أضفى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تحولات نوعية على السياسة الخارجية الجزائرية، منذ أربع سنوات، وصنع مكانة خاصة للجزائر كطرف فاعل في حل العديد من القضايا الشائكة، وبلد مدعم للأمن والسلام في المنطقة، إلى جانب إقامة علاقات دولية متوازنة، ويعد انتخاب الجزائر لعضوية مجلس الأمن تتويجا لجهود نوعية ومساع دبلوماسية لمواصلة الدفاع عن الشعوب العربية والإفريقية بفخر واعتزاز.
مواقف تاريخيـة وسياديـة للرئيس تبون.. وشهادات دولية بالعودة القوية للجزائر
جسّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مفهوما جديدا للسياسة الخارجية الجزائرية، أعاد به الجزائر إلى مكانتها الطبيعية في محيطها الإقليمي، بعد تغييب أملته ظروف داخلية، وفي ظرف زمني قصير جعلها تسترجع دورها الحيوي في المحافل الدولية وتتموقع كقوة إقليمية فاعلة، حيث نجح في إعادة تفعيل سمعة الدبلوماسية الجزائرية التي ترتكز على إحلال السلم والأمن الدوليين، وأداء دور الوسيط الوثيق في القضايا الإقليمية والدولية.
وتعكس زيارات الرئيس تبون إلى خارج الوطن، وما تمخض عنها من عقد شراكات واتفاقيات هامة مع كبرى الدول، حرصه على بناء علاقات صداقة وتعاون مع كل بلدان العالم، باستثناء تلك التي لا تربطنا معها علاقات دبلوماسية لأسباب موضوعية، وعمل بطريقة متوازنة لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع الشركاء الجزائري الرئيسيين في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية وفي آسيا، وفق توازنات أبقت الجزائر على مسافة واحدة مع كل الدول، فلا عداء لها سوى مع من يعاديها ويكيد لها.
ويرى مراقبون، أن توافد عديد الرؤساء إلى الجزائر وأسماء مهمة من روسيا وأمريكا وبريطانيا، يؤكد التموقع الجيد للجزائر في عالم تسارعت فيها الاستقطابات والصراعات نحو نظام جديد متعدد الأقطاب، وأنها القوة الإقليمية في منطقة الساحل باعتراف المساعدة الرئيسية لنائب كاتب الدول الأمريكي للشؤون الخارجية يائيل لومبرت.
ولعل التعديلات التي مست الجهاز الدبلوماسي للبلاد، بحيث تم استحدث 7 مناصب جديدة لقيادة العمل الدبلوماسي، وهي مناصب مبعوثين خاصين يعملون تحت السلطة المباشرة لوزير الخارجية، قد ساهمت في تعزيز قدرة الدبلوماسية الجزائرية على التأثير ومضاعفة حضور الجزائر وفعالية عملها إقليميا ودوليا، والدفاع عن المصالح العليا للأمة، والحفاظ على أمنها الوطني وسيادة قرارها، ومواجهة التحديات التي برزت في ظل الأزمات متعددة الأبعاد التي شهدتها المنطقة العربية، الإفريقية بشكل خاص، والتي حاولت بعض الدوائر المعادية استغلالها لإثقال كاهل الجزائر وإضعافها من الداخل، مستعملة في ذلك حروب الجيل الرابع ضمن مخطط أوسع يستهدف إفريقيا والشرق الأوسط.
وبروح الالتزام والتضحية التي ميزت جيل نوفمبر في الذود عن الجزائر، قاد الرئيس تبون بحزم الجهاز الدبلوماسي، لإضعاف كل تلك المخططات، وإطفاء نيران التوتر في العديد من دول الجوار، خاصة تلك المتاخمة للشريط الحدودي الجزائري.
فأمام اضطرابات غير مسبوقة شهدها النظام الدولي في السنوات الأخيرة، وبروز العديد من الفاعلين، كيّف الرئيس تبون مهام الدبلوماسية الجزائرية ومجالات انتشارها، وفي ذلك في إطار احترام المبادئ والقيم الثابتة للسياسة الخارجية الجزائرية التي كرس مرجعتيها بيان أول نوفمبر، واعتمد سياسة خارجية “استباقية ونشطة” من أجل ترسيخ دور الجزائر كفاعل مؤثر يساهم بجدية في مواجهة التحديات الدولية، من خلال طرح الأفكار والمبادرات التي من شأنها تعزيز العمل متعدد الأطراف.
تنويع المبادرات لتسوية النزاعات سلميا ودعم ثابت لفلسطين عضوية مجلس الأمن.. مواصلة الدفاع عن الشعوب العربية والإفريقية
فعلى الصعيد الإقليمي، وانطلاقا من قناعتها الراسخة بالعلاقة الوثيقة بين كل من الاستقرار والأمن والتنمية، أطلقت الجزائر مبادرات تنموية في المنطقة، لاسيما من خلال إنجاز بنى تحتية مهيكلة. كما عززت الجزائر مساعيها الرامية إلى توفير الظروف الملائمة لإيجاد حلول سياسية توافقية للأزمات التي تعرفها دول الجوار، بعيدا عن التدخلات الأجنبية، وحفاظا على سيادة هذه الدول ووحدتها ومصالح شعوبها.
حل النزاعات بطرق سلمية..
وانطلاقا من المصير المشترك الذي يجمع الأفارقة لمجابهة التحديات المتربصة بهم، سواء في الجانب الجيوسياسي أو في الأبعاد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تبنى الرئيس تبون نهجا استباقيا للمساهمة في حل الأزمات والنزاعات في إطار مبدإ “الحلول الإفريقية لمشاكل إفريقيا”، وهو المسار الذي عكست مقاصده مبادرة الحل السياسي للأزمة القائمة في دولة النيجر لتجنب خيار اللجوء إلى استعمال القوة، أو خيار الحرب.
ومد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، يده لجميع الدول للإسهام في محاربة الإرهاب العالمي والجريمة المنظمة العابرة للحدود والمخدرات وكل الآفات الاجتماعية العالمية، بهدف الإسهام بفعالية في تحقيق السلم والأمن العالميين.
وقدم للاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن مقترحه لاستكمال المخطط الثاني لمكافحة الإرهاب، لرفع قدرات الدول الإفريقية في مواجهة هذه الظاهرة العابرة للأوطان، وتعزيز التنسيق المشترك لوقف تمدد التنظيمات والكيانات الإرهابية والمتطرفة وتجفيف منابع تمويلها، بالعمل على تجسيد مشروع الأمر بالقبض الإفريقي، وتفعيل القائمة الإفريقية للأشخاص والمجموعات المتورطة في أعمال الإرهاب، بما في ذلك المقاتلون الإرهابيون الأجانب، لأن ما تواجهه إفريقيا لا يعترف بالحدود ولا يرتبط بأي دين أو عرق أو جنسية، وتعزيز التضامن والتعاون الدوليين ضمن مقاربة شاملة تتجاوز علاج الأعراض لتنصب على الأسباب الجذرية لهذه الآفة والعوامل المغذية. وأعلن أن مسألة الصحراء الغربية هي مسألة تصفية استعمار، وهي قضية من صلاحيات ومهام الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
وبذل الرئيس مزيدا من الجهد في سبيل استقرار ليبيا الشقيقة والحفاظ على وحدتها الشعبية والترابية، معتبرا أن هذا من واجب الجزائر وأولوياتها. ودعا الإخوة الليبيين إلى جمع صفوفهم وتجاوز خلافاتهم ونبذ التدخلات الخارجية التي تباعد بينهم وتحول بين تحقيق غاياتهم، في بناء ليبيا الموحدة المستقرة المزدهرة. وأكد أن الجزائر أولى وأكبر المعنيين باستقرار ليبيا، أحب من حب وكره من كره، ولن تقبل أبدا بإبعادها من الحلول المقترحة للملف الليبي.
كما أكد أن الجزائر ستبقى تمد يدها لكل البلدان العربية، دون استثناء، لتعزيز علاقات الأخوة والتعاون ورص الصف نبذ الفرقة والخلافات وتجاوز المحن والمصاعب التي تشهدها في الآونة الأخيرة تحت مسميات مختلفة، وتتطلع بشوق لترى أشقاءنا في سوريا والعراق واليمن قد تجاوزوا محنتهم وهي على استعداد للإسهام في سبيل تسهيل سبل ذلك بصدق وإخلاص وحسن نية.
ولصالح دول الساحل الإفريقي، بذل الرئيس تبون مزيدا من الجهد لاستقرار دول منطقة الساحل وتعزيز التنمية فيها وتفعيل علاقات التعاون أكثر وأكثر، وأكد أن الدبلوماسية الجزائرية ستبذل مزيدا من الجهد من أجل تطبيق ميثاق السلم والمصالحة في جمهورية مالي الشقيقة، وستظل الجزائر بابا مفتوحا ويدا ممدودة لهم لمساعدتهم على تجاوز خلافاتهم.
وقد أصر الرئيس تبون، على إعادة تفعيل اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر الموقع عام 2015، بالرغم من التعقيدات التي فرضتها الأوضاع السياسية والأمنية في هذا البلد.
القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة الخارجية
وسط كل تلك التحديات والظروف الإقليمية والدولية المعقدة، حافظ الرئيس تبون على ثبات موقف الجزائر من القضية الفلسطينية، التي أعلن عند توليه رئاسة البلاد، أنها “من ثوابت السياسة الخارجية للدولة الجزائر وستظل مثلما كنا منذ الأزل سندا لإخوتنا الفلسطينيين”. ولم يتأخر في الاستجابة لندائهم، فكونت الجزائر في 2021 “جبهة رفض” ضد عضوية إسرائيل كمراقب في الاتحاد الإفريقي دعما ونصرة لفلسطين، وحفاظا على مبادئ الاتحاد.
أما في أكتوبر 2022، وقبيل انعقاد قمة الجامعة العربية، تكللت جهود الرئيس تبون بإقامة المصالحة التاريخية بين الفصائل الفلسطينية على أرض الشهداء، وتم رأب الصدع بين 14 فصيلا فلسطينيا، والتوقيع على اتفاق الجزائر، الذي تضمن تشكيل فريق عربي برئاسة الجزائر يتولى تنفيذه، وقد التزمت جميع الفصائل بما جاء في الاتفاق لمواجهة مشروع الكيان الصهيوني.
وحققت الدورة الواحدة والثلاثون لقمة جامعة الدول العربية، التي احتضنتها الجزائر في 1 نوفمبر 2022، نجاحا لافتا، حيث أحيت العمل العربي المشترك ووحدت الصفوف العربية، فضلا عن لمّ شمل الأشقاء الفلسطينيين بفضل مبادرة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
ولم تتوقف جهود رئيس الجمهورية عند لمّ شمل الفلسطينيين، بل استمرت لتكون الجزائر السباقة في دعم الطلب الرسمي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، للأمين العام للأمم المتحدة، لتمكين فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة بالمنظمة الأممية، بدل الاكتفاء بصفة مراقب غير عضو الذي حصلت عليه في هذه الهيئة، وهذه الخطوة من شأنها الإسهام في تسوية القضية الفلسطينية عبر وضع السلطة القائمة بالاحتلال أمام مسؤولياتها.
وستواصل النضال من أجل تحقيق هذا الطلب، خلال عهدتها المرتقبة بمجلس الأمن، ولن تتأخر في الاستجابة لندائهم وسوف تقف إلى جانب نضالهم حتى تحقيق حقهم المشروع في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة عاصمتها القدس الشريف وتحقيق حق العودة، مثلما أكد عليه الرئيس تبون في عدة لقاءات ومناسبات وطنية ودولية.
عضوية مجلس الأمن.. استمرار دعـم الأمن والسلام
على الصعيد الدولي، وبفضل دور الجزائر المعترف لها به في تعزيز دعائم السلم والاستقرار إقليميا ودوليا، تبنت المجموعة الدولية الرؤية السديدة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، القائمة على تفضيل تعددية الأطراف والحلول السلمية، وقد كلل ذلك بانتخاب الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، للفترة 2024-2025.
ويعد هذا الانتخاب، بحسب بيان رئاسة الجمهورية، “مكسبا ثمينا” يضاف إلى رصيد السياسة الخارجية للجزائر، ويعكس التقدير والاحترام الذي يحظى به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من قبل المجتمع الدولي، وعرفانه لمساهمته في إحلال السلم والأمن الدوليين.
كما يؤكد هذا النجاح الدبلوماسي وبوضوح، عودة الجزائر الجديدة إلى الساحة الدولية ويؤيد رؤية ونهج رئيس الجمهورية للحفاظ على السلم والأمن في العالم على أساس التعايش السلمي والتسوية السلمية للنزاعات وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في إطار السياسة الخارجية للجزائر التي تستمد مبادئها وقيمها من الثورة التحريرية.
وأكد الرئيس تبون في رسالته للأمين العام للأمم المتحدة، أن انتخاب الجزائر عضوا غير دائم في مجلس الأمن “يلقي على عاتق بلادنا مسؤولية خاصة في مسار صنع القرار الدولي الهادف إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين”.
وحددت الجزائر ثلاث أولويات، ستسعى للدفع بها خلال عهدتها المقبلة في مجلس الأمن، تتمثل الأولوية الأولى في إعادة تفعيل وتعزيز دور العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة مختلف التحديات والتهديدات، سواء كانت حروبا أو آفتي الإرهاب والجريمة المنظمة، أو مخاطر التغيرات المناخية.
أما الأولوية الثانية، فستعمل الجزائر على تشجيع الحلول السلمية المستدامة للأزمات التي تحرم أشقاءنا من نعمة الأمن والاستقرار، سواء في ليبيا، مالي، السودان، الكونغو، إفريقيا الوسطى والصومال واليمن وسوريا.
وكما كانت على الدوام، ستواصل الجزائر دعمها الثابت لقضيتي فلسطين والصحراء الغربية العادلتين، وستدافع عن حقوق الشعبين الفلسطيني والصحراوي في إنهاء احتلال أراضيهما المسلوبة وفق ما تنص عليه لوائح وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
أما الأولوية الثالثة، فهي ذات طابع مؤسساتي، باعتبار أن الجزائر عضوا هاما في لجنة العشرة التابعة للاتحاد الإفريقي المعنية بإصلاح مجلس الأمن، حيث ستولي هذا الموضوع أهمية في إطار عضويتها بمجلس الأمن، لاسيما من جوانبه المتعلقة بتحسين طرق وأساليب عمل المجلس بغية إضفاء المزيد من الشفافية والديمقراطية التشاركية على أشغاله، كما ستعمل على تعزيز علاقات التعاون والشراكة في مجالات السلم والأمن بين منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، على رأسها الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
كذلك انتخبت الجزائر أيضا عضوا في مجلس حقوق الإنسان لهيئة الأمم المتحدة، للفترة 2023-2025، في اعتراف صريح بدورها في مجال ترقية حقوق الإنسان، وهو ما يترجمه أيضا اعتماد تقرير الجزائر في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، والذي يتضمن إنجازات الجزائر في مجالي ترقية وحماية حقوق الإنسان على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويبرز التقدم المحرز منذ الإصلاح الدستوري لسنة 2020.
الجالية الجزائرية في قلب الاهتمامات..
تركيز الجهود على حماية المصالح العليا للأمة، والمساهمة في إحلال السلم والأمن على الصعيد الإقليمي، وتوطيد الروابط مع إفريقيا والعالم العربي، لم ينس رئيس الجمهورية توطيد العلاقات وصل حبل الود مع الجالية الجزائرية في الخارج، وتنشطيها لتساهم في مسيرة التشييد الوطني باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأمة.
وحظيت الجالية الجزائرية باهتمام ومتابعة دائمين لرئيس الجمهورية، الذي لا يفوت فرص اللقاء بها وإشراكها في مسار البناء الديمقراطي، وهو ما تعكسه العديد من التدابير المتخذة لصالحها، خاصة تعزيز الشبكة القنصلية بافتتاح مراكز جديدة بفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، وتمثيل جاليتنا في الهيئات الدستورية والاستشارية، على غرار المجلس الشعبي الوطني والمجلس الأعلى للشباب والمرصد الوطني للمجتمع المدني، فضلا عن مرافقة النسيج الجمعوي الجزائري بالخارج، وكذا افتتاح مراكز ثقافية جديدة في إطار المساعي الرامية إلى تدعيم المرجعية الدينية والثقافية.
أما اجتماعيا، فقد واصل الرئيس تبون جهوده لمرافقة جاليتنا الوطنية بالخارج والتكفل بانشغالاتها، حيث تم التكفل بنقل جثامين كل الرعايا الجزائريين المتوفين بالخارج، وكذا تنظيم مخيمات صيفية لفائدة أبناء جاليتنا بالخارج، حيث استفاد منها سنة 2023 حوالي 900 فرد من أبناء جاليتنا، وتم تسجيل صدى إيجابي حول هذه المبادرة لدى الأطفال المستفيدين وأوليائهم، كما تم تفعيل جهاز الاشتراك في صندوق التقاعد بالنسبة لأعضاء الجالية الوطنية بالخارج.