دعا رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في كلمته بقمّة الجنوب الثالثة لمجموعة 77 + الصين، إلى ضرورة إصلاح النظام الاقتصادي والمالي العالمي ليصبح أكثر إنصافًا وتمثيلًا وتوازنًا. وشدّد على أنّ هذا الإصلاح هو ضرورة ملحّة لمعالجة الاختلالات التي تشهدها حوكمة النظام الحالي، والتي أدّت إلى إفقار بلدان الجنوب، وتزايد الفجوة بينها وبين دول الشمال.
أشار الرئيس تبون في كلمته إلى أنّ إصلاح النظام الاقتصادي والمالي العالمي يجب أن يشمل مراجعة منظومة الأمم المتحدة، وإصلاح المؤسسات المالية متعدّدة الأطراف، خاصة أنّ دول الجنوب تمثل الأغلبية، مؤكّدا ضرورة وضع آليات فعّالة للتخفيف من وطأة الديون الخارجية على بلدان الجنوب، حيث قدّرت بـ 6388 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 64.4 ٪ على مدى العقد الماضي، من إجمالي 2936 مليار دولار، كما نبّه إلى ضرورة تعزيز التعاون جنوب – جنوب في مجال التجارة والاستثمارات والتحول الرقمي، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار.
إصلاحات هيكلية
يؤكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد القادر منصوري في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الجزائر تمثّل إحدى «الدول النامية الرائدة» التي طالبت بنظام اقتصادي جديد منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد أعاد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون هذا المطلب إلى الواجهة، حيث يسلّط الضوء عليه في كل تدخلاته عبر المنابر الدولية. ويشير الدكتور منصوري إلى أهمية السعي نحو تحقيق هذا الهدف، خاصةً في ظل التغيرات الكبيرة في الواقع الدولي مقارنة بالعقود السابقة.
ويحرص رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على إحياء هذا الطموح، مع التركيز على ضرورة تطوير نظام دولي أكثر إنصافًا وتمثيلاً وتوازنا. ويرى الدكتور منصوري أنّ بلوغ هذا الهدف ممكن من خلال تعزيز التعاون بين الدول النامية، وبالأخص التعاون جنوب – جنوب، وهذا يأتي في سياق تراجع الأدوار التقليدية لقوى الاستعمار، خاصة فرنسا وبريطانيا، في العديد من مناطق العالم.
وتشمل هذه الاختلالات – حسب الدكتور منصوري – هيمنة الدول الغنية على آليات اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي والمالي، ممّا يحرم بلدان الجنوب من فرص التنمية، كما تشمل هذه الاختلالات عدم المساواة في توزيع الثروة العالمية، ممّا يؤدّي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة في العالم.
ولكي يكون الإصلاح الهيكلي للنظام الاقتصادي والمالي العالمي فعالًا، يجب – حسب منصوري – أن يشمل عدة جوانب خاصة مسألة مراجعة منظومة الأمم المتحدة لجعلها أكثر تمثيلًا، واستجابة لتطلعات وأولويات بلدان الجنوب، إصلاح المؤسسات المالية متعددة الأطراف بما يعكس الدور المتنامي لدول الجنوب، إضافة إلى وضع آليات فعالة للتخفيف من وطأة الديون الخارجية على الدول النامية، وتجنّب المشروطية في تقديم هذه الديون أو استخدامها كوسيلة للضغط، ورهن القرار السياسي لهذه الدول، مع تعزيز التعاون جنوب-جنوب في مجالات التجارة والاستثمارات، وهي النقاط التي أشار إليها رئيس الجمهورية في كلمته.
التّعاون جنوب – جنوب
يعد التعاون جنوب – جنوب شكلا من أشكال التعاون الدولي بين الدول النامية. ويهدف هذا التعاون إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، من خلال تبادل الخبرات والموارد والقدرات والخروج من دائرة الاستقطاب الدولي والصراعات الثنائية بين الدول الكبرى، ويتمتّع التعاون جنوب – جنوب بأهمية كبيرة، لاسيما قدرته على تلبية الاحتياجات المشتركة، حيث تواجه الدول النامية تحدّيات مشتركة، مثل الفقر والبطالة والتغير المناخي. ويساعد التعاون جنوب – جنوب على مواجهة هذه التحديات، من خلال تبادل الخبرات والحلول الناجحة، كما يساهم في تعزيز السيادة الوطنية ويقلص اعتمادها على الدول المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، يساهم التعاون بين الدول النامية على بناء السلام والاستقرار، وبناء علاقات مستدامة بين الدول السائرة في طريق النمو وفق منطق رابح-رابح، ممّا يسهم في تحقيق الاستقرار في العالم لاسيما في المناطق الساخنة بإفريقيا، والتي شهدت في السنوات الأخيرة العديد من التدخلات العسكرية كان لها الأثر البالغ في تعقيد الأزمات وعدم حلها، وزيادة معدلات الفقر جراء هذه الحروب المفتعلة في معظمها. وتعكس كلمة الرئيس تبون التزام الجزائر بإصلاح النظام الاقتصادي والمالي العالمي ليصبح أكثر عدالة، كما تعكس هذه الكلمة سعي الجزائر لمد جسور التعاون مع دول الجنوب في مجال التنمية الاقتصادية، ولكي يكون إصلاح النظام الاقتصادي والمالي العالمي والتعاون جنوب-جنوب فعالين، يجب أن يحظيا بدعم ومشاركة جميع دول العالم، بما في ذلك دول الشمال.