لم تتوقّف الدولة الجزائرية عن استحداث الأجهزة الكفيلة بالتأقلم مع احتياجات سوق العمل والفرص التي تطرحها، محاولة في كل مرة المزاوجة بين الميول، الخبرة والإمكانية، وقد عرف المشهد التنظيمي أواخر سنة 2022، المصادقة على قانون المقاول الذاتي، لتأطير وتنظيم الاقتصاد الرقمي بالجزائر، وإضفاء طابع رسمي لنشاط فئة من الشباب تمتلك موهبة في التكنولوجيات والبرمجيات.
وتندرج هذه المبادرة في إطار مساعي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لبعث المقاولاتية والرفع من انتشار المؤسسات الناشئة بداية من الإصلاحات القانونية لتجديد البيئة الاستثمارية، وتحرّي المبادرات الذاتية للشباب الجزائري المتطلع إلى فرص النجاح.
يرى الخبير في المقاولاتية عز الدين شيباني، أنّ قانون المقاول الذاتي سيساهم في تعزيز القنوات الرسمية للعديد من النشاطات الممارسة سابقا دون تأطير قانوني، من طرف العديد من الشباب المبدع، كمنتج ومصدر لخدمات رقمية تفتقد للطابع الرسمي، حيث تندرج هذه المقاربة ضمن الحاجة الملحة للخبرات في مجالات الرقمنة كالتسويق الرقمي، تصميم مواقع الواب، التطبيقات ثلاثية الأبعاد، صناعة النماذج والأجهزة الذاتية، البرمجيات، الذكاء الاصطناعي، التصاميم وغيرها من التخصصات التي تستهوي وتستقطب فئة كبيرة من الشباب سواء المتخصص بحكم تكوينه الجامعي أو الهاوي، إلا أنها تبقى غير مدرة للأرباح أو ذات عائدات معتبرة مقارنة مع أهميتها – حسب المتحدث – وبالتالي تبلورت فكرة المقاول الذاتي، التي يمكن لأي شاب مهتم التسجيل بها من خلال أرضية رقمية تحتوي على قائمة من المهن والمهارات والخدمات، بإمكانه مزاولتها حسب مجال تخصصه، حيث يتحصّل على سجل تجاري رقمي فور تسجيله على المنصة الرقمية.
ولخّص شيباني مقاربة المقاول الذاتي في العلاقة التي تربط المؤسسة الصغيرة أو المتوسطة ذات النشاط الخدماتي مع الموظف، خاصة في الشق المتعلق بقيمة العائدات، حيث أن نشاط المقاول الذاتي عبارة عن مؤسسة متنقلة لا يتجاوز رقم أعمالها 5 مليون دج، خاضعة لتحصيل ضريبي لا يتعدى 5 بالمائة، وفي حال تجاوز رقم الأعمال المحدد آنفا، فان معيار المقاول الذاتي يسقط في هذه الحالة، ليتحول تلقائيا إلى مؤسسة ناشئة.
من أجل شباب الجزائر..
وعن الظّروف المحيطة باستحداث جهاز المقاول الذاتي، يقول شيباني إنّ هذا النظام يعتبر تكملة لنظام مكوّن من مؤسّسات ناشئة لتجسيد مشاريع مبتكرة، حاضنات، مسرعات أعمال، جهاز لتمويل المشاريع المبتكرة المتحصلة على وسم مؤسسة ناشئة، أخذت جميعها وبشكل شامل كل مجالات النشاط الاقتصادي المصغر، لتبقى فئة غير مهيكلة تنشط بشكل غير رسمي، أعدّ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون جميع آليات تأطيرها ومرافقتها وتخصيص فضاءات لمزاولة نشاطها، بما فيها الفضاءات الافتراضية، ممّا سيسمح بامتصاص البطالة التي استفادت هي الأخرى من خدمات الوكالة الوطنية للتشغيل من خلال تكفلها بالطلبة خريجي الجامعات والطلبة المتربصين. كما اعتبر شيباني صدور قانون المقاول الذاتي في ديسمبر 2022، استكمالا لترسانة القوانين المكونة للنظام البيئي الاقتصادي والمشجّعة للشباب الجزائري المبدع، خاصة في مجال التكنولوجيات الحديثة والبرمجيات والرقمنة، خاصة وأنّ قانون المالية لسنة 2024، أقرّ إمكانية استفادة الشاب الحامل للبطاقة الالكترونية للمقاول الذاتي، من حصص سوقية من المشاريع العمومية والخاصة، دون إخضاعها لقانون الصفقات العمومية، حيث يمكن للمقاول الذاتي التعامل مباشرة عبر الشباك الوحيد من خلال ملء استمارة رقمية.
تكريس مبادرة “صفر ورق”..
بالمناسبة، اعتبر الخبير في المقاولاتية جملة الإجراءات الالكترونية، تكريسا لمقاربة تعميم الرقمنة والوصول إلى “صفر ورق”، كما ثمّن – من جهة أخرى – بساطة الإجراءات وسهولة الدخول إلى عالم المقاولاتية الذاتية الذي يفرض من الموهبة والإبداع أكثر من فرض التكوين والشهادات العليا، لتكون النتيجة خدمات رقمية غاية في الإبداع والابتكار وبأقل تكلفة. بالمقابل، أشاد عز الدين شيباني بتعليمة رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أنه ورغم تشجيعه لنشاط المقاول الذاتي، شدّد على أن لا يكون انتشار ونجاح هذا النوع من التوجه الاقتصادي على حساب المهن والحرف الأخرى من خلال تعليماته في مجلس الوزراء الأخير، بضرورة عدم إفراز جهاز المقاول الذاتي لأي تداخل بين المهن الأخرى، مع مراعاة الهدف الأسمى لهذا الأخير المتمثل في استقطاب شريحة الشباب التي تفتقد إلى الإمكانات والشهادات، إلا أنها تمتلك الكفاءة والقدرة على الإبداع