عرفت سنة 2023 حركية اقتصادية واسعة بفعل تحسّن مناخ الاستثمار بعد تعزيز المنظومة القانونية المؤطّرة، من أجل توفير بيئة أعمال ملائمة، وخلق المناخ الجذّاب للفعل الاستثماري، رافقها إدراج إصلاحات تشريعية مهمّة، تمثلت في قوانين النّقد والصرف والمقاول الذاتي، ما جعل الجزائر وجهة مفضّلة للمستثمرين، وساحة مفتوحة على الاستثمار المنتج بفضل التسهيلات والتدابير المدرجة في هذا الإطار، فضلا عن ذلك كانت للسياسات التجارية التي تبنّتها الجزائر دورا فعّالا في الرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني وقدرته على التصدير، بالإضافة إلى حماية المنتج المحلّي، ما سمح بترقية وتسهيل التصدير خارج قطاع المحروقات، رافقه إدراج تدابير هامة منها تعزيز المنظومة المصرفية داخل وخارج الوطن.
تحسّن أداء الاقتصاد الوطني خلال عام 2023، خاصّة في مجال جذب الاستثمار، وترقية الصادرات خارج المحروقات، في ظلّ التوجّه نحو قطاعات إستراتيجية خارج المحروقات، بفعل خلق بيئة ملائمة للاستثمار المنتج للثروة، بعد وضوح الرؤية بخصوص المقاربة الجديدة للاستثمار المدعومة بنصوص قانونية محكمة، وكذا تحسين ظروف المستثمرين والقضاء على مظاهر المحسوبية، من خلال إنشاء هيئات اقتصادية تعنى بالأمر، مع تفعيل المنصّة الرقمية للمستثمر في مرحلتها الأولى، الخاصة بعمليات التسجيل، فقد تم تسجيل 3.411 مشروعا بمبلغ إجمالي مصرح به قدره 1.799.6 مليار دينار، ومن المتوقّع أن تخلق ما يفوق 87 ألف منصب شغل، عند دخولها حيّز الاستغلال.
التوجّه في 2023 كان نحو التوسّع الاقتصادي، وتكريس البدائل الإستراتيجية خارج المحروقات، إلى جانب الإجراءات الجديدة كفتح رؤوس أموال بنكين عموميين، ووضع آليات مثل فتح بنوك في دول إفريقية لمرافقة المستثمرين، وتنشيط المعابر الحدودية وتحفيز الاستثمارات وتسهيل تدفّقاتها، ما أدّى إلى تحسّن المؤشرات المالية، حيث أنّ تطوير الاستثمار والاهتمام به، بتحفيز كلّ المتعاملين الاقتصاديين ووضع منصّة الكترونية لهم مع حمايتهم ودعمهم، أدّى إلى تكثيف النشاط الاقتصادي، ما ساهم في ارتفاع الصادرات خارج المحروقات.
مشاريع بالجملة ترى النور..
وكان لقانون الاستثمار الصادر خلال سنة 2022، والذي تضمّن إشادة من قبل الشركاء المحليين والأجانب بالمزايا التي جاء بها والمتمثلة خاصة في الاستقرار التشريعي والتحفيزات الجديدة والضمانات التي أعطيت للمستثمرين المحلّيين والأجانب، والمعزّز بنصوص تطبيقية، الفضل في التحضير للانطلاق في صناعة السيارات لكلّ المؤسّسات التي تنشط في هذا المجال، وهو الملف الذي استحوذ على اهتمام بالغ، كما فُتح المجال للاستثمار في المجال المنجمي على غرار غارا جبيلات.
وسجل إنجاز خطوط السكك الحديدية عبر العديد من الولايات وربطها بالمناطق الحدودية، لتكون سندا للمشاريع الإستراتيجية الدافعة لنشاط الاستثمار، ما يرفع من مردودية المشاريع في جوّ من الأمان والموثوقية، ما سمح للجزائر أن تصبح وجهة محبّذة للاستثمار، فحلّت بها كبريات الشركات العالمية، فارتفع حجم الاستثمار مع دول مثل تركيا، روسيا، الصين وايطاليا، في وقت تسعى الجزائر للتموقع بالسوق الإفريقية.
ديناميكية جديدة
كلّ هذه الحركية جعلت الساحة تعرف ديناميكية جديدة خلال سنة 2023، حيث بلغ عدد المشاريع المسجّلة لدى الشباك الوحيد للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية خلال 2023، 88 مشروعا، منها 28 استثمارا أجنبيا مباشرا، و43 مشروعا بشراكة مع مستثمرين جزائريين، و17 مشروعا استثماريا كبيرا لمستثمرين محليين. ويضاف إلى ذلك أزيد من 100 رغبة في الاستثمار بادر بها أجانب، منهم من يمثلون شركات كبرى، وتمّت دراستها على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، موازاة مع صدور القانون الذي يحدّد شروط وكيفيات منح العقار الاقتصادي التابع للأملاك الخاصة للدولة، والذي سيمكّن من مضاعفة عدد الاستثمارات المسجّلة وفق إحصائيات الحكومة.
من جهة أخرى، تمّ اتخاذ تدابير أخرى لفائدة الاستثمار، ويتعلّق الأمر خاصّة بتخفيف العبء الضريبي على المؤسّسات، وتقديم الدعم من أجل تشجيع ومرافقة المستثمرين وإنجاز المشاريع، حيث تمثل التحفيزات الضريبية الممنوحة للمستثمرين، في دعم حقّ الامتياز على الأراضي التابعة لأملاك الدولة الموجّهة للاستثمار.
ترقية الصادرات
وفي مجال السياسات التجارية، وفي إطار ترقية الصادرات خارج المحروقات، أنشأت الجزائر خلال سنة 2023، عدّة هيئات اقتصادية على غرار المجلس الأعلى لضبط الواردات وكذا المجلس الاستشاري لترقية الصادرات، كما تواصل تطهير السجل التجاري ممّا مكّن من تقليص عدد الشركات الناشطة في استيراد البضائع الموجّهة للبيع على الحالة، ووضعت السلطات العليا في البلاد سياسة عامة لتشجيع الصادرات خارج المحروقات ومرافقة المصدّرين وفق نظرة تشاركية مع مختلف القطاعات المعنية بالتصدير، تتمثل أهم تدابيرها في تسديد جزء من تكاليف النقل والمشاركة في المعارض المنظمة بالخارج، وكذا تبسيط إجراءات التصدير، ممّا سمح ببلوغ 1628 مصدر فعلي في الميدان..
المنتوج الجزائري.. حضور قويّ بالأسواق الدولية
بادرت الجزائر خلال 2023، بإنشاء معارض دائمة في كلّ من موريتانيا والسنغال، موازاة مع فتح خطين بحريين الجزائر ــ نواكشوط والجزائر- داكار. كما تم الترخيص لشركة الخطوط الجوية الجزائرية بتحويل طائرتين ذات الحجم الكبير إلى طائرات شحن، تسهيلاً للمتعاملين الجزائريين لتصدير منتجاتهم. كما تم تدشين منصة “ship loader” على مستوى ميناء جن جن لتسهيل تصدير الاسمنت نحو الخارج.
ولتعزيز التعاون، تم استحداث وتفعيل 42 مجلسا لرجال الأعمال، كما تم استحداث مدوّنة نشاط جديدة موجّهة للمؤسّسات المصدّرة، وهو ما سمح بتسجيل 5876 مؤسّسة وأيضا إنشاء منصّة لوجيستية في إليزي بالدبداب مخصّصة للتصدير، ويجري حاليا استكمال إنشاء منصّة ثانية على مستوى ولاية تمنراست بلغ مستوى تنفيذها 10 بالمائة، واستكمال الدراسة بشأن منصّة ثالثة بولاية تندوف.
يأتي هذا في وقت تم استحداث منصّة رقمية مخصّصة لاستقبال ومعالجة طلبات المصدّرين وتستخدم المنصّة كأداة مساعدة، ومتابعة لإزالة العراقيل أمام عمليات التصدير ومراجعة معايير مشاركة المتعاملين الاقتصاديين في التظاهرات الاقتصادية في الخارج.
تسهيلات غير مسبوقة للمتعاملين الاقتصاديين
واتّخذت السلطات العليا في البلاد إجراءات غاية في الأهمية من أجل تجاوز العراقيل البيروقراطية، خاصّة على مستوى الجمارك والموانئ، حيث أصبح التصدير متاحا بشكل كبير مقارنة بالسنوات الماضية، ووجد المتعامل الاقتصادي كلّ التسهيلات في قطاع الجمارك، ما جعل التصدير رافدا مهما للنهوض بالاقتصاد الوطني.