كشف الأسير المحرر زيد نعيم شحدة عرعر 16 سنة من الخليل لـ”الشّعب” عن الظروف المأساوية التي رافقت اعتقاله قبل ثلاثة أشهر بتهم باطلة تتعلق بالانتماء لخلايا المقاومة وغيرها من التهم التي يكيلها الاحتلال للأطفال من اجل الانتقام من أوليائهم في كثير من الحالات.
وذكر زيد أن سياسة التجويع والإهانة كانت إحدى وسائل التنكيل لدى الاحتلال إذ كانت يضع صحنا واحدا لأزيد من 11 سجين من أجل الأكل فيه، مشيرا إلى أن التضامن كان السّمة التي تغلب على الأسرى من اجل واجهة ممارسات إدارة السجون.
من قرية فحمة بجنين قالت خالة الأسير المحرّر وحيد اسماعيل جميل صبيح 17 سنة، أن ظروف اعتقال إبن أختها ومحاكمته لم تختلف عن سابقيه من الأطفال المسجونين، وبتهمة الرشق بالحجارة حكم على وحيد بالسجن لستة أشهر بعد شهرين من جلسات محكمة صورية، وتروي لنا قريبة الأسير كيف عاشت العائلة على مخاوف فقدان الولد بعد انقطاع الاتصال بالأسرى منذ السابع أكتوبر.
وذكرت محدثتنا أن آخر زيارة واتصال بالأسير كانت قبل أزيد من شهرين من تاريخ خروجه، فالاحتلال منع الزيارة عن المساجين وحرم أوليائهم من الإطلاع عن أي صغير أو كبيرة عن وضعية أبنائهم المعتقلين، إلى غاية خروجهم من السجون المظلمة.