عرفت الساحة الإعلامية في الجزائر الجديدة، خلال الفترة الأخيرة، «ثورة» حقيقية في إصدار القوانين وإعادة النظر في الواقع المهني والتشريعي والتنظيمي، إيذانا بإصلاح عميق وهادف للقطاع وردّ اعتباره، وبناء إعلام وطني قوي ومؤثر. حيث أكد، في هذا الشأن، وزير الاتصال محمد لعقاب، خلال عدة تدخلات وتصريحات، حرص رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، على إصدار قوانين «واضحة ودقيقة» لتنظيم قطاع الاتصال.
وجاءت مصادقة المجلس الشعبي الوطني، ثم مجلس الأمة، قبل أيام، على مشروع قانون الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية ومشروع قانون السمعي البصري، ليكرّس بداية الإصلاح الفعلي لقطاع حيوي. وقد دعا السيد لعقاب، إلى مساهمة الجميع في «الارتقاء بالإعلام الوطني، فكرا وممارسة وتشريعيا، إلى المراتب العليا التي يفتخر بها شعبنا الأبي».
التكيف مع تطورات التكنولوجيات
وأكد وزير الاتصال، بخصوص نصي القانونين الجديدين، أنهما يتصفان بالدقة والوضوح مما يسهل تطبيقهما، مشيرا بخصوص نص قانون الصحافة المكتوبة والإلكترونية إلى أنه تم إخضاع إنشاء النشريات الدورية والصحف الإلكترونية لنظام التصريح لممارسة النشاط أمام المصالح المؤهلة لوزارة الاتصال مقابل وصل إيداع.
وأبرز الوزير، خلال عرضه لمشروعي القانونين أمام غرفتي البرلمان، في وقت سابق، أنه تم أيضا ضبط المفاهيم الخاصة بالصحافة الالكترونية من خلال تكييفها مع التطورات الحاصلة في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، باعتبار أن الصحافة الالكترونية خدمة اتصال متعددة الوسائط، لافتا إلى أن الأحكام الجديدة، استبعدت المواقع الالكترونية التي تهدف أساسا إلى نشر الرسائل الإشهارية أو الإعلانات ومواقع الأنترنت الشخصية والمدونات التي تنشر بصفة غير مهنية، فضلا عن فتح المجال أمام الأشخاص الطبيعيين لإنشاء النشريات الدورية والصحف الالكترونية.
وبخصوص توطين الصحف الالكترونية بالجزائر، أفاد الوزير بإلزامية ممارسة هذه الصحف لنشاطها عبر موقع إلكتروني موطن «حصريا وماديا ومنطقيا بالجزائر بامتداد اسم النطاق «dz».
تغييرات وإصلاحات شاملة
كما ركز الوزير على «عدم السماح لمدير النشر أن يدير أكثر من نشرية واحدة للإعلام العام تصدر بنفس نظام الإصدار أو صحيفة إلكترونية للإعلام العام وإخضاع النشريات الدورية و/أو الصحف الإلكترونية لنفس الشروط من خلال النص على حيازة مدير النشر لشهادة جامعية إلى جانب الكفاءة وخبرة فعلية في مجال الإعلام لا تقل عن 8 سنوات مثبتة».
ومن بين ما نص عليه مشروع القانون أيضا، «تحديد عدد النشريات والصحف الالكترونية المسموح امتلاكها أو مراقبتها، بنشرية واحدة و/أو صحيفة إلكترونية واحدة، وذلك تكريسا لمبدإ تعددية الآراء والفكر، مع منع تمركز النشريات الدورية والصحف الالكترونية في يد مالك واحد».
وينص المشروع، من جهة أخرى، على إعادة النظر في تشكيلة سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية، قصد التطابق مع أحكام المادة 92 من الدستور، لتتشكل من 9 أعضاء معينين من طرف رئيس الجمهورية، إضافة إلى توسيع مهام هذه السلطة من خلال منحها صلاحيات تتعلق أساسا بمنع التأثير المالي والسياسي أو الإيديولوجي، مع ضرورة ضبط النشاط الاشهاري وتحديد الحد المسموح به من المادة الإشهارية في مجال الصحافة الالكترونية.
وفيما تعلق بنص القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، أوضح الدكتور لعقاب أن هذا النص «يكرس للمؤسسة العمومية للبث الإذاعي والتلفزي في الجزائر حصرية بث خدمات الاتصال السمعي البصري، تعزيزا للسيادة الوطنية والأمن الوطني، زيادة على توسيع نطاق خدمات الاتصال السمعي البصري المرخص لها إلى القنوات ذات المضامين العامة، خلافا لما هو معمول به في القانون ساري المفعول».
كما أعلن السيد لعقاب عن توضيحات وشروحات إضافية عن مشروع القانون، من بينها «إخضاع إنشاء خدمات الاتصال السمعي البصري عبر الأنترنت، إلى رخصة يمنحها وزير الاتصال، مع ضرورة الالتزام بدفاتر الشروط وكذا توحيد إجراءات منح الرخص لجميع القنوات السمعية البصرية التقليدية والقنوات السمعية البصرية عبر الأنترنت»، مشيرا في هذا الشأن إلى أنه تقرر «إلغاء» سقف 40% المفروض على كل مساهم في خدمة اتصال سمعي بصري، بهدف «تحفيز وتشجيع» الاستثمار في هذا المجال.
وأبرز الوزير، من جهة أخرى، تدابير «إعادة النظر» في تشكيلة سلطة ضبط السمعي البصري، مع تكليفها بـ «إبداء الرأي التقني حول إنشاء خدمات الاتصال السمعي البصري قصد التصدي لأي انحراف قد يعيق السير الحسن للنشاط السمعي البصري بمجمله».
الاستقلال السياسي يكتمل بالاستقلال الإعلامي
من جهة أخرى، لفت وزير الاتصال إلى أن هذه المنظومة التشريعية «تراعي انشغالات كل المتدخلين في العمل الإعلامي وتحترم منظومة القيم المجتمعية وتساهم في تعزيز عناصر الهوية الوطنية».
وفي ذكرى بسط السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون الجزائري، أكد وزير الاتصال أن الاستقلال السياسي يكتمل بالاستقلال الإعلامي وهو ما جسده أجدادنا قبل 61 سنة، باسترجاع السيادة على الإذاعة والتلفزيون ولم تكن حادثة تاريخية عادية، بل كانت لها دلالات سياسية قوية تفيد بأن السيادة كلّ متكامل غير قابل للتجزئة، وقال: «نقف اليوم وكلنا فخر واعتزاز بما فعله أباؤنا المسترجعون للسيادة على الإذاعة والتلفزيون، الاستقلال والسيادة لا تقبل الترقيع ولا التجزيء ولا الحل الوسط وما كان للاستقلال السياسي أن يكون كاملا بدون الاستقلال الإعلامي».