سنة تفرّ.. والشّعب الفلسطيني يواصل مضغ الصبر في انتظار نسمة سلام.. بينما يحتفل العالم بالعام الجديد، ويقيم الحفلات الصاخبة كي لا تصله نداءات الاستغاثة من الأم الثكلى، والأب الجريح، والطفل الذي ضاعت منه البسمة في زحمة الصواريخ القاتلة..
سنة تفرّ.. لتضاف إلى ركام ستّ وسبعين سنة من الظلم الصهيوني الآثم، في عالم ضيّع روح النّجدة، ونسي معنى الشهامة، وسقطت منه الأخلاق الإنسانية السمحة.. عالمٌ أصيب بصفاقة الوجه، وتبلّد الإحساس، وضمور الكرامة، فصار يحرّض على القتل، ويرفع (الفيتو) في وجه دعوات التهدئة، ولا يعبأ بحشرجة طفل صغير يطلقها وهو يحتضر جوعا وعطشا.. عالمٌ ألقى وراء ظهره جميع القيم والمثل التي يتغنّى بها، وخصص يومياته للفرجة على أشلاء الضحايا..
وماذا بعد؟.. عامٌ ينتهي بعد ساعات، يتلوه عامٌ جديد، ولن يرى الفلسطيني الأرقام التي تتغير على الأجندة، لأنه منشغل بالأرقام المتصاعدة لأولئك الذين يعانقون الشهادة صابرين محتسبين.. لن ينتبه الفلسطيني إلى رقم بسيط يضيفه العالم كي ينفخ به تاريخه، فالأوجاع الفلسطينية تتواصل، والآلام المبرحة هي نفسها، لا تتغيّر مهما يكن تاريخ اليوم..
الليلة.. مع منتصف الليل تماما.. تبدأ التفجيرات في سماوات الدّول جميعا.. وتتواصل التفجيرات بفلسطين، ولكنها لن تكون تفجيرات احتفالية ملوّنة؛ لأن الصّواريخ القاتلة لا تعشق سوى حمرة الدماء، وسواد الدّمار، واحتفالياتُها لا تكتمل إلا بالأشلاء الغضة..
سنة تفرّ.. ولا ندري إن كان العالم سيفيق من الأوهام والخرافات التي تكبّله، وينتبه إلى ما يقترف في حق شعب كامل لم يعرف سوى العناء..