لم يشهد أبو حامد الغزالي ما يعيش العالم في عصر «التواصل الاجتماعي»، فهو لم يعرف كيف يتحوّل المغبون من الناس إلى (جهبذ) يعرف القاصية والدانية، ولم يختبر ضحايا التّسرب المدرسي وهم يفكّكون القضايا العويصة، ولم يجرّب (الاقتتال) على خطة مدرب فريق كرة قدم، بين مجموعات من (خبراء) لا يمتلكون أدنى معرفة عن التدريب، وربما لم يمرّ بخاطره مطلقا – مجرد مرور – أن تشرق الشمس على أقوام يحسّون في أنفسهم القدرة على الخوض في كل شيء، فيخترعون «الطب البديل» و»الفيزياء البديلة» وفنونا أخرى عجيبة، فعادةُ من يتكلم في غير فنّه أن يأتي بالعجائب..
وقد يكون من حسن حظ الغزالي أنه لم يشهد العجائب الحقيقية في عصرنا (التواصلي)، ولكنه مع ذلك أحسّ في عصره بما فرض عليه وضع كتاب «إلجام العوام عن علم الكلام»، ما يعني أننا اليوم – مع المأساة التي نعيش – نحتاج إلى غزالي جديد يضع كتاب (إلجام المهبول عن الحديث في الفوتبول)، وكتاب (تبصير العمياء بما جهلت من الفيزياء)، وكتاب (نهي الخبير عن التدخل في شؤون الغير) وكتاب (اندب يا راسي من التّسرب الدراسي) وكتب أخرى كثيرة ينبغي تأليفها من أجل إلجام (علماء) الفضاءات التواصلية..
التعبير حقّ.. صحيح.. ولكنه لا يخلو من واجب، والواجب هنا يقتضي الإحساس بالمسؤولية عن كل ما يقال في الواقع، وتتضاعف هذه المسؤولية بالمواقع، لأن ما يقال بها يمكن أن يعبر الآفاق، وحينذاك لا يكون تعبيرا عن مستوى قائله وحده؛ وإنما يصبح معيارا لـ»التعريف» بشعب كامل لا ذنب له فيما يجترح أولئك الذين لا يحسون بالمسؤولية عمّا ينشرون.. وليرحم الله الغزالي..