يتجرأ كثير من أصحاب الحصص التلفزيونية على اقتحام معترك التقديم والتنشيط و(الهلمّ جرّا) دون إعداد مسبق، ولا مناقشة ولا كتابة، ويكتفون بـ(الخبرة) ظنّا أن مسألة «الإقناع» تعتمد على جمال الواجهة (الشهيرة بـ”الفاصادة”)، وبعض اللباقة واللياقة والمؤثرات الصوتية واللونية، دون النظر في الأفكار المعالجة، ولا أساليب طرحها، ولا حتى الرغبة في فهمها..
والحق أن التحضير والإعداد «فرض عين» على الإنسان في كلّ ما يقبل عليه من أعمال، فالواحد من المعلمين لا يلقي درسا دون مذكرة، والتلميذ لا يدخل امتحانا دون مراجعة، والرياضي لا يخوض منافسة دون تسخين، والخياط – مهما بلغت مهارته – يستعمل «تصميمات الخياطة»، والخضار يهتم بطريقة عرض سلعته، وقد يضيف إليها شعارات مثل (خبر عاجَلْ.. البطاطا باطَلْ) أو (الباكور.. يزيدك نور على نور).. حتى «أم وليد» تحضر (السكريبت) بإتقان، كي تضمن مرور وصفات الطواجين إلى متابعيها، فهي تختار زوايا التصوير بدقّة، وتقدم أطباقها بلغة توافق منهج عملها، وأسلوب طرحها..
التحضير الجيد إذن، عمود فقري لأي عمل ناجح، وكل خلل في (العمود الفقري) يؤدي بالضرورة إلى أوجاع صارمة وآلام مبرحة، قد يكون ضررها أقل من رؤية صاحب حصّة ثقافية – على سبيل المثال – وهو يتناقض ويتلجلج ويتلعثم و(يكوّر) و(يعوّر)، وقد (يتعرق) وتفرّ منه الكلمات، فيخبط خبط العشواء، لا يجد لعِبارته (تصريفة)، ولا لحصّته وظيفة..
وقد يكون لـ»الارتجال» مسوّغاتُه في لحظات فارقة، فيُنبئ عن نباهة وحصافة عالية، ولكنه لا يمكن أن يكون منهجا للعمل؛ لأنه – في هذه الحال – يتحول إلى «احتقار» صريح للمتفرجين، وهؤلاء لا يخسرون شيئا ذا بال، ويكتفون بالضغط على (آلة التحكم) للانتقال إلى مساحات أوسع، تضمن لعقولهم الاحترام..