تعوّد الدّارسون على التّمثل بالعمل الإعلامي الغربي، وتقديمه نموذجا (رفيعا) عن الاحترافية العالية، بحكم تواجده في جميع أصقاع العالم، لا يترك شاردة ولا واردة إلاّ سجّلها، وطاف بها في الآفاق، ناهيك عن إحكام أساليب التقديم، والتّحكم في تقنيات التّوظيب والإخراج، وعلوّ الكعب في التّحقيق والتّدقيق، وهلمّ جرّا ممّا تقتضي منهجيات العمل الإعلامي..
ولم ترتبط «عادة» الدّارسين بالواقع المعيش؛ ذلك أنّهم (يكتشفون) في مناسبات بعينها، أن «الإعلام الغربي» (المحترف للغاية) يكيل بمكيالين، ويغلّب (المصلحة الضيّقة) على «الحقيقة السّاطعة»، ويناور ويخادع ويصطنع الأراجيف، بل «يكذب» صراحة (دون حياء)، تماما مثلما يحدث حاليا في التّغطيات التي تخصّصها وسائل إعلام عالمية (محترفة) للوضع في فلسطين، فهي – على سبيل المثال – تصرّ على وضع «ترويسة» (لازمة) لكل أخبار قصف العزّل، تقول فيها إنّ الصّراع حرّكه هجوم المقاومة الفلسطينية في السّابع من أكتوبر، كي ترسم الإطار الذي ينبغي أن تلتزم به القراءة، ثم تسرد جميع وقائع الإبادة، مع المبالغة في تضخيم قوة المقاومة الفلسطينية، وقدراتها العالية. وبهذا تتحول الهمجية الصهيونية المظلمة، إلى ردّ فعل طبيعي..ويغفل المتلقي عن الفوارق بين الذين يلقون النيران الهوجاء من السماء، وأولئك الذين يتخطّفهم الموت على الأرض وهم لا يجدون لقمة تسدّ الرّمق..
على كل حال، لا نرى أنّ «الاحترافية» في حقل الإعلام، مرتبطة بمستويات التّحكم في اللغة والأسلوب والتقنيات المختلفة، فهذه يمكن التّدرب عليها، والتفوّق في إحكامها، بل والإبداع فيها.. الاحترافية – في رأينا – تتجلى في القدرة على الالتزام بالمبادئ الإنسانية، والانتصار لـ «الحقيقة» وحدها..وهذا ما برهن عليه الإعلام الجزائري منذ تأسّس في زمن الإصلاح، وازدهر في كنف ثورة التّحرير المباركة..
والمجد لك يا الصّحفي الذي لم يبدّل تبديلا..