كان يوم الجمعة الدور على الكيان الصهيوني لتقديم مرافعته بخصوص الدعوى التي رفعتها ضدّه جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، تتهمه فيها بارتكاب إبادة جماعية ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة.
وفي جلسة الإستماع الأولى التي عقدت الخميس، عرضت جنوب إفريقيا أدلّة اتّهاماتها للكيان الغاصب، وطالبت المحكمة بإصدار أمر بوقف القتال في غزة.
بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي، أمس، اليوم الثاني من جلسات الاستماع في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد سلطات الكيان الصهيوني لارتكابها جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وتطالب فيها بوقف فوري للحرب التي تشنها قوات الاحتلال على القطاع منذ 99 يوما.
وفي مرافعته أمام المحكمة، أمس الجمعة، قال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الصهيونية تال بيكر، “إن مطالبة جنوب أفريقيا بوقف فوري للحملة العسكرية الصهيونية في غزة، ستترك الاحتلال عاجزا عن الدفاع عن نفسه أمام حماس التي تسعى إلى إبادة جماعية للكيان الصهيوني”، على حدّ زعمه.
واتهم بيكر جنوب أفريقيا بـ “السعي إلى تقويض حق الاحتلال الأصيل في الدفاع عن نفسه، وجعله عاجزا عن الدفاع عن نفسه”.
وادّعى أن الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا للمحكمة، قدمت صورة مشوهة ومغلوطة للأحداث.
وفي سعيه إلى تفنيد ارتكاب الاحتلال الصهيوني جرائم إبادة جماعية في غزة، إدّعى بيكر “إن العنصر الرئيسي الذي يصنف على أساسه ما يجري إبادة جماعية هو نية تدمير شعب كليا أو جزئيا، وهو غير موجود على الإطلاق في حرب الكيان على غزة”.
ورفعت محكمة العدل الدولية، مساء أمس الأول، أولى جلساتها لمحاكمة الكيان الصهيوني بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، بناء على دعوى رفعتها جنوب افريقيا وأيّدتها عشرات الدول، تزامنا مع استمرار المجازر في غزة لليوم 99 على التوالي.
طرح قوي لجنوب إفريقيا
وقدمت جنوب افريقيا إلى المحكمة ملفا محكما من 84 صفحة، جمعت فيه أدلة على اغتيال الكيان الصهيوني لآلاف الفلسطينيين في غزة وخلق ظروف “مهيأة لإلحاق التدمير الجسدي بهم”، ما يعتبر جريمة “إبادة جماعية” ضدهم.
وبدأت جلسات المحكمة بمرافعة استهلالية قدمها وكيل دولة جنوب افريقيا، وزير العدل رونالد لامولا، تلاها مرافعة ممثل جنوب افريقيا أمام المحكمة الدولية.
وأوضح الوزير رونالد لامولا، أمام محكمة العدل، أن ما يحصل في غزة جراء العدوان الصهيوني “مخالف للاتفاقيات الدولية”، مطالبا بالعمل على “وقف حالة التدمير التي تتعرض لها فلسطين”.
ونوه لامولا إلى أن المجتمع الدولي يعتبر الكيان الصهيوني محتلا وأن هناك محاولات عدة لمنع العمليات العدوانية الصهيونية في قطاع غزة، مؤكدا على أن “ما يحصل لا مبرر له لا في القانون ولا في الإنسانية” وأن إجراءات قوات الاحتلال “تجاوزت كل الحدود”. وتحدث وزير العدل الجنوب أفريقي رونالد لامولا، عن أن تدمير حياة الفلسطينيين لم يبدأ في 7 أكتوبر بل منذ عام 1948، مشيرا إلى أن جنوب أفريقيا ستقدم أدلة على شروع الاحتلال في ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
نيّة الإبادة ثابتة
وأكد أن جنوب أفريقيا تسعى لضمان عيش الشعب الفلسطيني بأمن وأمان، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية لبلاده تدعم احترام حقوق الإنسان وتقوية أواصر التجارة والتعاون مع الدول الأخرى.
وتابع: “العالم يراقب تدمير المستشفيات والبنى التحتية، وهو أمر يؤدي إلى تدمير حياة الفلسطينيين بشكل جزئي أو كلي”. وأكد أن “جنوب أفريقيا متضامنة مع الشعب الفلسطيني.. هكذا أرادنا آباؤنا المؤسسون أن نفعل وعلى رأسهم نيلسون مانديلا”.
واستشهد بتصريحات لوزراء وبرلمانيين وجنرالات صهاينة ووصفهم للشعب الفلسطيني بـ«الحيوانات البشرية”، ودعوة بعضهم لـ«استعمال النووي” ضدهم، مشيرًا إلى أن بعض التصريحات هي تحريض على الإبادة الجماعية ويجب أن تقاوم وتكافح.
وأكد أن الأعمال التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، تنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، معرباً عن اعتقاده بأن السلطات الصهيونية تنوي القضاء على الفلسطينيين في غزة.
وعبّرت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وحوالي 200 بروفيسور وخبير في القانون الدولي، معظمهم من جامعات أمريكية عريقة، والعديد من الدول، عن تأييدهم للدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا أمام المحكمة الدولية.
ومن المتوقع أن يصدر قرار بشأن الإجراءات العاجلة في وقت لاحق من هذا الشهر. ولن تصدر المحكمة حكمها في الوقت الراهن، إذ قد تستغرق هذه الإجراءات سنوات.
الصهاينة يتطاولون على العدالة
كعادتهم في التطاول على القوانين والعدالة وتزييف الحقائق وممارسة الضغط والترهيب على من يعارضهم الرأي أو يدين سياساتهم الإجرامية، عمل الصهاينة خلال جلسة أمس في لاهاي، على قلب الحقائق، واتّخذوا موقف الضحية، حيث أكّد فريق دفاعهم بأن ما يقوم به جيش الاحتلال في غزّة “هو دفاع مشروع عن النفس”.
وجلب الكيان وفداً من عائلات الأسرى الصهاينة إلى المحكمة ليتحدثوا عن معاناتهم، وحرص بشدة على ألا يكون بينهم أحد من أولئك الذين يتهمون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بـ«التخلي عن الأسرى والعمل على إطالة الحرب لكي يطيل عمر حكومته”.
وكانت دولة الاحتلال الصهيوني اتهمت دولة جنوب أفريقيا بأنها “تعمل كذراع قانونية لحركة حماس”، وقالت” إنها شوهت تماما الواقع في غزة بعد 7 أكتوبر”.
الجريمة تلاحق الاحتلال
وكانت سلطات الاحتلال إدّعت أنها وافقت على المثول أمام المحكمة، بذريعة أنها تريد “دحض” ما وصفتها بالاتهامات ضدّها، لكن مثولها في لاهاي سببه الحقيقي خشيتها من أن تطالها تهمة الإبادة، لأن كلّ الدلائل متوفّرة لذلك. وإذا حكمت محكمة العدل الدولية ضدها، فذلك سيؤدي إلى تداعيات دبلوماسية شديدة، من حيث العقوبات المحتملة وغيرها من التدابير التي يمكن للأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى اتخاذها ضدها. كما أنها تخشى من اعتماد المحكمة قرارا عاجلا لوقف القتال، وهو ما ترفضه حكومة الحرب الصهيونية، لأن نهاية الحرب سيضعها أمام المحاسبة الشعبية في عدّة مسائل، منها الإخفاق أمام هجوم “طوفان الأقصى” ومقتل عدّة أسرى وعدم التركيز على إنقاذهم أوّلا، إضافة إلى الاتهامات التي تطال نتنياهو منذ مدّة.
ومهما كانت نتيجة المحاكمة، فإنّها -في أسوإ الأحوال – ستلحق ضرراً معنوياً كبيراً بالكيان الصهيوني؛ إذ إنها ستكشف عن ممارساته العنيفة جداً ضد الفلسطينيين في غزة، ومن شأنها أن تكون مادة دسمة لإدانته ليس في هذه المحكمة، بل في المحكمة المجاورة لها في لاهاي، محكمة جرائم الحرب.
وحتى لو لم تصدر قرارا بوقف القتال، وهو أملهم الوحيد في التخلّص من الجحيم الذي يعيشونه، فإن الفلسطينيين يعتبرون خطوة جنوب إفريقيا مهمة جدّا، لأنها تمثل دعما كبيراً لقضيتهم.