لا نشكّ مطلقا في الجهود المنيرة التي تبذلها المؤسّسات الجزائرية في خدمة اللّغة العربية، فقد أصدرت مؤلفات كثيرة عملت على تحديد المناهج، وضبط المصطلحات، وتوضيح الغايات، فحققت إنجازات غاية في الأهميّة، لم يحالفها – مع الأسف – “الانتشار الأفقي”، وظلّت رهينة “مناسبات” تستدعيها، أو احتفاليّات (تضطرّ إليها)؛ لهذا، نكتشف – مع كل مناسبة – أننا نكرّر طرح الإشكاليّات نفسها، ونعاود اقتراح الحلول ذاتها، دون أن نحقق أي “تقدّم” على المستوى العملي..
ونعتقد أننا انشغلنا بإشكاليات فرعية تفرضها الأحداث اليومية، عوضا عن التّوجه إلى الإشكالية الحقيقية، فقد أهملنا – على الدّوام – مسألة الخلفيات الفلسفية للمناهج، مثلما أهملنا النظر في سيرورات تطورها عبر التّاريخ، وهذا سبب مباشر كي يتحوّل “التّقديم” و«التّحليل” و«الشّرح” إلى (هيروغليف) ممتنع، لا يستوعبه سوى الراسخين في الجهد الأكاديمي، وهو ما يُحدث فجوة عميقة بين الخطاب العلميّ الرّصين، وعامة المتلقين..
ولقد قلنا غير ما مرّة، إن الفلاسفة الأفارقة تفطنوا مبكرا إلى ضرورة العودة بالمفاهيم الفكرية إلى أصولها، والحرص على متابعة “الواقع المعيش” من أجل التوصل إلى الحلول المبتكرة، عوضا عن السّقوط في فخاخ “المطابقة” مع مسار التّطور الغربي، خاصة وأن الفلسفة الغربية منشغلة بتقديم الحلول لما يعيش الغربيون، ولا حاجة لها فيما يعيش “بشرُ” بقية العالم، وبما أن الإشكاليات التي تواجه الغرب، ليست هي نفسها التي تواجهنا، فإن جهودنا – وإن استوعبنا المفاهيم المستحدثة – تصبح أشبه بحرث البحر..
أمّا اللغة العربية.. “لغتنا الجميلة”، كما دأب على تسميتها المرحوم محمد فارح، فستظل عنوانا مشرقا للعبقرية، ولن يضيرها شيء إن تخاذل أهلها، فقد مرّت بمراحل تاريخية متدهورة للغاية، واحتفظت – مع ذلك – بكامل بهائها، في انتظار انتصار مقبل..