تسعى الجزائر لجعل حركة عدم الانحياز قوّة فاعلة في مرحلة التحول التي يشهدها النظام الدولي، فهي كتلة تمتلك العدد والتعداد الذي جعلها تحتل المرتبة الثانية بعد الأمم المتحدة، وهذا ما يمكّن الدول المنضوية تحت لوائها من المشاركة في صياغة مبادئ وتوجّهات هذا النظام، والتخلّص من الظلم الذي وقع عليها لحظة إنشائه، هذا الطرح أكّده أساتذة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية لـ «الشعب».
قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية حسام حمزة، إنّ الجزائر تعمل جاهدة على استغلال كل المنابر والقمم التي تشارك فيها، من أجل التعبير عن مواقفها إزاء القضايا التي تعتبر أولوية بالنسبة لها، والالحاح على المبادئ التي تؤسّس عليها دبلوماسيتها وسياستها الخارجية، وأيضا نظرتها للمنظومة العالمية.
في السياق، ذكر الأستاذ حسام بفحوى قمّة جامعة الدول العربية المنعقدة بالجزائر، وكلمة رئيس الجمهورية في جمعية الأمم المتحدة، وكذا في اجتماع دول عدم الانحياز في كامبالا، مؤكّدا أنّ الخطاب نفسه وهو تعبير وإلحاح من الجزائر على كل ما تؤمن به وكل ما ترافع من أجله.
وتستغل الجزائر هذه المنابر ومنبر مجلس الأمن الذي تبوّأت مقعدها فيه الشهر الجاري من أجل التعبير عن مواقفها، وفي الوقت نفسه التأثير على القرارات الدولية إزاء القضايا التي تشارك في اتخاذ القرار إزاءها للدفاع عن القضايا التي تعتبر بالنسبة لها قضايا مبدئية، وتمثّل جوهر الهويّة الاستراتيجية للجزائر، ويتعلق الأمر بقضايا التحرّر وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراء الغربية.
“كتلة رهيبة”
لفت المتحدّث إلى أنّ الجزائر منذ أكثر من 3 سنوات، تعمل بكل قوّة لاستعادة صورتها ومكانتها والبريق الذي كان يميّز خطابها في الماضي، والذي يعبر عن هويّتها الاستراتيجية والتحررية كدولة مؤيّدة، وهي في صف كل القضايا العادلة في العالم.
ويعتقد أنّ قوّة حركة دول عدم الانحياز تكمن في تعدادها، إذ تمثّل حاليا ثاني أكبر تنظيم بعد الأمم المتحدة من ناحية عدد الأعضاء فيها، وهي تعد كتلة «رهيبة جدا» سواء في عدد أعضائها أو تعداد سكان الدول المنضوية تحتها، أو في ثقلها من الناحية الاستراتيجية ومن الناحية الاقتصادية، لأن بها دول تعد خزّان الطاقة بالنسبة لدول العالم.
أضاف المتحدث أنّ ما تمتلكه من ثروات باطنية، يجعلها كتلة ضخمة جدا وقوية ولها ثقلها في ميزان القوى العالمية، غير أنّه لا يمكن ـ حسبه ـ أن تكون هذه القوة وهذه الكوامن فعالة ومؤثرة إلا إذا استغلت ووظّفت كما ينبغي، ويعد هذا تحديا بالنسبة لدول عدم الانحياز.
وخلص إلى أنّ قمّة كمبالا تعد فرصة مهمة جدا لكي تدرك هذه الدول حجم قوتها وتعيد بناء تصوراتها المعرفية، وفي ذات الوقت تصوّراتها لقدراتها على التأثير خاصة ونحن نشهد مرحلة التحول في النظام الدولي يمكن لهذه الدول أن تشارك في صياغة مبادئه وتوجهاته، وأن تتخلّص من ذلك الظلم الذي وقع عليها في لحظة إنشاء النظام الدولي الحالي.
حروب ضد الاستعمار
من جهته، يعتقد المحلّل السياسي والنائب بالبرلمان علي ربيج، أنّ قمّة كامبالا لحركة عدم الانحياز جاءت في توقيت مهم جدا، فقد ألقت الحرب على غزة وعلى فلسطين بظلالها على أشغالها، حيث تطرّق إليها كل زعماء الدول.
بالنسبة للمتحدث، فإنّ حضور عدد كبير من رؤساء وزعماء الدول للمشاركة في هذه القمة، دليل أنّه فيه اهتمام دولي بهذه الحركة، وشكّلت القمة منبرا لإسماع صوت دولها، أن هناك انتهاك لحق الفلسطينيين في غزة، كذلك كانت فرصة بالنسبة للجزائر لترافع من أجل القضية الفلسطينية، ومن أجل وقف إطلاق النار بشكل سريع وكذلك منع تهجير الإخوة الفلسطينيين، وقد كانت كلمة رئيس الجمهورية التي ألقاها عنه الوزير الأول في هذه القمة مدوية تؤكّد مرة أخرى على نفس المبادئ الثابتة.
أبرز ربيج أنّ دول حركة عدم الانحياز هي دول «تاريخيا» خاضت حروبا ضد المستعمر بكل أنواعه وبكل أشكاله، ولهذا ربما المجال الحيوي الذي يمكن أن تتحرك فيه هذه الدول، هو رفض الحروب وغير المقبولة في القانون الدولي.
يمكن ـ حسب المتحدّث ـ أن تراهن هذه الدول على موقعها وصوتها، بعد تبلور رأي عام دولي اليوم يرى أن هذا النظام الدولي أصبح غير عادل وجائر، يكرّس لغة القوّة بدل لغة السياسة والدبلوماسية والحوار.
كل هذه الأمور تجعل الجزائر ـ حسبه ـ قادرة من خلال حركة دول عدم الانحياز أن تضغط لبلورة الرأي الدولي العالمي، خاصة أن الصحافة الدولية والاعلام الدولي أصبح يستمع ويهتم بدورات حركة الانحياز، لأنها تعتبر الملاذ وهي الطرف والوسيط الثالث الذي يمكن أن يتم اللجوء إليه لتجنيب العالم الدخول في حرب عالميه مدمرة، لذلك يرى المتحدّث أنّه من الضروري الدفع نحو تفعيل مشاركتها في صنع المشهد الدولي، وأنّها يمكن أن تصنع الفارق من خلال هذه القوة السياسية والقوة الاقتصادية التي تملكهما.