منذ نشأة الصحافة وفي شتى المراحل التي مرت بها، وعبر مختلف التطورات السريعة التي عرفتها إلى جانب إسهام ودفع التكنولوجيات الحديثة في تطوير أدائها وفعاليتها وانتشارها، وبظهور التقنيات المتخصصة لجمع المعلومات ونشرها اضطلعت بمهام جسيمة سواء في بناء الدول ومرافقة المجتمعات، وفي حمل مسؤولية وأعباء الدفاع عن الأوطان مع وجود النزاعات والحروب ضمن ما يسمى الدعاية والتعبئة والإرشاد القومي، وذلك إلى جانب الوظيفة الاتصالية بين القيادات والشعوب، وبين مختلف فئات المجتمع، وبين الدول والأمم.
وعلى ذلك، كانت العناية بوسائل الإعلام كمسألة وجودية وجوهرية في حياة الشعوب، وهو ما أدى وكما جاء في تاريخ الصحافة إلى الزيادة المطردة لنطاق الأخبار المتاحة لنا، والسرعة التي تنقل بها الأخبار، وكانت الصحف دائمًا الوسيلة الرئيسية للصحفيين منذ عام 1700، ثم أضيفت المجلات في القرن الثامن عشر، والإذاعة والتلفزيون في القرن العشرين، والإنترنت في القرن الحادي والعشرين.
إن المتصفح لتاريخ ونشأة الصحافة في الجزائر سيقف على ذلك البعد النضالي الذي تأسست عليه أغلب الصحف بوحي من الروح الوطنية المقاومة، حيث كانت الصحافة الجزائرية النضالية المناهضة للاستعمار ومع كل القوانين التعسفية التي وضعتها سلطات الاحتلال لمنع والحد من صدور واستمرار الصحف ثابتة صامدة، مؤكدة أن شعلة الوطنية لا تخبو بل تتجدد مع كل إصدار جديد، وباندلاع ثورة نوفبر 1954 ارتفعت الهمم أكثر أمام بشاعة جرائم الاستعمار التي كان يجب أن تكشف أمام الرأي العام،وهكذا قدمت الصحف الجزائرية الصادرة وقت الثورة على غرار «صحيفة المجاهد ــ المقاومة الجزائريةـ الوطن ــ الشباب» سلاحا يعلي صوت المقاومة وكفاح الشعب الجزائري من أجل السيادة والحرية والكرامة.
في هذا السياق، يذكرنا الاحتفاء بالذكرى الحادية والستين لميلاد وتأسيس أول جريدة تصدرها الجزائر المستقلة باسم «الشعب» تكريما للشعب الجزائري، والذي يوافق تاريخ الحادي عشر ديسمبر، وهو من أيام المجد الجزائري الشامخ، كونه يوما استثنائيا في تاريخ ثورتنا التحريرية المباركة، وشاهدا على وحدة الجزائريين مع قيادتهم في تقرير المصير والانتصار للحرية والكرامة.
إن الاحتفاء بجريدة الشعب وهي «أم الجرائد» الوطنية الجزائرية التي كانت وما تزال قلعة شامخة في المشهد الإعلامي الجزائري مواكبة لكل المراحل الكبرى والمفصلية التي عرفتها بلادنا الحبيبة، وصوتا خفاقا يعبر عن أصالة وعراقة الأمة الجزائرية، ومشتلة لأجمل الأقلام الجزائرية ليس في عالم الصحافة والإعلام فحسب، وإنما في الآداب والفنون والفكر والدراسات خلال عقود من الزمن، وما أكثر الأسماء التي بدأت مشوارها في هذه الجريدة لتصبح من نجوم الكتابة والإبداع وطنيا ودوليا.
شريك فاعل في كل البرامج الناهضة بقطاع الثقافة والفنون
إن هذه السانحة الكريمة تدعونا اليوم لنؤكد أن الإعلام بشكل عام، والصحافة الثقافية تحديدا ليست مرافقة لوزارة الثقافة فحسب، بل إننا نعتبرها شريكا فاعلا في كل البرامج الناهضة بقطاع الثقافة والفنون، وذلك نظير الإسهامات الجليلة التي يقدمها الإعلام الثقافي في ديناميكية المشهد الثقافي، ناهيك عن الإضاءات التي تظل واحدة من أهم روافد النهضة الثقافية المأمولة.
ولذلك أشد على أياديكم لنبني معا واجهة الجزائر الثقافية، ولنحافظ على هويتنا الثقافية والوطنية والحضارية بنبل هذا التاريخ الذي يجمعنا، تحقيقا لرؤية القيادة السياسية لوطننا المفدى، وللالتزام الخمسون «50» الذي رفعه السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والقاضي بـ: «تجسيد دبلوماسية ثقافية ودينية في خدمة الإشعاع الثقافي للجزائر»، وهي مهمة وطنية كبرى نضطلع بأعبائها ونبلها جميعا، ويدا بيد من أجل الجزائر.
هنيئا لجريدة الشعب، ومن خلالها للإعلام الجزائري، وللشعب الجزائري بهذا اليوم التاريخي، وكل التقدير والثناء لمسعاكم وجهودكم النبيلة في البناء الوطني.