حدّد الخبير الاقتصادي مراد كواشي شروطا صارمة، وأعطى مواصفات دقيقة لإنجاح عملية استغلال قويم للعقار الاقتصادي بداية من تطهيره وتوزيعه، ثم تسييره في ظروف شفافة، ووفق أطر ومعايير ذات أبعاد عالمية، من خلال التقيّد بتعليمات رئيس الجمهورية، وتوجيهاته التي حدّدت المسار بوضوح؛ لأنّ العقار الصناعي على اختلافه وتنوّعه يعدّ عاملا أساسيا وثروة لا يمكن الاستغناء عنها، لاستقطاب وإرساء الاستثمارات المنتجة.
وصف البروفيسور مراد كواشي، العقار الاقتصادي ( صناعيا كان أو فلاحيا أو سياحيا) بـ«الحلقة الجوهرية للاستثمار الاقتصادي”، ويقول إنّه الوعاء الأنسب لممارسة مختلف الاستثمارات، لأنّ توفّره يشجّع المستثمرين والمؤسّسات للمضيّ قدما في توسيع الاستثمارات أو في إنشاء استثمارات جديدة منتجة ذات قيمة مضافة معتبرة.
توجيهات صارمة غير قابلة للتأجيل
وذكر كواشي أنّ من أهم المرتكزات الاقتصادية في أيّ دولة أو اقتصاد، ضرورة تشجيع المشاريع الاقتصادية، بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني بالشكل المطلوب، وهذا التشجيع يتكرّس على عدد من الأسس والأساليب، أهمها توفير التمويل أو تسهيل العملية التمويلية والقضاء على البيروقراطية، غير أنّه من بين العوامل لتشجيع الاستثمار، توفير العقار المناسب، باعتبار أنّ المستثمرين عانوا في السابق من عدم وفرة العقار، وعدم توزيعه على مستحقيه، ومن الغموض في التعامل في هذه المادة، ولقد كان المستثمرون، محليين وأجانب، يقومون بجميع الإجراءات بهدف إنشاء مؤسّساتهم – يقول محدّثنا – لكنّهم في نهاية المطاف يصطدمون بعدم توفّر العقار، ممّا جعل كثيرين يحجمون عن الاستمرار في مسار تجسيد مشاريعهم الاستثمارية وتغيير وجهتهم، وهذا ما أفرز واقعا بتداعيات سلبية على الحياة الاقتصادية، وبسبب ذلك أولت الدولة الجزائرية بقيادة الرئيس تبّون، ملف العقار باهتمام بالغ، ولقد ظلّ رئيس الجمهورية في عديد مجالس الوزراء، ينبّه إلى العقار الصناعي أو الفلاحى وعن المناطق الصناعية، ويسدي توجيهات حكيمة وصارمة غير قابلة للتأجيل.
وفي تقييم لحصيلة ما تحقّق بالملف، يعتقد كواشي، أنّ جميع المؤشّرات تؤكّد أنّ الجزائر خطت خطوات عملاقة في طريق تحسين مناخ الأعمال، خاصة بعد إصدار قانون جديد للاستثمار وقانون نقدي ومصرفي تاريخي، ولم يستثن الخبير من ذلك تسجيل إجراءات وخطوات كبيرة من أجل القضاء على البيروقراطية، عن طريق الاعتماد على الرقمنة، لأنّ توفير العقار المناسب المهيأ، أصبح أكثر من ضرورة للدّفع بعجلة الاستثمارات نحو آفاق جدّ متقدّمة.
جهود مستمرة للخلاص من “المستثمرين الوهميين”
منذ انطلاق معركة تطهير العقار الاقتصادي، بذلت الحكومة الجزائرية جهودا جبارة لاستعادة العقار الصناعي، وغير المستغلّ منه بصفة خاصة، هذا ما أكّده كواشي قائلا إنّ الجزائر استرجعت نحو 4173 قطعة أرض غير مستغلة، بمساحة إجمالية قدرها 1530 هكتار، في إطار استرجاع عملية تطهير العقار الصناعي الممنوح، وفي ضوء هذه الأرقام – يواصل كواشي – يمكن الوقوف على حجم الجهود المبذولة لاسترجاع العقار الصناعي من سبتمر 2022 إلى غاية أوت 2023، وفي هذا الإطار اعتبر الخبير أنّ الجهود متواصلة بهدف استكمال عملية تطهير العقار واسترجاع كلّ ما هو غير مستغل، لأنّ الإحصائيات تشير إلى أنّ 45 بالمائة من المناطق الصناعية تقريبا، و50 بالمائة من المناطق النشاطات، تكون قد منحت إلى “مستثمرين وهميين” أو مؤسّسات عاجزة “مفلسة” أو أعلنت إفلاسها، وصار ضروريا المضيّ قدما في سياسة استرجاع العقار الصناعي غير المستغلّ وفقا لتعليمات السيد الرئيس، ولعلّ ما تم تحقيقه – يؤكّد كواشي – يعد إيجابيا للغاية ومشجّعا للحسم في هذا الملف الجوهري بصورة نهائية ونجاح كبير.
وبخصوص دور العقار بما هو أساس قاعدي لإنعاش الاستثمار، وفي ضوء جهود جلب أكبر قدر من الاستثمارات المحلية والأجنبية، قال الخبير كواشي إنّ مهمة تجسيد هذه الرؤية المهمة، يتطلب عدم الاكتفاء بالإطار القانوني والترسانة التشريعية، وإنما السير نحو تكريس المزيد من التحسين لمناخ الأعمال عبر اعتماد الرقمنة وتوفير العقار المهيأ، أما فيما يتعلّق بعملية تهيئته في مناطق صناعية، يرى كواشي أنّه من الضروري أن تكون موصولة بشبكة من الطرقات وخطوط للسكك الحديدية والموانئ والمطارات، ومزوّدة بالكهرباء والغاز والماء، لأنّ العقار الاقتصادي صار في الوقت الراهن، مدرجا كأهم فاعل في الاستراتجيات الخاصة لترقية الاستثمار، فترقية الاستثمارات وجلب المستثمرين وتوفير كلّ ما يحتاجونه من ظروف ملائمة، ضروري جدّا، لأنّه يمثل تحفيزا على تجسيد المشاريع الواعدة.
الرقمنة.. اجتثاث البيروقراطية
تشكّل عملية تسريع بناء المناطق الصناعية وتهيئتها، مرحلة مفصلية تسمح للأفكار والمشاريع الاقتصادية بشقّ طريقها إلى التجسيد، خاصة وأنّ الجزائر استكملت بناء الصرح التشريعي، وهو ما ثمّنه الخبير من خلال رصد كلّ ما تجسّد، وعلى اعتبار أنّ قانون العقار الصناعي يحتلّ أهمية كبرى، ولا ينقص حاليا سوى بناء وتهيئة مناطق صناعية جديدة لإطلاق استثمارات جديدة، تسير وفقا للأطر والمعايير العالمية، لأنّ الاقتصاد الذي تسعى الجزائر الجديدة إلى إرسائه، سيكون بمستوى الاقتصاديات العالمية في إمكاناته وقدراته واستراتجياته.
بالموازاة إلى ذلك، تحدّث الأستاذ الجامعي عن ضرورة ملحة تفرض نفسها في الوقت الحالي، ولخّصها في أهمية “وضع خارطة للعقار الاقتصادي بالجزائر”، اشترط لها أن تكون متنوّعة من خلال تنوّع المناطق في إطار توازن جهوي وبعد تنموي محلي، في ظلّ وجود مناطق معدنية تتوفر على قدرات هائلة، تحتاج أن تحاذيها مناطق صناعية لتحويل المواد الخام وتصنيعها، بينما تتم تهيئة المناطق السياحية لاستقبال السياح، كما يجب التركيز على العقار الفلاحي ومناطق فلاحية، واختيار الأراضي ذات المردودية العالية وتوزيع المنتجات الفلاحية حسب نوعية الأراضي، لأنّ هناك مناطق لزراعة الحبوب والحمضيات وأخرى للخضر، وغيرها..
أما على المستوى الصناعي – يقول كواشي – يجب أن تكون هناك مناطق مختصة في صناعات معينة، أيّ مناطق للصناعات الغذائية وتكون بدورها قريبة من المناطق الفلاحية، ويتم تسيير المناطق الصناعية وفق أسلوب علمي ومعايير علمية وفق خارطة للعقار الاقتصادي يتم تحيينها باستمرار، ضمانا للدّقة.