ارتبطت جريدة”الشعب” بذاكرة الجزائريين منذ تأسيسها في الـ11 ديسمبر 1962، عبر المقالات التاريخية التي كانت تنشرها عبر صفحاتها والمتعلقة بأبرز المحطات التاريخية إبان الثورة، وشهدائها، فكانت منذ سنوات تأسيسها الأولى تنجز ربورتاجات تستعيد تاريخ الثورة التحريرية المجيدة وتكشف معاناة الجزائريين إبان الاحتلال الفرنسي البغيض، فأصبحت مرجعا للكثير من الأساتذة الباحثين والطلبة.
تبنّت الجريدة الخط الافتتاحي الوطني، محافظة على هوية الشعب الجزائري، وتضحياته منذ 1830، ومدافعة عن القيم النوفمبرية، وضعت الجريدة تاريخ الذاكرة الوطنية ضمن أولوياتها، من خلال الشهادات والوثائق وكتاباتها، وأماطت اللثام عن بعض مواقع المعارك التي يجهلها البعض.
كانت تنشر أمهات الكتب منها كتاب “ابن الفقير”، لمولود فرعون، الذي نشر على حلقات إضافة إلى “الأفيون والعصا” لمولود معمري، وكانت سبّاقة لنشر كتاب “المرآة” لحمدان عثمان خوجة سنة 1971 يتحدث عن دخول الجيش الفرنسي للجزائر وهو موجه للرأي العام الفرنسي والبرلمان والحكومة الفرنسية، نشر على حلقات وأحدث ضجّة كبيرة سنوات السبعينيات، حسب ما أكده الصحفي المخضرم عيسى عجينة.
وتناولت “الشعب” محطات تاريخية بهدف تكوين وعي تاريخي وطني للأمة، والافتخار بما وقع إبان الثورة وإحياء التراث القديم والحديث عن الأحداث العالمية، التي لها انعكاس على الثورة كالبعد التاريخي للثورة في إفريقيا، حيث أعطت الجديد من خلال نشر أرشيف جديد لم يسبق نشره كالصور، والكتابة عن معارك لم يسبق التطرق إليها، مع الحرص على عدم التكرار واحتكار الثورة على شخص واحد يتحدث فيها.
أخذت “الشعب” على عاتقها، مسؤولية صون الذاكرة الوطنية، فخصّصت أسبوعية وفضاء ضيف الشعب، الذي يستضيف مختصا يتناول قضايا التاريخ الكبرى ونضالات المجاهدين في الجبال، ومعاناة الجزائريين من القوانين الإستعمارية الجائرة وعلى رأسها قانون “الأهالي”، والقمع والتهجير أو شهادة مجاهد عايش الثورة للحديث عن مسيرته النضالية وكيف واجه المجاهدون البواسل جيش الاحتلال المدجّج بالأسلحة والطائرات.
رافقت الجريدة تاريخ الجزائر، حيث كانت إدارة الجريدة تحضر ملفات خاصة قبل ذكرى الفاتح نوفمبر 1954، أو 5 جويلية بعد عقد اجتماع بين مدير التحرير ورؤساء الأقسام، ثم يوزّع العمل على الصحفيين كلّ منهم يتناول جانبا من الثورة التحريرية، هناك من يتطرق لدور المرأة إبان الثورة وآخر يكتب عن التسليح، أو حوار مع مؤرخ ويتضاعف عدد الصفحات من 24 إلى 32 صفحة.
ويكلّف المراسلون بروبورتاجات حول أماكن التعذيب، وحوارات مع مجاهدين من قادة الثورة ومجاهدات الباقون على قيد الحياة.
تسلّم مقالات وتعاليق وربورتاجات الصحفيين إلى إدارة التحرير لتصحيحها، وتبقى مساهمة المؤرخين بمقالات، بحيث يصدر ملحق أول نوفمبر والمادة المتبقية تنشر على مراحل خلال أسبوع.
الجريدة كانت بمثابة مؤسسة في التاريخ تحول المادة الخام لشهادات المجاهدين إلى مقال تاريخي مقروء، وتفتح الباب لمساهمة باحثين ومؤرخين.
فالصحفي هو اللسان الخفي، الذي ينقل شهادة المجاهد الذي لا يحسن التعبير فيحول هذه المادة الخام إلى مقال تاريخي مقروء، بحيث يجده الباحث جاهزا خاصة طلبة التاريخ.
في هذا الصدد، يؤكد سعيد قرايت، مدير تحرير سابق بجريدة “الشعب”، أنّ هذه الأخيرة ولدت من رحم الثورة جاءت مباشرة عقب الاستقلال الوطني 11 ديسمبر 1962، تبنت واهتمت بالأحداث التاريخية وبصفة خاصة ثورة الفاتح نوفمبر 1954، إضراب الثمانية أيام في جانفي 1957، عيد الاستقلال، 8 ماي 1945، ساقية سيدي يوسف، وهجومات الشمال القسنطيني وغيرها من المحطات التاريخية.
وخصّصت أعدادا في شكل مجلات بمناسبة ذكرى أول نوفمبر، تناولت مراكز التعذيب والمستشفيات تحت الأرض، التي كانت تداوي الجرحى من المجاهدين، ودور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تعليم الجزائريين ومحاربة الأمية، التي نشرتها فرنسا الاستعمارية.
واصلت “الشعب” صون الذاكرة الوطنية، لربط شباب اليوم بجيل الثورة ويستلهم منهم البطولات والتضحيات، ولم تفوّت أية مناسبة تاريخية إلا وتناولتها عبر مقالات صحفييها.
ومواكبة للتطورات التكنولوجية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بالفضاء الأزرق المستقطب لفئة كبيرة من الشباب، استحدثت موقع “ذاكرة الشعب”، الذي يتطرق إلى تاريخ الجزائر القديم والحديث والمعاصر وشهادات صانعي الثورة من مجاهدين ومجاهدات، ونقل نشاطات قطاع المجاهدين فيما يخص الذاكرة الوطنية وتكريم الأسرة الثورية، والندوات التاريخية التي تتناول قضايا تاريخية وإسقاطها على عصرنا الحالي.
ويحرص موقع “ذاكرة الشعب”، على تقديم المادة التاريخية الصحيحة، حفاظا على التاريخ الوطني من التزييف والتحريف والتلاعب بالمصطلحات، وذلك بالاعتماد على مصادر تاريخية ذات مصداقية.