تستهل الجزائر، العام الجديد 2024، باستكمال نسق الإصلاحات عبر مراجعة نصوص تشريعية في غاية الأهمية، خاصة تلك التي تتعلق بتعزيز الديمقراطية والديمقراطية التشاركية، ومتابعة ترجمة الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية في تحقيق تنمية اقتصادية متكاملة بمراعاة عوامل الفعالية واحترام الآجال.
لا يمكن فصل حصيلة سنة 2023، عن السنوات الثلاث التي سبقتها، نظرا لترابط مختلف العمليات الإصلاحية التي أطلقها الرئيس تبون، ضمن برنامجه الرئاسي والمفصل ضمن 54 التزاما و5 محاور.
وعليه، فإن العام الجديد سيكون امتدادا «للنهج الإصلاحي» ضمن مسعى التغيير الشامل. فبعد استكمال «إعادة البناء المؤسساتي»، وفقا لما نص عليه دستور 2020، سيتواصل العمل على تكريس الامتثال لمبادئ الديمقراطية والحريات والحقوق والفردية والجماعية، وأخلقة الحياة السياسية وترسيخها في الممارسة الفعلية.
ويعتبر الدستور الحالي، والبرلمان المنتخب منذ 2021 والمجالس المنتخبة في السنة ذاتها، من أهم الورشات السياسية التي استكملت في النصف الأول من عهدة رئيس الجمهورية، ومن خلالها تمت المراجعة الكبيرة للمنظومة التشريعية، حيث تمت المصادقة على حوالي 57 قانونا (عضويا وعاديا).
وسيضطلع البرلمان في 2024، بمواصلة تحيين قوانين الجمهورية، بما يكرس التغيير الجذري، وينتهي إلى إعطاء كافة المؤسسات الدائمة للدولة المكانة التي تستحقها والتي يجب أن تؤديها في تسيير الشأن العام وخدمة المواطنين.
وضمن هذه الرؤية، سيكون مشروعا قانوني البلدية والولاية، من أبرز النصوص التي ستعرض على البرلمان بغرفتيه للمناقشة والمصادقة، بعدما أخذا ما يلزم من وقت في الإعداد من قبل لجنة موسعة ضمت أزيد من 40 عضوا، منهم ولاة ومنتخبون وخبراء في القانون.
ويستجيب مشروع قانون البلدية في نسخته التي ستعرض قريبا على مجلس الوزراء، بعد المصادقة عليها من قبل الحكومة قبل أسبوعين، إلى مطالب ظلت عالقة لعدة سنوات، والمتمثلة في تعزيز صلاحيات المنتخبين المحليين، على مستوى المجالس البلدية، وتعزيز التضامن الأفقي بين البلديات الغنية والفقيرة، بما يضمن تقليص الفجوات في التنمية.
وضع هذين النصين وفق ما يتماشى مع اللامركزية المنصوص عليها دستوريا، سيعطي النجاعة اللازمة للبلدية، باعتبارها النواة الأولى للحكامة الرشيدة، وكذا للولاية التي تعنى بالصلاحيات التنفيذية في مجالات التنمية والاستثمار وتحسين المنظومة التعليمية والصحية والاجتماعية.
ومن القوانين التي قد تجد طريقها إلى البرلمان، هذه السنة، قانونا الأحزاب السياسية والجمعيات، بما يتماشى والدستور الجديد، خاصة في الشق المتعلق بالتجسيد الفعلي لأخلقة الحياة السياسية وترقية الحقوق والحريات الجماعية والفردية، والوصول إلى نضج عالي المستوى في تأطير وتنظيم الديناميكية الاجتماعية.
الاستحقاق المنتظر أيضا في السنة الجديدة، وفق الآجال الزمنية القانونية، سيكون التجديد النصفي لمجلس الأمة، حيث أن المجالس المنتخبة الجديدة، وفق القانون العضوي للانتخابات، الذي وضع حدودا فاصلة وحازمة بين المال والسياسة، ستتولى انتخاب من تراه مناسبا من المنتخبين المحليين، لشغل عضوية مجلس الأمة.
ووفقا للآجال الدستورية، فإن الجزائريين سيكونون على موعد مع الرئاسيات نهاية عام 2024، هذه الاستحقاقات التي أحيطت بضمانات دستورية صارمة أعادت لها مكانتها السياسية المستحقة.
وإلى جانب المواعيد السياسية المحددة بمواعيد زمنية، ستعرف سنة 2024 استمرار وتيرة تغيير قواعد الحكامة، بما يضفي نجاعة أكبر على عمل مختلف أجهزة الدولة وخاصة الجهاز التنفيذي.
ويلعب قطاع العدالة دورا رياديا في مراجعة القوانين ذات الصلة بتسيير الشأن العام، على غرار قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية. هذان النصان، إلى جانب مراجعة قانون الفساد، يحملان مواد تكرس الحماية القانونية اللازمة لفعل التسيير والإطارات المسيرة، ما من شأنه تحرير المبادرة وإرساء المناخ الملائم للأداء العمومي.
على صعيد آخر، ومع استكمال ما تبقى من مراجعة المنظومة القانونية، تكون البلاد قد تخلصت من القيود القانونية المكبلة، والتي طالما أدت إلى انسداد مختلف عمليات الدولة، خاصة المشاريع الاقتصادية، وتكون قد أنهت أيضا كافة المسوغات القانونية التي استخدمت في السابق كمطية لنهب المال العام وتفشي الفساد وتضخيم الفواتير وتحطيم الإنتاج الوطني من أجل الاستيراد.
على هذا الأساس، يفترض رؤية أولى نتائج العمل بالنصوص الجديدة ابتداء من العام الجديد، إلى جانب رؤية أولى ثمرات نهج الرئيس تبون الحازم مع احترام آجال الإنجاز بالنسبة للمشاريع الهيكلية التي ستغير وجه البلاد، على غرار خطوط السكة الحديدية واستغلال المناجم العملاقة وتجسيد آلاف المشاريع المسجلة على مستوى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، بعد صدور قانون العقار الاقتصادي الخريف الماضي.