يتم حاليا إثراء مشروع القانون المتعلّق بتنظيم النشاطات المنجمية بإشراك المختصّين والفاعلين، لفتح المجال أمام المتعاملين الجزائريين والأجانب، للاستثمار في النشاط المنجمي، حيث أنّ التحفيزات والتسهيلات المنتظرة في هذا النصّ التشريعي، ستبرز دور القطاع المنجمي في الرفع من قيمة الصادرات خارج المحروقات، وتفعيل الصناعة المنجمية والرفع من أدائها في الاقتصاد الوطني من شأنه تعزيز التنمية المحلية، وتحقيق الأهداف المسطّرة في تنويع الاقتصاد الوطني، عبر تحفيز الفعل الاستثماري، وخلق حركية اقتصادية ونماء وتنمية في مناطق النشاط الاستثماري.
أكّد الخبير الاقتصادي أحمد طرطار، أنّ مشروع القانون الجديد المتعلّق بالنشاطات المنجمية عند صدوره، سيؤدي إلى فتح مجال الاستثمار، نظرا للامتيازات والضمانات والتسهيلات المختلفة التي سيقدّمها.
وأشار طرطار إلى أنّ النصّ التشريعي الجديد سيؤدّي إلى وضوح الرؤية القانونية والجبائية والجمركية التي تحكم المستثمر بالدولة، حيث أنّ مثل هذه القوانين ستفتح مجال الاستثمار الكبير، خاصّة إذا ما كانت تحتوي على نوع من الليونة والمرونة والسهولة ونوع من التحفيزات الاستثنائية، سواء المالية أو الجمركية، مثل أن تكون بداية الشروع في النشاط مشتركا بين الدولة والمستثمر، حيث تتدخّل الدولة في تحفيز المستثمر على دخول الموقع، من خلال آلاتها ومعدّاتها، بالمشاركة في عملية ردم بقايا المنجم أو المقلع أو المحجر، مؤكّدا على أنّه إذا توفّرت مثل هذه الشروط مع تحديد الواجبات بدقّة، وإبراز الحقوق وكيفية تقاسم الأرباح وغيرها من المعطيات، سيكون الاستقطاب في المستوى، ويؤدّي بالضرورة إلى ازدهار العمل المنجمي.
استثمارات ضخمة طويلة المدى
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة تبسة، إنّ أهم النقاط التي يتم إثراؤها في مشروع القانون المتعلّق بالنشاطات المنجمية، هي تلك المرتبطة بعلاقة الجهة الوصية للمتعاملين الاقتصاديين، باعتبار أنّ هناك تأطيرا من طرف الدولة، بالمقابل هناك مجموعة من المستثمرين سواء كانوا مؤسّسات خاصّة أو عمومية أو مؤسّسات أجنبية، حيث يتم تحديد هذه الأدوار بشكل جيّد وفعّال ممّا بما يؤدّي إلى إقناع المستثمر المحلّي والأجنبي بجدوى العمل، بغية بذل قصارى جهوده للوصول إلى أداء جيّد، واستمرارية هذا الأداء، باعتبار النشاط المنجمي مختلفا عن الأنشطة الأخرى، حيث يمتد إلى أكثر من عشر سنوات، بل إنّه يمتد على مدى زمني طويل قد يصل إلى خمسين عاما، باعتبار أنّ البحث المنجمي يتطلّب تجارب وتحاليل، إضافة إلى أنّ الشروع في الإنتاج ليس بسيطا، حيث يتم بين سنتين إلى خمس سنوات بغية إعداد المحجر آو المنجم، وهذا يتطلّب استثمارات ضخمة.
وأضاف طرطار قائلا: “ لابدّ أن يُراعى في القانون هذا الجانب، وأن يأخذ المستثمر الحق في عملية التهيئة الأولية للمنجم أو المقلع أو المحجر، وعندئذ يكون هناك نوع من الضوابط الواضحة المعلومة التي تؤدّي إلى المحافظة على حقوق المستثمر في هذا الجانب، بينما يتحمّل المستثمر التبعات المرتبطة بإجراءات ما بعد الانتهاء من المنجم، وهو حق الدولة على المستثمر سواء من خلال المحافظة على البيئة، ثم بعث بعض الجوانب المرتبطة بالبيئة التي يتطلّب أداؤها من طرف المستثمر، ثم إنّه في نهاية المقلع أو المحجر أو المنجم، يتم ردم هذه الأماكن، حيث تصبح صالحة للاستعمالات الفلاحية أو الاستعمالات الأخرى لضمان حقّ الدولة والمجتمع”، وعليه – يواصل طرطار – ستحدّد حقوق وواجبات المستثمر إزاء هذا العمل الجبار الذي يتطلّب استثمارات ضخمة على مدى زمني طويل، وبالتالي، ينبغي التدقيق في مثل هذه الإجراءات من خلال إخراجها في قوالب قانونية واضحة ومعلومة، تضمن حقوق المستثمر والدولة، وتؤكّد واجبات المستثمر تجاه الدولة، كما تضمن واجبات الدولة تجاه المستثمرين.
الصعب يهون..
وفي السياق ذاته، تطرّق محدثنا إلى أهم المشاريع المنجمية الواعدة بالجزائر، وقال إنّه “لا يمكن حصر منجم بذاته في قانون المناجم، لأنّ النصّ التشريعي المتعلّق بالنشاطات المنجمية، منذ أن تم تحرير النسخة الأولى منه سنة 2001، ليتم تعديلها فيما بعد، حيث كان آخرها في سنة 2014، يجري حاليا إثراء النص قبل عرضه على البرلمان بغرفتيه، إذ يرمي إلى حثّ المستثمر على اقتحام هذا النشاط الصعب الذي يتطلّب استثمارات ضخمة، ويرتبط بهياكل كبيرة، حيث يتم التمهيد له من خلال الإجراءات الأولية، سواء إجراءات الحفر أو ما يسمى “بالديكاباج” وهو مسح غلاف الأرض، أو غيره من الإجراءات على غرار التعمّق في باطن الأرض بين الكهوف، وفق طبيعة المنجم وحسب الغاية المراد الوصول إليها من ورائه”.
وأشار الخبير إلى أنّ كلّ المناجم في الجزائر، كانت معنية بالقوانين السابقة، وهي أيضا معنية بالقانون المراد إثراؤه حاليا، حيث أنّ الاستثمار في هذه المناجم سيعطي دفعا جديدا للقطاع المنجمي من خلال مسار إيجابي، انطلق من دستور 2020، فالنظرة إلى المناجم جديّة للغاية، خاصة وأنّها ترتكز على أنّ المناجم قطاع واعد ويضع خيارات عديدة ويعطي مداخيل إيجابية من شأنها أن تعوّض جزءا كبيرا من المداخيل النفطية، ما يؤدّي إلى المساهمة في الرفع من ميزانية الدولة، وبالتالي يتم تحريك كلّ الأقطاب المنجمية سواء تعلّق الأمر بغارا جبيلات، باعتباره عملاق يتأهّب للنهضة، وبعث الشراكة مع الصينيين بما يؤدّي إلى بعث أنشطة صناعية ومنجمية أخرى من خلاله، لتحقيق الإشعاع على كلّ المنطقة فيما يتعلّق بالتنمية المستدامة.
وعلى نفس المنوال – يضيف طاطار – يأتي منجم بلاد الحدبة في منطقة تبسة، وهو منجم للفوسفات، تتم توسعته وخلق آفاق واعدة وكبيرة هناك، ممّا يؤدّي إلى تحريك عجلة التنمية بالجنوب الشرقي، وسيصل الأثر الإيجابي – من خلاله – إلى مجموع الولايات المتاخمة له، حيث يتم تصدير المنتوج.. في منطقة بجاية، هناك منجم أميزور للرصاص والزنك، وهو يتوسّع كتجربة أولى بالجزائر برفقة شريك استرالي مرموق له باع في هذا الإطار، حيث يعطي مردودية إيجابية سواء من ناحية توظيف اليد العاملة، أو من ناحية الوظائف التكميلية أو حتى من حيث البنى التحتية التي تستفيد منها المنطقة، وربطه بمينائي جيجل والعاصمة وبجاية، يؤدّي حتما إلى تحريك عجلة التنمية في تلك المنطقة الساحلية الشرقية، وبالتالي ستستفيد منها معظم الولايات على غرار تيزي وزو، بجاية وبرج بوعريريج وغيرها من الولايات.
وأبرز طرطار أنّه “على نفس المنوال، يتم استخراج الذهب وتسخيره وإعادة صبّه في قوالب مختلفة، وتمكين الدولة منه عبر إعادة تأطير العملية المنجمية في تلك المناطق، وبعث الشراكات مع الشباب الذي يضطلع بعملية التجميع، حيث يتم تنظيم العملية على هذا المنوال لحصر حقوق وواجبات هؤلاء الشباب وتنفيذ التزامات الدولة تجاههم، وضرب طرطار مثلا عن ذلك بمدينة جانت بالجنوب الكبير، وهي المنطقة التي تزخر بالمنتجات المنجمية على غرار الرخام، حيث أنّ فتح المجال للاستثمار الخاص الذي يتم تأطيره لضمان حقوق وواجبات المستثمرين وتكريس التزامات الدولة تجاه هؤلاء المستثمرين، سواء من حيث التسهيلات الجباية أو الإدارية، أو من حيث بعث بعض المرافق العمومية المرتبطة بالمنجم وما شابه ذلك، في ظلّ وجود ولايات نائية، سيسهم في تحريك عجلة التنمية هناك.
أما بالنسبة لمنطقة تبسة، وبها منجمان اثنان، فإنّ الدولة تحرص من خلال القانون على توفير الظروف الملائمة للاستثمار بهذه المنشآت من خلال التحفيزات التي سيتضمنها قانون المناجم المنتظر، في إطار شراكة واعدة، وبالتالي، إعادة تحريك المنجمين فيما يتعلّق بالحديد والصلب وربطهما بصناعة الصلب بمنطقة جيجل أو صناعة الصلب واستخراجه في منطقة غارا جبيلات، في إطار هذه العمليات المتكاملة والمتوافقة.
ثمرات منتظرة..
وفي ردّه عن سؤال يتعلّق بالفوائد الاقتصادية المرجوّة من القطاع المنجمي، قال طرطار إنّها فوائد كبيرة، أوّلها استغلال هذه المناجم استغلالا أفضل، ممّا يضمن تحصيل مداخيل تشكل معطى إيجابيا بالنسبة لخزينة الدولة، وفي الوقت نفسه، يتم استقطاب الشّركاء وجلب التكنولوجيات الحديثة للاستخدامات المنجمية، فضلا عن استقطاب المنتج العلمي المتاح بالجامعات، للاستفادة منه في مثل هذه المشاريع، فكثيرون من خريجي قطاع المناجم أو المكمل للقطاع ذاته سواء تعلّق الأمر بالهندسة المدنية أو الحضرية أو غيرها من التخصّصات، سيستفيد منهم القطاع في تحريك عجلة التنمية، خاصة مع توفير بنى تحتية من طرف الدولة أو من طرف المستثمرين الأجانب أو المحليين لتهيئة المناجم، حيث ستستفيد الساكنة في تلك المناطق من البنى التحتية، إضافة إلى ذلك، فإنّ هذه المناجم والمصانع تتطلّب تشغيل اليد العاملة المتعدّدة.. مثلا يتم إحصاء في غارا جبيلات من 3000 إلى 6000 منصب شغل، إضافة إلى مناصب تكميلية مثل الإعمار، النقل الإطعام، وغير ذلك في المجال التجاري، ما يعني أنّ التشغيل يمكن أن يصل إلى حدود 8000 منصب، والأمر نفسه بالنسبة لولاية تبسة التي يمكن أن يصل بها التشغيل إلى 4000 منصب، بينما يتراوح التشغيل بمنجم اميزور ببجاية بين 700 إلى 2000 منصب، يقول محدثنا.
الصادرات تضاهي 20 مليار دولار
وبعد أن أكّد طرطار أنّ قطاع المناجم، سواء من خلال عملية التكرير التي تجرى في مواقع الإنتاج ليتم تصدير المنتوج على هذا المنوال، أو من خلال تشغيل هذا المنتوج في صناعات تحويلية مختلفة، يؤدّي إلى تحقيق أنواع مختلفة من خلال البيع المباشر للمنتوج أو من خلال إعادة بيع المنتوج وتحويله وإعادة بيعه، أبرز أنّ هذه المنتجات في شكلها النهائي أو الوسيط سيتم الاستفادة منها من خلال المداخيل المستفادة منها، خاصة بالنسبة لبيعها للخارج والحصول على عملة صعبة، ناهيك عن تدويرها على مستوى الداخلي، حيث تتم الاستفادة منها خاصة في الصناعات التحويلية مثل إنتاج قطع الغيار، أو في شكل منتجات أخرى تؤدّي دورها في المجتمع بصفة عامة، حيث تشكل مداخيلها إضافة هامة لخزينة الدولة، وإضافة للمستثمرين الذين يضطلعون بالعمل الانتاجي والاستخراجي والتحويلي والتكرير وغيره، حيث سيستفيد الجميع من رفع قيمة الصادرات والرفع من المردود المتوخّى من الصادرات، بحيث تصل إلى أكثر من 20 مليار دولار في الآفاق المستقبلية القادمة، ما يسمح باستكمال خطة الإقلاع الاقتصادي المنشود والتنويع الاقتصادي المرجو.