إذا كان النفط والغاز وغيرها من الثروات المنجمية التي تزخر بها الجزائر، قد شكّلت على مدار العقود السابقة صمّام أمان للاقتصاد الوطني، فالجزائر تزخر بثروات طبيعية أخرى هائلة ولا تنضب، أبرزها “دقلة نور” في شعبة إنتاج التمور، وزيت بغلية، والبكر، وغيرها من الزيوت الجزائرية، باعتبارها علامات تختص بإنتاجهما الجزائر دون غيرها من البلدان والدول.
تحتل الجزائر مراتب متقدّمة عالميا في إنتاج محصول زيت الزيتون، بـأزيد من 40 ألف قنطار سنويا من ثمار الزيتون على مساحة لا تتجاوز 44000 هكتار، وهو ما دفع بالدولة الجزائرية إلى تبني مخطط تنموي يقضي بزيادة وتوسيع المساحة المخصصة لأشجار الزيتون إلى واحد مليون هكتار في إطار برنامج السد الأخضر، والانخراط في برامج تطوير هذه الشعبة الإستراتيجية الهامة، وتجسيد برنامج الشراكة بين الاتحاد الأوربي والجزائر “بزا PASS” الرامي إلى تطوير هذه الشعبة الإستراتيجية الهامة.
وتعدّ مسألة كسب رهان جودة زيت الزيتون بالجزائر، من أبرز الأهداف والخطط التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، من خلال الجهود المبذولة الرامية إلى تطوير هذه الشعبة الزراعية الهامة بالجزائر، تعززها تلك التوجهات الجديدة للدولة الجزائرية، بإعادة الاعتبار لبرامج الدعم الفلاحي في شعبة زراعة الأشجار المثمرة عموما وأشجار الزيتون على وجه الخصوص، لاسيما من خلال المزارع النموذجية، وتطوير عملية انتاجها بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة، وتكوين المستشارين وخبراء في مجال زراعة هذه الشعبة، أو من خلال الانخراط في برامج الدعم الوطنية والدولية، ومنها برنامج دعم القطاع الفلاحي لتطوير مختلف الشعب الفلاحية بما فيها شعبة زيت الزيتون، المعروف ببرنامج
«بزا PASA”، أو العمل على توسيع المساحة المخصصة لزراعة هذه الشجرة المباركة، قصد تسجيل وثبة نوعية في مجال تطوير شعبة الزيتون بمختلف أنواعه وأصنافه، وبالتالي تحقيق اكتفاء ذاتي من هذه المادة على المدى القريب، تمهيدا لبلوغ الهدف المنشود وهو التصدير وتحقيق عائدات من العملة الصعبة خارج المحلوقات على المدى المتوسط، من شانهأ أن تساهم تحقيق الرخاء للاقتصاد الوطني.
شراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي
واعتبر الخبير الفلاحي في برنامج الدعم الفلاحي “PASA” الطاهر مازا”، أن انخراط الجزائر في برنامج دعم القطاع الفلاحي “بزا”، سيتيح للجزائر، في ظل الامكانية الطبيعية والمقومات التي تملكها، إمكانية تطوير هذه الشعبة للوصول إلى نتائج ملموسة على المدى القريب، من خلال ضمان تكوين مستشارين مختصين في مجال إنتاج زيت الزيتون وتحويل الزيوت، واشراكهم في مختلف الدراسات بمجموعة من الخبراء في هذا المجال، لكي يتدارسوا مختلف السلاسل القيمية في هذه الشعبة، والتعمّق في مختلف المشاريع والأماكن الجغرافية التي تعرف نموا كبير في هذه الشعبة، ما يسمح لهم بتحقيق التراكم المعرفي ورصيد مهم عن كل كبيرة وصغيرة مرتبطة بهذه الشعبة الاستراتيجية، تمكنهم فيما بعد من اقتراح حلول وآليات تكون كخارطة طريق للنهوض بهذه الزراعة المهمة في الجزائر.
يمكن تليخص هذا التكوين في ثلاث محاور أساسية، أبرزها الانتاج والانتاجية لشعبة زيت الزيتون، والثانية تتعلق بمعرفة القيمة المالية للشعبة، أما المحورالثالث فيتعلق بحسبه،بالجانب التنظيمي للفاعلين الاقتصاديين في هذه الشعبة بمختلف الشرائح الموجودة من حيث المنتجين ومنتجي العقل أو أصحاب مشاتل انتاج أشجار الزيتون، وقد انطلق البرنامج في سنة 2019 بالفعل، في إرساء معالم الحلول المقترحة من طرف الخبراء، عبر التركيز على تعديل مخطط التكوين الذي يعد بمثابة الحل الأساسي والأمثل للنهوض بهذه الشعبة الإستراتيجية، من أجل الوصول إلى نظرية التحويل في هذه الشعبة، عبر استقدام المتعاملين الاقتصاديين من نمط إلى نمط وبتطبيق مبدأ الكمية والنوعية.
ويعتبر برنامج الدعم القطاعي “PASA” هو برنامج دعم تابع للاتحاد الأوربي، يعمل على تكوين مستشارين وخبراء في الإنتاج الفلاحي ومنها شعبة زيت الزيتون، اختص في البداية بتكوين مستشارين ومؤطرين في شعبة زيت الزيتون، عبر ثلاث ولايات هي بجاية، تيزي وزو والبويرة باعتبارها، تساهم في انتاج أزيد من 40 بالمائة من الانتاج الوطني محصول الزيوت، ليشمل البرنامج مؤخرا دخول ثمان ولايات، من خلال اعتماد 5 ولايات جديدة مؤخرا شملت برج بوعريريج، بجاية، سطيف، جيجل وبومراس تمّ إدراجها في البرنامج، بحسب تصريح أحد أعضائه المؤطرين، نظرا لقرب هذه الولايات من المناطق الأولى التى مسّها برنامج الدعم القطاع الفلاحي في بداية انطلاقه سنة 2019.
ويهدف البرنامج إلى تكوين مستشارين في شعبة زيت الزيتون، يتولون بدورهم تكوين الفلاحين وإرشادهم من حيث التكيف مع المتغيرات الجديدة المتعلقة بإنتاج وتطوير هذا المحصول الاستراتيجي، منها طريقة التعامل مع التغيرات المناخية المؤثرة على مردود المحصول، وتأطير المستثمرين وأصحاب المعاصر قصد النهوض بهذه الشعبة الاستراتيجية، وتطويرها بالاعتماد على الأنماط التقنية في انتاج زيت الزيتون في هذه الولايات، ويشرف البرنامج حاليا، على تكوين وتأطير أزيد من 60 مرشدا فلاحيا في الولايات المذكورة بما فيها ولاية برج بوعريريج.
حقول نموذجية للتكيّف مع المتغيرات المناخية
واعتبر المتحدث في حديث لـ«الشعب” بأن الحقول النموذجية، تعد من أبرز الطرق التي يستطيع من خلالها الفلاح، تحقيق مردود أفضل حيث تـُمكّن المنتج من معرفة وتعلّم التقنيات الحديثة وكيفية التكيف مع المتغيرات المناخية الحديثة، وكيفية زيادة الانتاج بأقل تكلفة وأكثر انتاجية، بشكل فعال يساهم في زيادة المنتوج والحصول على زيت الزيتون بنوعية جيدة موجه للمستهلك الجزائري والوطني، أو للسوق العالمية بمعايير جودة عالمية من شأنها أن تساهم في إرادات مالية هامة بالعملية الصعبة للدولة.
مشاريع جمعوية
ودعا الخبير الفلاحي في برنامج “بزا”، إلى حتمية تطوير هذه الشعبة الاستراتيجية في الجزائر من خلال إنشاء مشاريع خاصة ذات طابع جمعوي أو تعاضدي، للتكّيف مع المتغيرات الحاصلة في مجال تطوير هذه الشعبة، منها تلك المشاريع التي اقترحت في إطار توصيات برنامج الدعم القطاعي لشعبة الزيتون “PASA” الذي اقترح تشكيل جمعيات أو تعاونيات فلاحية تشتغل في هذا المجال ويقوم البرنامج بتدعيمها من حيث التمويل والمرافقة الميدانية والتكوين، لاسيما فيما تعلق بالجانب التنظيمي وإقامة ملتقيات وأيام دراسية لتدرس آخر المستجدات الرامية لتطوير شعبة زيت الزيتون.
أساليب حديثة
فيما ذهب المستشار والمؤطر في برامج التكوين الخاصة بشعبة زيت الزيتون “مصدق علي” إلى ضرورة الوعي بتلك التحديات التي تواجه منتجي الزيتون في الجزائر، من أجل النهوض بشعبة إنتاج الزيت وبلوغ الأهداف المسطرة الرامية إلى ولوج مراتب ريادية في عالم التصدير، أبرزها التحلي بالتقنيات الحديثة في جني محصول الزيتون من حيث الوسيلة المستعملة في عملية الجني وقطف الثمار، أو تلك المظاهر المتعلقة بموعد بجني المتأخر، التي تؤثر على الانتاج كما ونوعا، يضاف إليها المساحة الاجمالية المخصصة لإنتاج الزيتون المقدرة بـ44000 هكتار.
معتبرا في ذات السياق، بأن التقيد بعملية الجني المبكر في استخلاص محصول زيت الزيتون يعطي نتائج مبهرة، ويحقق وثبة مهمة من حيث الجودة العالية، نظرا للطبيعة الكميائية لثمار الزيتون خلال هذه المرحلة، إذ يكون المحصول لا يزال في مرحلة النضج، كما أن إتباع المسار التقني من حيث عملية التخزين التي ينصح فيها عادة بأن لا تتجاوز أكثر من 72 ساعة كحد أقصى، إضافة إلى تجنّب وضعها أو تخزينها في الأكياس البلاستكية، كلها عوامل تؤثر على طبيعة المنتوج، داعيا إلى ضرورة الالتزام والتقيد بالطرق الحديثة في عملية جني المحصول لاسيما منها الطريقة الكلاسيكية التي يعتمد فيها الجني على العصا، وتتسبب في تخريب البراعم الأم المنتجة للثمار المنتجة لحبة الزيتون، وبتالي تدخل الشجرة في ظاهرة المناوبة ويقل مردودها في الإنتاج، واستبدالها بعملية الجني عن طريق جهاز المشط الاهتزازي الذي يوفر، بحسبه مقدار جني 6 أشخاص، بمقدار يتجاوز الــ60 كلغ في الساعة الواحدة.
مشيرا، إلى أنه تمّ اقتراح هذا الجهاز لأن يكون متاحا في إطار القروض المدعمة التي توفرها مصالح وهيئات التابعة لقطاع الفلاحة، لفائدة الفلاحين على غرار قرض الرفيق، الذي يشمل القرض بدون فائدة، عن طريق تعاونيات فلاحية أو مستثمرات فلاحية، تندرج في إطار التسهيلات الممنوحة وبرامج الدعم التي توفرها المصالح الفلاحية لإنجاح عملية جني محصول الزيتون، وكل هذا من شأنه أن يساهم في تحسين وزيادة المردود كما ونوعا بحسبه.
سدّ أخضر “زيتوني”
كما ثمّن، المستشار، تلك المبادرة التي تعتزم السلطات اطلاقها في قادم الأيام، والمتمثلة في توسيع المساحة المخصصة لغرس أشجار الزيتون، لتشمل مليون هكتار مخصصة لغرس أشجار الزيتون في الجزائر، في إطار مبادرة رئيس الجمهورية ومشروع السد الأخضر، واعتزام السلطات الوصية إلى إنشاء مخبر للتحاليل الحسية لزيت الزيتون، الذي من شأنه أن يساهم بشكل كبير في القضاء على مشكل، اعتماد التحاليل الخاصة بزيت الزيتون والجودة، مخصص لتحليل العينات الزيتية، والذي يجبر الكثير من منتجي زيت الزيتون إلى التنقل إلى الخارج والانتظار كثيرا من أجل معرفة درجة المطابقة في ما يتعلّق بنتائج التحاليل الخاصة بزيوتهم، وهو ما دفع بالسلطات الوصية إلى التفكير في إنشاء مخبر تقني حسي خاص بتحليل الزيوت، يتولى مهمة التحليل الكيميائي والفيزيائي والحسي، الذي يعدّ بحسبه، من أبرز وأهم مرحلة من مراحل التحليل، من أجل اعتمادها كزيوت ذات خصوصية، كون التحاليل الوراثية والكيميائية لا تكفي وحدها، خاصة تلك المنتوجات الموجهة للتصدير التي تقتضي التأشير من مخبر معتمد وذو مصداقية.
الزيت البيولوجي طموح ينبغي العمل على تجسيده
وأكد “مصطفى مصدق” لـ«الشعب” بأن المشكل الذي يعتري ولوج الأسواق العالمية، لا يكمن في جودة الانتاج، فالجزائر قد سجّلت العديد من الميداليات الذهبية المرتبطة بجودة المنتوج الجزائري، منها جودة زيت البكر، وزيت بغلية الحاصلين على الميدالية الذهبية، وإنما يكمن في توسيع دائرة المحاصيل المخصصة لانتاج الزيتون، للوصول إلى مرحلة التصدير، وتجاوزها إلى مرحلة إنتاج الزيت البيولوجي النادر والمعروف بقيمته الغذائية العالية، حيث تتجاوز قيمته المالية 80000 دينار جزائري للتر الواحد ـ حسبه ـ، كونه يقتضي انتاجه معايير وشروط صارمة لاستخلاصه، من حيث الابتعاد عن المواد الكيميائية والأسمدة المعدنية في انتاجه، تصل حدّ التخلي عن السقي باستعمال التقطير، لاحتمالية تأثير المواد البلاستيكية المستعملة في السقي على مكونات عناصره، خاصة خلال ارتفاع درجات الحرارة، وكل هذه الشروط من أجل إعطاء صاحب المستثمرة علامة الجودة البيولوجية، أو الهوية البيولوجية لمنتوج الزيت البيولوجي، أو علامة الهوية الجغرافية الخاصة بالمنتوج المرتبط بالهوية الجغرافية، مثل منتوج التمور “دقلة نور” المسجلة باسم منطقة جزائرية ولا يمكن لأي دولة أخرى اداء امتلاكه.
مشيرا في ذات السياق، بأن الجزائر تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث إنتاج زيت المائدة، والمرتبة السابعة عالميا في إنتاج زيت الزيتون، بإنتاج يصل إلى 40 ألف قنطار سنويا، على مساحة تتجاوز 44 ألف هكتار مخصصة لأشجار الزيتون بحسبه، والطموح في مشروع واقعي للجزائر لبلوغ المرتبة الأولى أو الثانية عالميا، بالنظر إلى تلك المقومات التي تمتلكها الجزائر، طبيعيا، ومناخيا، وبشريا، تؤهلها لاعتلاء الريادة.
أجود أنواع الزيتون في العالم
وكانت الزيوت الجزائرية، ممثلة بزيت الزيتون محل منافسة عالمية في العديد من المسابقات الدولية، فقد فاز زيت الزيتون الجزائري من منطقة عين وسارة بالجلفة، بالميدالية الذهبية، للمرة الثانية على التوالي في المسابقة الدولية لزيت الزيتون الخام الممتازة التي جرت في دبي في عام 2022، والتي تقضي المشاركة في مثل هذه المسابقات الدولية، ضوابط وشروط صارمة من أجل التأهل للمرتبة النهائية للتتويج بالميدالية الذهبية، أبرزها استيفاء المنتوج كل معايير جودة معينة، يفرضها المجلس الدولي لانتاج زيت للزيتون، من حيث إخضاع المنتوج أو الزيت إلى تحليلات حسية وفيزيائية وكيميائية وميكروبيولوجية، من أجل القبول في المنافسة، وهو ما يبرز مدى جودة المنتوج الجزائري وبلوغه مراتب مشرفة أمام الزيوت العالمية الأخرى.