في خطاب تاريخي للأمة، يتم تأسيسه لأول مرة، يخاطب رئيس الجمهورية بكل شفافية الشعب.. رسالة صادقة، صريحة وواقعية ستعزز التفاف الشعب حول رئيسه ورصّ صفوفه لتحقيق المزيد من الانجازات، بعد أن حذف رئيس الجمهورية كلمة “المستحيل” من مسار الإنجازات، واستبدلت مصطلحات “العراقيل والعقبات والقيود” بأضدادها من تحفيزات وتسهيلات وعدالة تنموية واجتماعية، كما استبدلت الأبواب الموصدة بفعل الممارسات البيروقراطية بأخرى مفتوحة على مصراعيها أمام استثمارات تكتسح كل القطاعات، أهمها قطاع الطاقة، الذي افتك الريادة العالمية بفضل السياسة الطاقوية الاستثمارية التي انتهجتها الدولة الجزائرية، مغتنمة فرصة التوترات الجيو- استراتيجية التي جعلت من السوق الطاقوية العالمية فضاء مدرّا للعملة الصعبة ومتنفسا للخزينة العمومية؛ رخاء طاقوي لم يثن الجزائر عن التفكير في طاقات نظيفة بديلة والبحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها التي وجدت ضالتها في العمق الإفريقي.
اعتبر الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني، أن ما حققه رئيس الجمهورية منذ اعتلائه سدة الحكم، مصدر اعتزاز وافتخار للجزائريين بكل فئاتهم، ومنبع طاقة قوية لتحقيق المزيد من الانجازات باستراتيجية أثبتت الأرقام المحققة نجاعتها، بمباركة كل الهيئات الرقابية ببلادنا من برلمان بغرفتيه وأحزاب سياسية ومجتمع مدني، وشهادة المنظمات والمؤسسات المالية، على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
مصداقية طاقوية عالمية
من موقع الخبير الاقتصادي والمتتبع للشأن الاقتصادي، جزم عبد القادر سليماني، أن الجزائر، خلال أربع سنوات، قد تمكنت من كسب رهان الأمن الطاقوي، من خلال برنامج استثماري طاقوي عكف الرائد الطاقوي “سوناطراك” على تجسيده تحت وصاية وزارة الطاقة والمناجم وبالتنسيق والتعاون مع باقي القطاعات، لتتصدر الريادة القارية والعالمية في مجال إنتاج وتصدير النفط والغاز بمنحنيات إنتاجية واستكشافية تصاعدية غير مسبوقة، إلى جانب المصداقية التجارية التي باتت تتمتع بها الجزائر على مستوى السوق الطاقوية العالمية، أين أصبحت أهم مورد للغاز عبر الأنابيب إلى أوربا وسيطرتها على أكثر من 14% من حجم السوق الغازية الأوربية، كما تسعى إلى المزيد من الاتفاقيات مع الاتحاد الأوربي بخصوص مضاعفة تدفق الغاز الجزائري نحو أوروبا عبر الأنابيب، أين تم ضم كل من سلوفينيا، المجر وألمانيا إلى حافظة زبائنها، إضافة إلى الاتفاقيات التي تربطها بإيطاليا التي تمثل حاليا أكبر منصة لتوزيع الغاز الجزائري إلى أوروبا عبر الأنابيب.
بلوغ 100 مليار متر مكعب غاز مصدر سنويا
وكتتمة للإنجازات التي حققتها في المرحلة الأولى من خطة مشاريعها، أضاف سليماني، طرحت سوناطراك استثمارات بأكثر من 50 مليار دولار، 36 مليار دولار منها موجهة للاستكشافات والتنقيب والبحث عن آبار جديدة للغاز، الذي تتعدى احتياطاته بباطن الأرض الجزائرية 5 تريليونات متر مكعب تم اكتشافها.
وبدعم وتأطير من قانون المحروقات الجديد، تسعى الجزائر إلى مضاعفة احتياطاتها من البترول والغاز لتحقيق أمنها الطاقوي ومضاعفة تدفق الغاز من أجل بلوغ عتبة 100 مليار متر مكعب من الغاز المصدر، كهدف مسطر، يصر ويحرص رئيس الجمهورية على تحقيقه.
كما اعتبر سلماني احتضان الجزائر لمنتدى الدول المصدرة للغاز، الذي سينعقد بالجزائر أواخر شهر فيفري 2024، دليل على المكانة التي تبوأتها الجزائر كضامن موثوق للسيادة الطاقوية للبلدان المصدرة للغاز وصوت ذي مصداقية بالنسبة لها، مما يمنحها دورا محوريا بمنظمة “أوبك” و«أوبك+” للحفاظ على توازن السوق البترولية، من خلال القرارات السيادية التي تم اتخاذها للحفاظ على مصالح الدول المنتجة والمصدرة للبترول والحفاظ على التوازنات الكبرى للأسعار.
الطاقات المتجددة.. وجه آخر للأمن الطاقوي
رغم الانتعاش الطاقوي الأحفوري الذي تعرفه الجزائر مؤخرا، بفعل عوامل استراتيجية خارجية وجهود داخلية تدعمها إرادة سياسية صادقة، إلا أن ذلك لم يثن الجزائر عن التفكير في خطة بديلة للحفاظ على ثروتها من الطاقة الأحفورية، يقول سليماني، حيث توجهت، من خلال استراتيجية متشبعة بجدية التفكير في المراحل القادمة، إلى طاقات بديلة نظيفة وتوسيع استعمالاتها في جميع المجالات، كحتمية فرضتها متغيرات وضغوط عالمية بفعل التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة، خاصة وأن العديد من الهيئات والبرامج التنموية العالمية أصبحت تعرض عن تمويل المشاريع الكبرى المنتجة لغاز ثاني أكسيد الكربون كتحفيز لاستعمال الطاقات النظيفة كالهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، التي أصبحت توجها مستقبليا تدعمه الجزائر من أجل تنويع مصادر دخلها، وتخفيض البصمة الكربونية بالانبعاثات الغازية إلى أقل من 1%.
وسجلت الجزائر في هذا الإطار، العديد من المشاريع في مجال الطاقات المتجددة، على غرار الهيدروجين الأخضر ومشروع “سولار 15 ألف ميغاواط” الذي يشمل العديد من الولايات الجنوبية، التي اغتنم الخبير الاقتصادي فرصة الحديث عن الإنجازات التي تم تحقيقها خلال الأربع سنوات الأخيرة، للتنويه بمشاركتها في الثورة التنموية والاقتصادية التي تشهدها البلاد. كما نوه بالدور الذي تلعبه المؤسسات الناشئة في هذا المجال، مشكلة نسيجا صناعيا يعول عليه في إحداث الطفرة الاقتصادية، إلى جانب كبرى المؤسسات الاقتصادية، على غرار سونلغاز التي طرحت العديد من المناقصات لإنتاج الطاقات النظيفة، إضافة إلى التفكير في إنتاج واستعمال السيارات الكهربائية.
إستراتيجية جديدة
ديناميية كبيرة وحركية واسعة يعرفها المجال الطاقوي بالجزائر، الذي استقطب العديد من الشركاء الأجانب المهتمين بالاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، كتركيا وإيطاليا وألمانيا والصين، من أجل خلق نسيج صناعي ومناولاتي متكامل بين الشركات الكبرى العالمية والشركات الصغيرة والمصغرة الجزائرية هدفه إنتاج الطاقات النظيفة، على رأسها الهيدروجين الأخضر الذي ستتمكن الجزائر من تلبية 10% من احتياجات السوق الأوربية، عبر أنبوب “غارسي”، محور اتفاق بين الجزائر وإيطاليا سيضمن تدفق الغاز والهيدروجين الأخضر والكهرباء، حيث ستقوم الجزائر، وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخها الاقتصادي، بتصدير هذه الأخيرة إلى دول أوربا ودول الجوار الإفريقية، مثل تونس وليبيا وموريتانيا، ضمن مقاربة إفريقية قارية تسعى الجزائر من خلالها الوصول إلى تنمية شاملة ومستدامة عن طريق أكبر أنبوب عابر للصحراء يربط بين نيجيريا، النيجر والجزائر، على مسافة 4 آلاف كلم، وسيزود الزبائن الطاقويين للجزائر بأكثر من 30 مليار متر مكعب/ سنويا. إضافة إلى استحداث مركبات لتكرير الغاز وتطويرها، لتكون الجزائر اليوم قد استوفت كل البنى التحتية من اجل تجسيد سياستها الطاقوية الأفرو- أوروبية.
مقاربة قارية تنموية
وانطلاقا من إيمان رئيس الجمهورية بانتماء الجزائر القاري الأصيل، ومن أنه لا أمن ولا استقرار بالقارة الإفريقية دون تنمية شاملة ومستدامة وبنية اقتصادية تضمن السيادة السياسية للدول الإفريقية؛ إيمان جسدته مساهمة الجزائر بمليار دولار من أجل تنمية القارة الإفريقية، تابع المتحدث، إضافة إلى توسيع رقعة المبادلات التجارية بين دول القارة وجعل التعاون البيني الإفريقي على رأس أولويات القادة والحكام الأفارقة، دليل ذلك الحركية الكبيرة التي عرفها المشهد الاقتصادي الإفريقي من أجل تعزيز التعاون البيني، بدءاً بتفعيل اتفاقية منطقة التبادل الحر الإفريقي، وتنشيط الحركية التجارية من خلال فتح المعابر الحدودية التي ستسمع للمنتجات الجزائرية التوغل في العمق الإفريقي، باعتبارها أكبر الأسواق العالمية الاستهلاكية. ولعل أهم ما يميز اللحمة الإفريقية التي تعمل الجزائر على توطيدها دبلوماسيا واقتصاديا، بحسب ذات المتحدث، هي تلك الرؤية الاستشرافية التي يشكل الشباب الإفريقي أهم روافدها، حيث بات الزعماء الأفارقة مقتنعين أن الشباب الإفريقي قادر على تحرير قارته اقتصاديا، من خلال مشاريعه الابتكارية التي تحمل حلولا ناجعة لمشاكل قارتهم وغدا أفضل يحتضن أحلامهم.