تتميّز منطقة الجنوب الغربي بعادات وتقاليد ضاربة في عمق التاريخ، الآن في طريق الزوال والانقراض خاصة بولايات النعامة، بشار والبيض، ولكلّ مناسبة عادات خاصّة بها، هذه الطريقة التقليدية الموروثة عن الأجداد والجدّات، ومن هذه العادات بعض الطقوس تقوم بها النسوة عند ميلاد الطفل، بل ترافقه طيلة طفولته ومنها القماطة، الفريق، والحسانة. فكانت أيام سعيدة تعبّر عن الفرحة والسرور بالنسبة لأسرة الرضيع وأقاربه، أيام يجمع الشمل ويعمُّ فيها الفرح.
مع قدوم مولود ذكرا كان أو أنثى، تقوم والدته بلفّه في قطعتين أو ثلاث من القماش الناعم ويربط بحبل القماط المصنوع من الصوف، تسمى هذه العملية بالقماطة، والقماطة حسب الأستاذ محمد بوحميدة شاعر ومهتم بتراث المنطقة من العين الصفراء بولاية النعامة، بالنسبة للرضيع تشعره بالطمأنينة والراحة، ولها عدّة فوائد منها تهدئة الرضيع أثناء النوم، حمايته من الهزّات المفاجئة، والاستغراق في النوم لفترة أطول، والاستيقاظ الناجم عن ردود الفعل المفاجئة في الذراعين والساقين، وكذلك تساعد جسمه على البقاء مستقيما خاصة الظهر والرجلين حتى لا يتقوّسان.
أما الحاجة عائشة فتأكّد من جهتها أنّ للقماطة فوائد كثيرة فإضافة إلى ما قاله الأستاذ بوحميدة تحمي الرضيع من عدّة حوادث خاصة الكسر، تلم الجسم كاملا مع بعضه البعض، تحمي الرضيع من عوامل خارجية كأن تصيب أطرافه بعض الحوادث أو يسقط عليها شيء صلب، وتختلف مدّة تقميط الطفل عند الذكر والأنثى، فالرضيع الذكر مدة تقميطه أربعة أشهر، وعند الأنثى ثلاثة أشهر حسب الأستاذ بوحميدة بعدد هذه المدة تأتي مرحلة الفريق.
والفريق حسب الأستاذ بوحميدة معناه يفرق ويفصل بين ساقي الرضيع أول مرة بعد التقميط الذي كان يلفّهما ويجمعهما شهورا بعد الولادة، وفي يوم الفريق تدعو أم الرضيع قريباتها وجاراتها لحضور هذه المناسبة الجميلة والهامة في حياة رضيعها، تحضر لهنّ أطباقا من الرفيس، خبز الملوي، المسمن، وبعض الحلويات والشاي أو القهوة، ومن العادات المتعارف عليها بالمنطقة هي أن يحمل الرضيع على ظهر شابة تمتاز بالأخلاق الحميدة أو إحدى القريبات التي تكون معروفة بصلاحها وبركتها، وهذا ليكون أول ظهر يحمل عليه الرضيع يكون ظهرا مباركا، حيث تقوم هذه الشابة أو المرأة التي تحمل الرضيع على ظهرها بالطواف به بالبيت وبين المدعوات ليباركن له هذه المرحلة الجديدة من عمره ويكرمنه بالهدايا والنقود كلّ حسب طاقاتها.
ثالث عادة بالنسبة للرضيع هي الحسانة الأولى، أيّ الحلاقة الأولى للرضيع، وتتم بعد أن يستوفي الرضيع سنة من عمره، يضيف الأستاذ بوحميدة محمد، وهي حلاقة شعر الرضيع لأول مرة في حياته، ولا تكون عند الحلاق، حيث ينزع الشعر تماما من رأس الرضيع، إنّه يوم آخر من أهم أيام الرضيع في حياته تحضر هنا كذلك الأم لهذه المناسبة العظيمة والجميلة أشهى الأطباق التقليدية مثل الرفيس، وبعض الحلويات والشاي والقهوة، وأضاف بوحميدة أنّ عملية الحلاقة يقوم بها شخص يشهد له بالبركة والوقار مثل الجدّ، العمّ أو الخال، أو أحد الأقارب، وبعد الحلاقة يكرّم الرضيع من طرف الحاضرين بالهدايا والنقود.
وحسب الحاجة عائشة أنّ هذه العادات والطقوس كانت تميّز المنطقة خاصة عند سكان البادية والقرى النائية، وحتى المدن الحضرية كانت تقوم بها العائلات بالأحياء الشعبية القديمة جدّا، غير أنّها بدأت تندثر منذ بداية الثمانينات ولم نعد حتى نسمع بها، وحتى وإن بقيت، فهي تقتصر على بعض سكان البادية فقط، والحسانة أو الحلاقة الأولى كانت تستعمل في الغالب مع حلول فصل الربيع خاصة شهر مارس.
هي إذن عادات وتقاليد أجدادنا أصبحت اليوم من الأرشيف لتراثنا اللامادي كانت إلى وقت قريب مناسبة خاصة تميّز منطقتنا، هي اليوم في طريق الزوال والاندثار حاولنا مع الأستاذ محمد بوحميدة شاعر المنطقة والمهتم بالتراث اللامادي بالجنوب الغربي نفض الغبار على هذه العادات وتوثيقها لتبقى أرشيفا لأسلافنا.