سجل الفيسلوف إدغار موران أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أوقعت في عامين كاملين 10 آلاف قتيل، بينما حقق الصهاينة رقما قياسيا و(نطحوا) سقف 23 ألف قتيل في شهرين فقط، وما زالوا يُعمِلون آلة الدمار في الأجساد الفلسطينية الغضة..
وظاهر أن موران قارن بين الحربين كي يوضح التناقض المرعب الذي تلبّس الأوروبيين، فهم يذرفون الدموع الحرّى على الأوكرانيين بدوافع يقال إنها (إنسانية)، بينما يضربون (النّح) عن حرب الإبادة المسلّطة على الفلسطينيين، وكأن الأمر لا يعني الأستاذة المدعوة (إنسانية)، فقد تعوّدت على الغرق في نومها الهانئ، ونسيت أنّ الحياة حق طبيعي للإنسان في جميع أنحاء الأرض..
مقارنة موران بين الحربين، لا يمكن أن يفوتها أنّ المواطنين الأوكرانيين يلقون الدعم من القوى الكبرى في العالم، وهي توفر لهم الأموال والعتاد والأقوات، بينما يقبع الفلسطينيون في سجن مفتوح على السماء، يستقبلون الموت بصدور عارية، ويُمنع عنهم الماء والطعام، بلْهَ عن الدّواء ومستلزمات العناية الصحيّة، فهذه لا ينالها حتى صاحب الحظّ العظيم..
الفلسطينيون يواجهون الموت صابرين محتسبين دون أن يجدوا يداً تمتد إليهم.. بل إن بعض (السُّجعان.. نعم هكذا بالسّين) كابروا واستكبروا حتى إنهم منعوا الدعاء للفلسطينيين في المساجد، وهذه مصيبة غير مسبوقة في عالمنا المستقيل مما يتعارف عليه البشر تحت مسميات “المبادئ” و«القيم” و«المُثُل”..
وقد يكون طبيعيا أن يعقد موران مقارنته بقصد إحداث صدمة قد تنفع الضمير الغربي؛ ذلك أن الفيلسوف يمتلك الرؤية التي تكفل له حفظ مواقفه النبيلة من التناقض. ولقد سبق أن وقّع عريضة ضد القمع الاستعماري الفرنسي بالجزائر، أما المستضعفون بحاضنتنا العربية، فإنهم يعلمون أن كلامهم أقرب إلى حرث البحر، ولكنهم يواصلون؛ لأن الإنسان لا يمكن إلا أن يكون إنسانا..