يسدل، بعد ساعات قليلة، الستار على سنة 2023، لنستقبل سنة أخرى ينتظر الجزائريون أن تكون حلقة جديدة في مسيرة البناء والتحول الاقتصادي والاجتماعي، من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، ليكون الإنسان جوهر معادلة المستقبل وصناعة الغد، وهو السبب وراء إعطاء الجزائر في 2023 الأولوية للفرد وحماية سماته الاجتماعية والشخصية من الأخطار المحدقة به.. لعل أهمها الحيلولة بينه وبين فقدانه بوصلة الأخلاق والقيم والمسؤولية، دون إغفال أهمية التكفل بالفئات الهشة من المجتمع، ليكون الإنسان في صلب اهتمامات الدولة.
عرفت 2023 حربا ضروسا ضد المخدرات والمهلوسات والمؤثرات العقلية خاضتها الجزائر بمختلف قطاعات الدولة، للذود عن مجتمع تُحاك ضده المؤامرات لضرب وعي أفراده، فكانت الحملة الوطنية الكبرى لمكافحة المخدرات العنوان البارز لحماية الجزائر من طوفان «المهلوسات»، فلم ينس الجزائري الكميات المذهلة التي حجزها أفراد الجيش الوطني الشعبي والدرك الوطني والمصالح المختصة للأمن الوطني خلال هذه السنة.
في نوفمبر الماضي مثلا، حجزت مصالح الأمن الوطني المختصة في أربعة أيام فقط، على مستوى ولاية الجزائر العاصمة وتمنغست، ما يقارب مليون و398 ألف و480 كبسولة من المؤثرات العقلية و172 غرام من الكوكايين، قدرت قيمتها المالية السوقية بـ100 مليار سنتيم، فيما أثبتت التحقيقات أن الأمر يتعلق بشبكات إجرامية دولية.
هذه العملية جاءت بعد سبعة أشهر من محاولة إغراق الجزائر، عشية شهر رمضان المبارك، بأزيد من مليون ونصف مليون قرص مهلوس. فبينما كان الجزائريون يستقبلون الشهر الكريم، استطاعت المصالح المختصة للأمن الوطني من إحباط إحدى أكبر العمليات الإجرامية التي تستهدف ركيزة المجتمع وأمله من الشباب والمراهقين، من خلال خطة ممنهجة كانت ستشمل كلاّ من ولاية عنابة ووهران وورقلة والجزائر العاصمة، بحسب اعترافات مصورة شاهد الجزائريون تفاصيلها في 24 مارس الماضي.
كما أحبطت المصالح المختصة للأمن الوطني، نهاية شهر جويلية الماضي، واحدة من أكبر عمليات تهريب المخدرات الصلبة في تاريخ الجزائر، حيث وضعت يدها على 79 كلغ و400غ من مادة الكوكايين، مع توقيف 16 شخصا مشتبها فيه.
وكشفت بيانات لوزارة الداخلية سابقة، «أنه حُجز حوالي 2.5 طن من القنب الهندي و17 كلغ من الكوكايين وقرابة 1 كلغ من الهيرويين، بالإضافة إلى 3.5 ملايين قرص من المؤثرات العقلية في غضون الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، في مقابل خمسة أطنان من القنب الهندي وأكثر من سبعة ملايين قرص من المؤثرات العقلية خلال كل عام 2022».
وحتى نتعرف على المخططات الشيطانية لضرب استقرار الجزائر وأمنها الداخلي عن طريق إغراقها بالمخدرات، سواء كانت صلبة أو مؤثرات عقلية، والتي اصطلح على تسميتها من طرف المختصين بـ «حرب استنزاف» تستهدف ضرب الاستقرار الداخلي للجزائر.
نتطرق في هذا الصدد، إلى وصف رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة، عند لقائه القيادات العسكرية ببشار، شهر ماي الماضي، تلك المحاولات بأنها محاولات خسيسة هدفها الأول «إغراق بلدنا بالمخدرات والتي تستعمل كسلاح خطير ضد بلدنا وضد شعبنا، بغرض إفشال عزائمهم والنيل من إرادتهم». داعيا في الوقت نفسه «كافة الفاعلين على الساحة الوطنية، من أولياء ورجال إعلام ومدرسة ومسجد، للمشاركة في هذه المعركة النبيلة، ولاسيما من خلال تكثيف الحملات التحسيسية تجاه الشباب بمخاطر هذه السموم».
الكل يَتَجند ضد المخدرات
بالفعل، تجندت مختلف أطياف المجتمع ومؤسسات الدولة لمواجهة الخطر الداهم عبر الحدود خاصة الغربية، ففتحت المساجد منابرها ودروسها الدينية للتحسيس بخطر إدمان هذه السموم على الفرد والمجتمع، وتبيان حرمة إدمانها أو الاتجار بها.
وأعلنت المؤسسات التعليمية انخراطها في الحملة الكبرى لمكافحة المخدرات، من خلال إعطاء التلاميذ دروسا نموذجية حول السموم البيضاء، ألقاها ممثلون عن الأمن الوطني والدرك الوطني إلى جانب أئمة وأطباء.
كما فتحت مختلف وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها فضاءها لكشف الخطط الموضوعة في الظلام من أجل إدخال شباب الجزائر في نفق مظلم، يبدأ بنشوة وينتهي بجرائم قتل وانتحار.. وكانت «الشعب» إحداها حيث خصصت لشهرين صفحتين تتناول فيهما مواضيع مختلفة حول المخدرات، من خلال حوارات وربورتاجات من مختلف مناطق الوطن، رافق خلالها مراسلوها المصالح المختصة للأمن الوطني في حربها ضد المخدرات.
ولم تغفل الجزائر في حربها ضد المخدرات، تعزيز ترسانتها التشريعية وتحيينها لمواجهة «حرب الاستنزاف» ضد الجزائر، حيث تم استصدار في 2023 قانون الوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته في مايو 2023، وقانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها الصادر في ماي 2023.
«القوة الفاعلة»..
وضعت الجزائر في السنوات الأخيرة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن أولوياتها لدمجهم في المجتمع وجعلهم جزءاً مهمّا في عجلة التغيير، دورهم مهم على اعتبار أنهم، -كما قال رئيس الجمهورية- «إن ذوي الاحتياجات الخاصة قوة فاعلة، ومهمة للتغيير الذي تتطلبه معالم بناء مؤسسات الجمهورية الجديدة».
وصف صريح وواضح يرفض حرمان هذه الفئة من دورها في عجلة التغيير وبناء الجزائر الجديدة، لذلك تسهر آليات التضامن الوطني على ضمان التكفل بالفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخاصة، لاسيما في مجال التربية والتعليم والتكوين والإدماج المهني وكذا الخدمات الاجتماعية.
مجهودات تعكس اهتمام الدولة الجزائرية بحقوق الأشخاص ذوي الهمم، لاسيما الاجتماعية، من خصوصية وتوفير سبل العيش الكريم لهم، ووضع نظام خدماتي خاص يتضمن منحا وإعانات مالية تم تثمينها مؤخرا بموجب قرار السيد رئيس الجمهورية في أفريل 2023، بتخصيص منحة 12000دج لكل معاق بنسبة 100%.
وانطلاقا من مبدإ أن التنمية المستدامة الحقة لذوي الهمم تتطلب تركيزا ينصب على احتياجاتهم وحقوقهم، ليس فقط كمستفيدين ولكن كمساهمين نشطين في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية.
ويشرف قطاع التضامن خلال الموسم الدراسي 2023/ 2024 على تسيير نسيج مؤسساتي يتكون من 293 مؤسسة متخصصة و17 ملحقة تتكفل بتربية وتعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعدد يفوق 30 ألف طفل متمدرس من ذوي الهمم، فضلا عن إدماجهم في الأوساط المدرسية العادية بواقع 1304 قسم خاص وبتأطير بيداغوجي يفوق 15 ألف مؤطر.
ولأن الجزائر تلتزم بطابعها الاجتماعي، استنادا إلى دستور 2020، تمت المصادقة على مشروع القانون المتضمن تدابير الحصول على النفقة، حيث أخذت الدولة «على عاتقها التكفل بدفع النفقة للمطلقات وللأطفال تحت الحضانة، في حال ما إذا تعذر على المدين بها (الزوج) ذلك، بحيث جاء القانون ليعالج هذه الإشكالية فقط، أما باقي الإشكاليات المتعلقة بفئات أخرى فتوجد لها حلول وعلاجات في قوانين أخرى»، على اعتبار أن الدستور «واضح ويوقع على عاتق الدولة واجب التكفل بالفئات الاجتماعية بشكل عام والفئات الهشة والضعيفة بشكل خاص».