وضع رئيس الجمهورية الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن ضمن أولويات برنامجه، حرصت الحكومة على حماية الجزائريين من تأثير اضطرابات الأسواق الدولية والتغيّرات المناخية الحادّة التي مسّت كلّ اقتصاديات العالم بمنحى تصاعدي منذ عدّة سنوات، والتي نتج عنها ارتفاع أسعار المنتوجات ذات الاستهلاك الواسع.
ظلّت ظاهرة ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية الأساسية تبرز من حين إلى آخر، حتى تلك التي يشملها دعم الدولة، بسبب كثرة الوسطاء، وممارسات تجارية غير أخلاقية وتجاوزات وقفت عليها مصالح التجارة، في التوزيع والتنظيم وفي إيصال المواد الاستهلاكية للمواطن، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الإسراع في تنفيذ تعليمات الرئيس تبّون بوضع الميكانيزمات الملائمة لأخلقة الممارسات التجارية قصد الحفاظ على التموين المنتظم للسوق بالأسعار المناسبة، لاسيما من خلال الانتهاء من إعداد مشروع مرسوم تنفيذي يحدّد هوامش الربح للمنتوجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع خاصة البقول الجافة والأرز.
حماية المواطن
وقصد مواجهة هذه التحدّيات وتفادي أثرها على المستوى المعيشي وضمان استقرار أسعار المواد واسعة الاستهلاك، قامت الحكومة بتوسيع نطاق تدخّلها في مجالات التحويلات الاجتماعية، وذلك بعد إصدار إجراءات تنظيمية، على غرار إصدار الإطار التنظيمي الذي مكّن من إنشاء المجلس الأعلى لضبط الواردات وكذا المجلس الاستشاري لترقية الصادرات، وتطهير السجل التجاري الذي قلّص عدد الشركات الناشطة في استيراد البضائع الموجّهة للبيع على الحالة من 43.000 إلى 14.858 شركة، بالموازاة مع تطهير الفضاء التجاري، بشطب أكثر من 1200 فضاء موازي وإدماج أكثر من 30.000 تاجر في النسيج التجاري القانوني.
إعداد مشروع مرسوم تنفيذي يحدد هوامش الربح..والقضاء على جشع التجار والوسطاء
وفي هذا الصدد، ارتفع مبلغ التحويلات الاجتماعية المباشرة المخصّصة في ميزانية الدولة من 2714 مليار دج سنة 2023، إلى 2895 مليار دينار جزائري في 2024، أيّ ما يعادل 19.17 بالمائة من ميزانية الدولة، منها 704 مليار دينار جزائري موجّهة لدعم المواد ذات الاستهلاك الواسع كالحليب والحبوب والزيت والسكر، مقابل 546 مليار دج أواخر سبتمبر.وسجّل الفارق المتكفّل به من قبل الدولة، فيما يخص الحبوب في سنة 2022 مستويات قياسية ناهزت 9.000 دج للقنطار بالنسبة للقمح الصلب، و6.400 دج للقنطار بالنسبة للقمح اللين، ليعرف مستوى هذا الدعم انخفاضا نسبيا في سنة 2023 ليصل إلى ذروة 5.400 دج للقنطار بالنسبة للقمح الصلب و4.277 دج للقنطار بالنسبة للقمح اللين.وبالرغم من ذلك تمكّنت الجزائر لأول مرة من تشكيل المخزون الاستراتيجي المعياري من الحبوب الذي بلغ 6 أشهر للاستهلاك، وحدّد هدف رفعه إلى 9 أشهر في بداية سنة 2024، كما قرّرت الحكومة تكوين مخزون أمني بما يوافق 12 شهرا من الاستهلاك الوطني من البقول الجافة من خلال إنجاز مراكز تخزين جديدة.وقرّرت الحكومة إعفاء مؤقت من الرسم على القيمة المضافة في مرحلتي الإنتاج وتسويق بالجملة والتجزئة منتجات دجاج التسمين والديك الرومي وبيض الاستهلاك والفواكه والخضروات الطازجة المنتجة محليا، الحبوب والأرز المنتج محليا أو المستورد، إلى غاية 31 ديسمبر 2024، وتعتبر النفقات الجبائية وهي مجمل الإعفاءات والتخفيضات على الأداءات ومختلف الرسوم والضرائب المطبّقة على المواد الغذائية واسعة الاستهلاك كالحبوب (الدقيق العادي والسميد) والحليب والسكر والزيت وكذا العجائن، عاملا رئيسيا يساهم في ضمان وفرة المواد واستقرار أسعارها.
استيراد اللّحوم
واعتمدت الحكومة الفتح المؤقت لاستيراد اللّحوم الحمراء مع تخفيض الحقوق الجمركية من 30 إلى 5 % الساري المفعول ابتداء من أول مارس 2023 إلى غاية 31 ديسمبر 2024، كإجراء ظرفي لتوفير الظروف المناسبة لاسترجاع توازن سوق اللحوم الحمراء، وجاء هذا القرار بعد معاينة دقيقة لنتائج إحصاء المواشي الذي قامت به الحكومة نهاية 2022، حيث خلصت إلى تراجع هذه الثروة الحيوانية إلى 21.7 مليون رأس منها 17.3 مليون رأس غنم من بينها 13 مليون من النعاج تتعرض لاستغلال الذبح غير القانوني، ممّا يؤدي إلى استنزاف هذه الثروة الحيوانية. أما فيما يخص الأبقار فإنّ عددها لا يتعدى 1.16 مليون رأس، كما أنّ معطيات هذه الشعبة الفلاحية تفيد أنّ تموين السوق باللّحوم الحمراء يسجّل عجزا شهريا يقدّر بحوالي 20.000 طن.
ولهذه الأسباب تقرّرت عملية الاستيراد الظرفي للّحوم الحمراء بهدف عقلنة الأسعار ومواءمتها مع القدرة الشرائية للمواطنين والحفاظ على هذه الثروة الحيوانية، وإعادة بعث شعبة المواشي، عن طريق اتخاذ إجراءات صارمة تحافظ على المواشي الولودة، بالإضافة إلى تبنّي آليات جديدة ترمي إلى توسيع مجال الإعانات المقدّمة للمربّين على أساس علاقات تعاقدية مع أجهزة الضبط الفلاحي.
تطوير النسيج التجاري
أما في إطار ضبط وتأطير السوق، فقد قامت الحكومة بتطوير النسيج التجاري وإعطاء دفع جديد للممارسات التجارية الرسمية من خلال تنمية قطاع التوزيع بالجملة، عبر وضع حيز الخدمة لسوق جديد سنة 2023 بولاية قالمة إضافة إلى الأسواق الجهوية السبعة على المستوى الوطني، في كلّ من ولايات سطيف، عين الدفلى، الجلفة، معسكر، ورقلة، ميلة.
وتم إطلاق حملات تحسيسية وإعلامية لإدماج الناشطين على مستوى الفضاءات غير الشرعية في الأسواق النظامية، وخصّصت مساحة 30 هكتار ببلدية بئر توتة لإنجاز مشروع سوق الجملة للمواد الغذائية، قصد امتصاص التمركز التجاري بالسمار والقبة بالجزائر العاصمة.ووفق مقاربة تشاركية تعمل الحكومة على إيجاد حلول لاستيعاب التجار الناشطين في الفضاءات الموازية ودمجهم في الأسواق غير المستغلة والبالغ عددها 622 سوق من أصل 1.502 سوق تجزئة على المستوى الوطني.وكمرحلة أولى، وقصد الاستغلال الفعلي لهذه التجهيزات التجارية وضمان تسهيلات أكبر للمتعاملين الاقتصاديين لا سيما منهم الشباب شرعت الحكومة في إعادة النظر في أحكام المرسوم التنفيذي المحدّد لشروط وكيفيات إنشاء وتنظيم الفضاءات التجارية وممارسة بعض الأنشطة التجارية، حيث تم إعداد مشروع مرسوم تنفيذي يتضمّن شروط إنشاء وتنظيم أسواق الجملة والتجزئة، وتوسيع مدوّنة رموز نشاطات التجارة المتنقلة وإنشاء رموز جديدة قدّرت بحوالي 40 نشاط موزّعة بين قطاعي التوزيع بالتجزئة والخدمات وتبسيط عملية القيد في السجل التجاري في هذا الاختصاص، بلغ عدد المسجلين إلى غاية 30 أفريل 2023 الماضي 186.139 تاجر متنقل.
خارطة توزيع
إمداد السوق الوطنية بمختلف السلع ذات الطلب الواسع وإزالة الاختلالات المسجّلة، يقتضي مثلما أبرزه الوزير الأول في اجتماع الحكومة المنعقد شهر نوفمبر الماضي، آجالا محدّدة، لتنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية الرامية للحدّ من تذبذبات أسعار السلع ذات الاستهلاك الواسع وضبط أسواقها، وعلى هذا الأساس حدّدت وزارة التجارة نهاية شهر جانفي الجاري، كآخر أجل للانتهاء من وضع الخارطة الوطنية للتوزيع مع ضرورة إدراج الأسعار الهيكلية لكلّ مادة.
وأعلن الوزير الأول السابق خلال عرضه لبيان السياسة العامة للحكومة بالبرلمان، عن إعداد مشروع مرسوم تنفيذي يتعلّق بإنشاء شبكة التوزيع الواسع، كما تم اتخاذ إجراءات ميدانية في مجال التحكم في شبكة توزيع المواد واسعة الاستهلاك والتي تشمل 12 منتوج منها الزيت، السكر، السميد، الفرينة، العجائن الغذائية، مركز الطماطم، البقول الجافة، حليب الأطفال، المياه المعدنية والمشروبات والحليب المدعّم، كما تم إعداد منصة تسيير ومتابعة خاصة بفضاءات التخزين (غرف التبريد والمستودعات) لمتابعة هذه الفضاءات والتي بلغ عددها 17.651فضاء.
منع التلاعب
وبهدف وضع حدّ للتلاعب في الأسعار وتخزين المنتجات بغرض الاحتكار، قرّرت الحكومة عن طريق وزارة التجارة، اعتماد برنامج رقابة دورية، لمتابعة وثائق التوطين البنكي لعمليات الاستيراد للبيع على الحالة، مع تحليل هياكل السعر المعتمدة من المستورد إلى البائع.
وشرعت في عصرنة الترسانة القانونية المؤطّرة للعمل الرقابي وتموين السوق لتتماشى ومتطلّبات السوق والتحوّلات الاقتصادية الراهنة، مع توجيه كلّ الأعوان إلى العمل الرقابي وتحديد فرق خاصة لمتابعة كلّ ملف، مع ضرورة التركيز على الرقابة بدء من المنتج والمستورد وصولاً إلى الموزع وتاجر التجزئة.
تتم عملية الرقابة وفق أسلوب الترغيب والمرافقة والتوجيه في كلّ العمليات الرقابية قبل الشروع في الأساليب الردعية، مع ضرورة التقيّد باحترام القوانين وتطبيقها بعيدا عن التعسّف، وأيّ تطبيق تعسّفي من طرف الأعوان والمدراء سيتبعه إجراءات قضائية.
ولأنّ المضاربة والاحتكار من الجرائم الاقتصادية التي تمسّ بمصالح المستهلك والدولة، تستمر قبضة الحكومة الحديدية ضدّ كلّ المتلاعبين بقوت الجزائريين، بتطبيق أحكام القانون رقم 21 – 15 المؤرخ في 28 ديسمبر 2021، المتعلّق بمكافحة المضاربة غير المشروعة، الذي حدّد صور المضاربة غير المشروعة.
وأسفرت عمليات الرقابة المنجزة خلال التسعة أشهر الأولى لسنة 2023، على تسجيل 149.705 تدخل مكّن مصالح الرقابة من تسجيل عدة جنح وتحرير عدّة محاضر متابعة قضائية، بالإضافة إلى ذلك، قامت مصالح الرقابة باتخاذ إجراءات إدارية تحفّظية تمثلت في حجـز سلع قدرت بـ 899,97 طن بقيمة إجمالية تقدر بـ 512,80 مليون دج.
تحضيرات استباقة
ولقطع الطريق على السماسرة وتجار المواسم، شرعت الحكومة مبكرا في التحضير لشهر رمضان المعظم، بوضع برنامج تموين حسب كلّ ولاية، مع تحديد مصادر التموين وموقعها، ووضع برنامج المعارض الجوارية الخاصة بشهر رمضان واعتماد البيع بالتخفيض وذلك 15 يوما قبل بداية الشهر الفضيل، بالتنسيق مع الولاة وغرف التجارة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من التجار، قصد ضمان تموين الساكنة، وتفادي الاختلالات في التموين في بعض المواد التي يكثر عليها الطلب خلال الشهر الفضيل.