حمل عام 2023 كثيرا من المكاسب والإنجازات غير المسبوقة للجزائر، بفضل تسارع عجلة النموّ واستمرار جهود الإصلاحات السارية التي جعلت الاقتصاد الجزائري يحتل المرتبة الرابعة إفريقيا حسب تقرير صندوق النقد الدولي، وهذا بفضل سلسلة القيمة المسجّلة والثروة المحقّقة والإصلاحات الجادّة والرؤى الاستشرافية، ولا يخفى أنّ المسار القائم على الدقّة وبعد النظر والهندسة المحكمة، أفضى إلى ارتفاع احتياطي الصرف من العملة الصعبة إلى سقف 73 مليار دولار مع نهاية العام، بعد أن سجّل 61 مليارا في نهاية 2022.
كان العام 2023 استثنائيا في مسار البناء الاقتصادي، مع انطلاق عجلة النمو المرتكزة على الإصلاحات الجذرية، فهو عام التحوّل الاستثنائي لتحقيق الوثبة في التنوّع وشقّ الطريق بهدف بناء اقتصاد قويّ، علما أنّ نسبة النموّ بلغت حوالي 5.3 بالمائة مقابل 4.7 بالمائة سجّلت عام 2022، بينما يتوقّع أن يسجّل الميزان التجاري فائضا بحوالي 11.3 مليار دولار في 2023، في حين بلغ إجمالي الصادرات 52.8 مليار دولار، فيما استقرت الواردات عند حدود 41.5 مليار دولار.
وفي ضوء تسارع النموّ خارج المحروقات بـ4.9 بالمائة سنة 2023، مقابل 4.3 بالمائة سجّلت سنة 2022، انعكس ذلك بشكل إيجابي فدفع إلى تسجيل ناتج محلي إجمالي بنحو 224 مليار دولار سنة 2023، كما ترسّخ التراجع المستمر في حجم التضخّم، في ظلّ غياب الدين الخارجي، وما شدّ انتباه الاقتصاديين والجبهة الاجتماعية، وتطرّقت إليه معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية، أنّ الجزائر رصدت أضخم ميزانية في تاريخها موزّعة على نفقات التسيير التي ارتفعت إلى 9767.6 مليار دينار، بزيادة لا تقلّ عن حدود 27 بالمائة، إلى جانب ارتفاع نفقات التجهيز إلى مستوى 4019.3 مليار دج مع تسجيل زيادة بلغت 2.7 بالمائة.
أرضية ممهّدة للبناء الاقتصادي..
ولقد حقّق قطاع الطاقة بقيادة مجمع سونطراك، موارد مالية، سمحت برفع احتياطي الصرف وانعكس ذلك على انتعاش قيمة العملة الوطنية في سابقة لافتة أمام العملات الأجنبية. غير أنّ التحوّل الذي انتهجته شركة سونطراك في قوّة أدائها وتجسيد إستراتجية ترتكز على تطوير نشاطاتها واستثماراتها والرفع من احتياطي موارد الطاقة لتوسيع تدفّق إنتاجها، نجح في تحقيق 10 اكتشافات نفطية خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2023، معزّزة 16 اكتشافا مسجلا في 2022، ويصبّ ذلك ضمن الجهود والتطلّع للرفع من احتياطي المحروقات، ومازال العمل قائما لتوسيع الاستكشاف وإدراج حقول جديدة حيّز الإنتاج لتزويد الزبائن، وتعزيز موقعها في الأسواق الخارجية.
ومن بين الجهود المبذولة، نذكر أنّ شركة سونطراك قامت بتقييم إمكانات تنفيذ 26 اتفاقية دراسات خاصة بالمحروقات غير التقليدية وفي عرض البحار والمحروقات التقليدية، إلى جانب توقيع 4 عقود جديدة، بهدف استغلال حقول النفط في الجزائر بين مجمع سوناطراك والشركات النفطية الكبرى الرائدة في العالم، نذكر من بينها 2 عقود يسمحان برفع الإنتاج في الحقول من 60 ألف إلى 100 ألف برميل يوميا من النفط المكافئ بحلول عام 2026.
في مجال التخزين، تم دخول مستودع في ولاية سيدي بلعباس بقدرة 180 ألف متر مكعب حيّز الاستغلال، وكان العمل جاريا من أجل استكمال وضع قدرات تخزين أخرى حيّز الخدمة، قبل نهاية 2023، خاصة في الخروب بولاية قسنطينة، بقدرة تخزين لا تقلّ عن 172 ألف متر مكعب، وكذلك في ولاية الأغواط نحو 6 آلاف متر مكعب، إلى جانب إنهاء إنجاز برنامج محطات البنزين عبر الطرق السريعة، عن طريق تثبيت 34 محطة حيّز الخدمة من أصل 42 محطة مبرمجة، و7 محطات أخرى متنقّلة.
وأشارت الإحصائيات، أنّه مع نهاية سبتمبر 2023، تم تعزيز قدرة إضافية لإنتاج الكهرباء بلغت 604 ميغاواط،، وكما تم تدعيم شبكات النقل والتوزيع عن طريق إنجاز 5096 كيلومترا، و1260 محطة كهربائية وما يناهز 805.5 كيلومترات، و119 محطة للغاز، ومع ربط 32 موقعا بالكهرباء، و28 موقعا بالغاز بالنسبة إلى المدن الجديدة والأقطاب الحضرية، فيما ربط 1100 مستثمرين بالكهرباء، و437 بالغاز، و28 منطقة صناعية بالكهرباء، و19 منطقة بالغاز. وخلاصة القول أنّه نجح في تجسيد 3047 ألف مشروع كهربائي بالمناطق المعزولة، هذا ما سمح بربط 78.898 ألف مسكن، و2770 ألف مشروع بالغاز، أيّ ربط 276.304 ألف مسكن.
الانتقال نحو الطاقات النظيفة..
وبدا التغيير والانتقال نحو استعمال الطاقات النظيفة واضحا ومشجّعا في الجزائر، في ضوء إستراتيجية تطوير الطاقة المتجدّدة، واستمرت عملية ربط المستثمرات الفلاحية بالطاقة الكهربائية، وتم ربط نحو ألفي هكتار مع توفير الإنارة بالطاقة الشمسية عبر 5 آلاف نقطة، ومع ربط العديد من النقاط الفردية الخاصة بالاستهلاك الذاتي، بينها 240 مدرسة ابتدائية، و2536 منزلا، و965 بئرا.
وفي إطار سعي الجزائر نحو تعميق الفعالية الطاقوية، استمرت في عملية تحسين الوحدات الصناعية بنسبة لا تقل عن 57 بالمائة ضمن 39 مشروعا، وإنجاز 39 خريطة جيولوجية، و10 خرائط تخصّ الثروات المعدنية والمحاجر، والمناجم القديمة، وكذا استغلال الذهب التقليدي، وتحقيق خطوات متقدّمة وجبّارة في برنامج البحث المنجمي، وقد نجح في بلوغ المرحلة الثالثة، بنحو 15 مشروعا رصدت له ميزانية ناهزت 1.3 مليار دج.
المورد البشري والقطاع الخاص.. مفتاح التطوّر
انعكس كلّ هذا التطوّر الاقتصادي المبني على جهود ضخّ الثروة واستغلال مختلف الموارد، سواء كانت مادية وبشرية وإقحامها في النشاط الاقتصادي، بتحسّن احتياطي العملة الصعبة خاصة بعد ارتفاع الصادرات خارج المحروقات، وعلى ضوء ذلك جاء قرار رفع أجور العمال والموظفين.
جدير بالإشارة أنّ الحكومة واصلت في تجسيد مساعي تبنّي برامج الإصلاح الهيكلي طوال العام 2023، كما تم تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وتوسيع نشاطاته الاقتصادية وتنويعها، بهدف الرفع من قدرة الاقتصاد على مواكبة المنافسة بالأسواق الخارجية وفق معايير جودة المنتوج وتكلفته المنخفضة، إلى جانب الرهان على المورد البشري وتشجيع المقاولاتية والابتكار، انطلاقا من الجامعة، وجعل الحاضنات المفتوحة عبر جامعات الوطن، جسرا حقيقيا يسمح بوضع الاقتصاد الوطني ضمن أهم الاقتصاديات الناشئة بقصد تحقيق التغيير المنشود.