استهلت الجزائر، ولايتها بمجلس الأمن الدولي، بالدفاع عن القضية الفلسطينية وفضح مجازر الاحتلال الصهيوني الذي يرتكب مجازر إبادة جماعية يوميا ومنذ 3 أشهر، ورفضت فصل العدوان الغاشم على غزة عن التوترات الحاصلة في الشرق الأوسط، مؤكدة بذلك التزامها بالدفاع عن أصوات المقهورين، مثلما أعلنت في أكثر من مناسبة.
لفت أداء الوفد الجزائري، بمجلس الأمن، بعد أسبوع من استلامه المقعد غير الدائم، أنظار الرأي العام الدولي، حيث تداولت وسائل الإعلام الدولية ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي، رئيس الوفد عمار بن جامع، أثناء جلسة التصويت على مشروع قرار يخص هجمات الحوثيين على نطاق واسع.
في الجلسة ذاتها، التي عقدت ليلة الأربعاء إلى الخميس، صوتت الجزائر بالامتناع عن القرار الذي أدان هجمات جماعة الحوثيين في اليمن، على السفن التجارية المتوجهة لموانئ الاحتلال الصهيوني بفلسطين المحتلة.
وبلغة دبلوماسية واضحة، قدم ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مداخلة، منحت مساحة واسعة للفت أنظار العالم إلى ما يرتكبه الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة منذ ما يناهز 100 يوم.
ورغم أن القرار الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وأخذ في نسخته النهائية بعض ملاحظات الوفد الجزائري، ركز حصرا على الحوثيين والبحر الأحمر، إلا أن الجزائر رفضت فك الرابطة «البديهية» بين المجازر والانتهاكات في غزة وبين التوترات في البحر الأحمر.
ومن خلال هذا التقييم للأوضاع، تؤكد الدبلوماسية الجزائرية، أنه لا مجال لعزل القضية الفلسطينية عن التوترات في الشرق الأوسط بشكل عام، خاصة وأنها لطالما اعتبرت أن دحرجة هذه القضية من أعلى سلم الأولويات الدولية، ساهم بشكل مباشر في استفراد الصهاينة بالفلسطينيين، ليمارسوا عليهم كل أنواع القتل والتعذيب والإبادة، ووصل بهم الأمر إلى وضع مخططات للتهجير القسري.
تصويت الجزائر بالامتناع، أثبت أنها لا تجامل أبداً لما يتعلق الأمر بالقضايا العادلة، وأنها لا تساوم على مبادئها وتقاليدها كمدرسة عريقة في الكفاح التحرري أمام مبدإ التنسيق الذي يفرضه عمل مجلس الأمن، بل انتقدت هذا المجلس مرارا، وفور استلامها مقعدها غير الدائم ورفع العلم الوطني بالقاعة الرئيسية له، واعتبرت أن عجز مجلس الأمن عن وضع حد لجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة، «أمر لا يمكن قبوله سياسيا، وقانونيا وأخلاقيا». كما انتقدت أيضا حالة الاستقطاب داخل هذه الهيئة التنفيذية التابعة للأمم المتحدة.
وقال بن جامع، عقب التصويت بالامتناع على قرار إدانة هجمات الحوثيين: «هذا هو أول تصويت لوفد الجزائر منذ بدء ولايتنا في مجلس الأمن. وكنت أود أن أجد نفسي في مجلس متحد بشأن مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للأمن البحري والاقتصادي في البحر الأحمر».
ومن منطلق الموقف المبدئي والسيادي، رأت الجزائر أن القرار المعروض أمامها «لم يعكس شواغل وفدها فيما يتعلق بعنصرين هامين هما: مخاطر التدخل العسكري في المنطقة وتحديدا في اليمن، وارتباط هجمات الحوثيين بما يجري في غزة».
وحذر بن جامع من أن «أي تدخل يحمل مخاطر سيقضي بشكل كامل وبلا رجعة، على الجهود التي بذلت بشق الأنفس بقيادة الأمم المتحدة بغية تهدئة التوترات في المنطقة»، مشيرا إلى المفاوضات الأخيرة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين التي أدت إلى إحياء آمال في المنطقة مع بروز آفاق جديدة لتسوية النزاع في اليمن.
وعمل الوفد الجزائري بشكل نشط حتى يتسنى للمجلس، عند النظر في مسألة الأمن البحري، ألا يغض الطرف عن الرابط البديهي بين هجمات الحوثيين على السفن التجارية وبين ما يحدث منذ 3 أشهر في غزة.
وقال رئيس الوفد: «إن المجلس لا يمكنه أن يتجاهل المشاعر التي أثيرت في العالمين العربي والإسلامي بشأن القصف اليومي للمدنيين الأبرياء ومجازر أودت بحياة النساء والأطفال، كل ذلك أودى بحياة 23 ألفا من الفلسطينيين، لدينا 300 قتيل كل يوم».
وأوضح بن جامع، أن ما يحدث في غزة يمثل «العدوان الأكثر فتكا»، ليذكر مجلس الأمن بأن الدليل على الارتباط بين هجمات الحوثيين وما يحدث في غزة، هو الاجتماع الذي عقده، الأسبوع الماضي، وحضره «ممثل القوة القائمة بالاحتلال أو ممثل الجلاد في غزة»، ليختتم بأن الجزائر «لا تود أن تكون مرتبطة بنص يتجاهل 23 ألفا من الأرواح التي فقدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة في غزة».
ومن المنتظر أن تواصل الجزائر، باعتبارها ممثل المجموعة العربية والإفريقية بمجلس الأمن الدولي، مرافعاتها من أجل إنصاف القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية وأن تنقل تطلعات الشعوب المقهورة في مناطق النزاعات.