يحتفي القراء اليوم بذكرى 61 لميلاد جريدة “الشعب”، هذا الإسم الذي يختزل تاريخ الصحافة الوطنية المكتوبة باللغة العربية، والذي يناظر تاريخ مسيرة هذا الوطن تحت راية الاستقلال. هي ذكرى محفوفة بمسيرة شاقة نحو آفاق أرحب ساعية إلى النهوض بالإنسان الجزائري ووعيه وثقافته، محافظة على ثوابتها التي هي ثوابت هذه الأمة وأصالتها حتى صارت لسان أمة ومنبر رأيها ورسالة أجيالها.
«الشعب” التي احتضنت الأدب الجزائري منذ بدايات الاستقلال إلى الآن واحتفت بالكثير من المبدعين والمثقفين كالطاهر وطار، عبد الله الركببي، عبد الله شريط، زينب الميلي، زهور ونيسي، أحلام مستغانمي وغيرهم من الأسماء البارزة في الساحة الثقافية والأدبية، كانت ولاتزال أرضية متينة لجيل واع ومقتدر..
سليمان جوادي: الأم الرؤوم والوالد الحاني
يقول الشاعر سليمان جوادي: “أن يطلب منك الحديث عن جريدة الشعب عميدة الجرائد العربية في الجزائر فكأن يطلب منك شهادة عن أمك الرؤوم أو والدك الحاني، فالشعب كانت حاضنة محاولاتي الشعرية الأولى، فأول نص شعري كامل نشر لي على أعمدتها في الصفحة التي كان يعدها أسبوعيا الشاعر الكبير محمد بلقاسم خمار، أمدّ الله في عمره ومتّعه بالصحة والعافية “في رحاب الشعر” عام 1971، وقبلها كنت متابعا لصفحتها الثقافية ومتأثرا بالقصائد الملتهبة التي كانت تنشر على صفحاتها أثناء سنة النكسة وبعدها، ولما ولجت عالم الصحافة محترفا عام 1977 محررا في مجلة “ألوان” اتصل بي بعدها بعام كلا من المرحوم محمد بوعروج المدير العام للجريدة ومحمد عباس رئيس تحريرها وكلفاني بصفحة منوّعات يومية عنوانها “الموعد”، وبقدر ما كانت المهمة صعبة بقدر ما كانت ممتعة وأرضت بعض غرورنا الإعلامي كصحفيين شباب، وهي ذات الفترة التي كنت أردّ فيها عن البريد الشعري وأتداول مع الزملاء على كتابة العمود اليومي “لحظة تأمّل”، وتعرّفت خلالها على قامات إعلامية سامقة ما كنت لأتعرف عليها لو لم أشتغل بالشعب التي التحقت بها رسميا عام 1985 برتبة كبير المحققين في الفترة التي كان يديرها المرحوم كمال عياش ويرأس تحريرها سعد بوعقبة.
خلاصة الكلام وزبدته، يمكن القول إنّ الشعب مدرسة إعلامية أعطت الكثير الكثير لجيلي وللجيل الذي سبقني وللأجيال التي أعقبتنا، أتمنى لها طول العمر ولطاقمها الإداري والإعلامي والتقني التوفيق والسداد ومزيدا من التفوق والتألق”.
أمين الزاوي: “الشعب” قادرة على أن تصلح ما أفسدته وسائل التواصل
يقول الدكتور أمين الزاوي: “قبل أن أنشر بعض نصوصي الأولى في “الشعب” في نهاية السبعينيات، كنت أولا قارئا مثابرا لهذه الجريدة، التي هي بالنسبة لي أكبر من منبر للإعلام، أي للأخبار السياسية أو الاجتماعية، كانت “الشعب” طريقا للتثقيف الأدبي، فيها تعرفت على جيل كامل من الكتاب والنقاد من أمثال عبد الله الركيبي في النقد والطاهر وطار ومزراق بقطاش وأبو العيد دودو في القصة والرواية ومهدي لزوم في النقد التشكيلي، على هذه الجريدة قرأت حوارات عشرات الكتاب العرب والأوروبيين والأمريكو-لاتنيين والأفريقيين، خاصة بالجريدة أو مترجمة، من أمثال سهيل إدريس وحنا مينة والطيب صالح وعزيز الحبابي وعبد الرحمن مجيد الربيعي وولي سوينكا وأشيبي وطوني موريسون وغيرهم…
كانت “الشعب” طريق جيل كامل من الأدباء نحو الكتابة والانتشار والشهرة وذلك من خلال صفحتها الثقافية اليومية أو من خلال ملحقها الثقافي الأسبوعي.
في هذه الجريدة ظهرت أسماء كأحلام مستغانمي وربيعة جلطي وعمار بلحسن والحبيب السائح وبلقاسم بن عبد الله وسليمان جوادي وأحمد حمدي وجميلة زنير وعبد العالي رزاقي والجيلالي خلاص ومحمد زتيلي وإدريس بوذيبة وعلاوة وهبي وشريبط أحمد شريبط، جيل جاء ليكتب ما يختلف عن الجيل السابق لكن بعد أن قرأه.. ما أتمناه اليوم لهذه الجريدة الكبيرة “الشعب”، ذاكرة الإعلام والثقافة والأدب في الجزائر، أن تعيد جمع الأجيال المختلفة في حوار أدبي إيجابي ومتنوّع، وأن تتمكن من تصليح ما أفسدته وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى الأدبي، وأعتقد صادقا بأنّ “الشعب” قادرة على ذلك”.
أحمد فريد الأطرش: حكايتي مع هذه الرائعة “الورقية”
يقول الكاتب الصحفي والخطّاط أحمد فريد الأطرش: “كلّما حلّ تاريخ الحادي عشر من ديسمبر من كل عام ( تاريخ صدور جريدة الشعب) تجدني أفتش على أوراقي وأبحث عن أقلامي وألملم أنفاسي حتى أجمع ما استطعت من بقايا ذكرياتي، وبعض القصاصات من شظايا شتات أيامي وسنوات صعلكتي في مراحل من طفولتي وهوس شبابي لما قادني ذات ليلة صيفية مقمرة قطار الحظ الجميل ورمى بي بين أحضان هذه الرائعة (الورقية) الجريدة الراقية ذات الخامس من الشهر الخامس من العام 1985 قادما من عاصمة الشرق قسنطينة، مدينة الهواء والهوى، التي استقبلتني وأنا ابن العشرين بصفتي الصحفي المحرر والخطاط بجريدة النصر الفيحاء خلال الفترة (1980/1985)، بالموازاة مع ذلك انتسبت إلى كلية الٱداب واللغة العربية كطالب وأستاذ في مادة تاريخ الفنّ بمعهد فنون الإعلام والاتصال الذي كان يديره الصديق الفنان أحمد عكريش قبل أن يتوفاه الله إثر حادث مرور أليم في منعرجات عزابة! وفي نفس الفترة كنت أستاذا للخط العربي بمدرسة الفنون الجميلة وكذا المعهد التكنولوجي التربوي (مريم بوعتورة) بباب القنطرة ومنتجا للبرنامج الاذاعي الأسبوعي الشهير “المشوار الفني” من محطة قسنطينة لعدة مواسم.
التحاقي بأم الجرائد العربية “ الشعب” كان في الأول بفضل عرض تلقيته من المدير العام للجريدة المرحوم بوعروج وحين علم مدير النصر بذلك اعتبرها (خيانة مني) فاستشاط غضبا ولم يبد موافقته لي بالتحويل الإداري من النصر إلى الشعب، لغاية تعيينه هو شخصيا لإدارة جريدة الشعب! إذ بعدها بأشهر وافق على انضمامي إلى أسرة الشعب أولا كمساعد له في شؤون مهام الإدارة والسكريتاريا الداخلية للمؤسسة التي أضحت تضم عناوين جديدة إضافة إلى جريدة الشعب (المساء/المنتخب الرياضية/ وأضواء الثقافية الأسبوعية) قبل أن ألتحق محررا بفريق القسم الثقافي الذي كان يرأسه المحرر المجاهد الفنان المعروف مهدي لزوم رحمه الله لتتحول رئاسة القسم إلى الزميل عبدالحميد عبدوس ثم إلى الصادق بخوش ليخلفه رضا بن عاشور فعمر دلال.. وكان من جملة فرسان هذا القسم أذكر الأصدقاء الزملاء البروفيسور محمد سليم قلالة، سليمان سراوي، عبد الحميد حبيب، صلاح الدين الأخضري، محمد دحو، سليم رباحي، والشاعر سليمان جوادي دون أن أنسى الأخ بوعلام رمضاني..
خلال فترة عملي بجريدة الشعب (1991/1985) حظيت بسفريات عديدة داخل الوطن وخارجه وتم تتويجي بشهادة شرفية من طرف السفير الفلسطيني بالجزائر السيد أبو العز وفي العراق الشقيق منحني الرئيس صدام حسين رحمه الله أعلى وسام بالجمهورية العراقية ألا وهو وسام الشرف العالي، بعدما علم بتكريم خاص وحصولي على وسام (القلم البندقية) من طرف الرئيس الفلسطيني الفقيد ياسر عرفات بتونس”.