تقترب الجزائر من إقامة قاعدة صناعية ميكانيكية رائدة إنتاجيا، بعد الإنطلاقة القويّة، المرتكزة على برامج ضخمة ومدروسة، تعتمد على الصناعة المحلية واستبدال الاستيراد بمنتوج محلّي، تكون فيه نسبة الإدماج عالية.
الجزائر نجحت بفضل حزمة التحفيزات الاستثمارية في استقطاب رواد الصناعة الميكانيكية، وأكبر العلامات التجارية العالمية في سوق السيارات، بقصد جلب التكنولوجيات الحديثة، وتشغيل اليد العاملة، وتلبية الطلب الوطني المتزايد على المركبات، وكذا التحوّل نحو التصدير من السوق الجزائرية بفضل مدّ سلاسل توريد متنوّعة نحو أسواق خارجية.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
إنّ وفرة العقار الصناعي، ووجود نسيج لمؤسّسات المناولة مرشّح للتوسّع والكثافة، إلى جانب انخفاض تكلفة الطاقة، عوامل محفّزة نادرا ما تتوفّر في البيئة الاستثمارية؛ لهذا تمتلك الجزائر كلّ مقوّمات التفوّق، وهي قادرة على تحقيق نجاحات سريعة من شأنها أن تحدّ من تراكم الطلبات، وتخفّض الأسعار بفضل الانفتاح على تنافسية العديد من العلامات التجارية.
إنّ الأبعاد الاقتصادية والمالية لقطاع صناعة السيارات متعدّدة، في وقت يرتقب أن ينمو هذا القطاع بالجزائر بسرعة قياسية خلال العام الجاري، ليحقّق انتعاشا على المدى المتوسط، كما ينتظر أن يسجّل تطوّرا متصاعدا، بحكم أنّ الجزائر تعمل على ترسيخ أقطاب صناعية كبرى لصناعة السيارات. وتحتاج هذه السوق الاستثمارية، إلى متابعة متواصلة وعين يقظة للوقوف على مدى ثبات مسار التصنيع وفق المعايير الدولية.
الخبير حسين بن عالية: 2024.. منصّة إطلاق صناعة السيارات الجزائرية
تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية التي تنتهجها الحكومة لتجسيد التزامات رئيس الجمهورية، لم يستثن مجال تصنيع السيارات، وهو ما تحدث عنه خرجات وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون إلى مصانع السيارات بالجزائر، فبعد مصنع “فيات” بوهران، جاء الدور لمصنع “كيا”، فقد أمر الوزير بإعادة بعث مصانع السيارات المتوقّفة. والمتتبع للملف، يلاحظ أنّ هناك جهودا منيرة، وعملا متواصلا من أجل بعث تصنيع السيارات بالجزائر في ظلّ تعطّش السوق المحلية للمركبات بجميع أنواعها. حيث من المرتقب أن يكون عام 2024، منصة إطلاق نسيج صناعي يسمح بإقامة صناعة للسيارات بمعايير عالمية، تمكّنها من اقتحام الأسواق الدولية.
وأوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور حسين بن عالية، أنّ الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل شبه كلّي على النشاط الصناعي، أين تمثّل صناعة السيارات 70 % من إجمالي الصناعات الميكانيكية في العالم. ومسايرة للركب الاقتصادي العالمي، تسعى الجزائر لاكتساب خبرة في هذا المجال، تمكّنها من إقامة صناعة سيارات وطنية حقيقية، يقول حسين بن عالية، من خلال توجّهها إلى إبرام شراكات واتفاقيات تعاون، مع شركات ذات خبرة وصيت عالمي في هذا المجال.
ولا يخفى أنّ الجزائر تمثل ميدان منافسة لعدد من الدّول المصنّعة التي ترغب في تصدير منتجاتها الميكانيكية من السيارات النفعية والسياحية والدراجات النارية وقطع الغيار، فالجزائر تمثل سوقا واعدة.
بعد انفراج ملف السيارات الذي عرف انسدادا عمّر طويلا، تسبّب في اختناق على مستوى سوق السيارات وأضرم النيران في أسعارها. بدأت حركية الصناعة تزحف على الواقع المعيش، وتأسّست مصانع وفق دفتر الشروط محكم أصدرته وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، بعد طول دراسة وتمحيص لمختلف البنود، بما يخدم الاقتصاد الوطني ويحافظ على استقرار سوق السيارات على المدى الطويل، وتم فرض إقامة مصانع للسيارات بنسب إدماج عالية، تسمح بخلق المزيد من الفرص للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة وحتى الناشئة وانتعاش نشاط المناولة، وخلق مناصب شغل دائمة وغير دائمة.
المناولة إجبارية
في ظلّ إرادة سياسية لتطهير الاقتصاد الوطني وتثمينه بما يحميه ويؤطّره من تشريعات وقوانين تضمّنت جميعها إجراءات ردعية، قال محدّثنا إنّ السلطات العمومية من خلال وزارة الصناعة، حرصت على إقامة صناعة سيارات حقيقية، ولو تدريجيا، وجعلت هدفها بلوغ نسبة إدماج لا تقلّ عن 30%، في مرحلة أولى، ممّا يجبر المتعامل الاقتصادي القائم على مصنع السيارات من إدراج الشقّ المناولاتي، وإشراك المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة الناشئة في صناعة قطع الغيار ولواحق السيارات، وذكر الخبير الاقتصادي أنّ مصنع علامة “كيا” مستعد لتموين السوق الجزائرية بنسبة 60 إلى 65 % كقطع غيار مصنعة بالجزائر، إضافة إلى مصانع العلامات “شيري”، “فيات” و«تويوتا”، من أجل تحقيق هدف تغطية حاجيات السوق المحلية، أو على الأقلّ تهدئة حدّة الطلب على السيارات بجميع أنواعها في المرحلة الحالية.
مزايا وتحفيزات
أخذ ملف السيارات بعدا استراتيجيا بالنسبة للتوجّه الاقتصادي الجديد للدولة الجزائرية، حيث يرى الخبير الاقتصادي أنّه يقوم بتوفير سيارات تستجيب لتطلّعات واحتياجات المواطن الجزائري من حيث السعر والنوعية، ما دفع بالسّلطات العمومية إلى تكثيف التحفيزات الاستثمارية ومناخ الأعمال المناسب، الأوعية العقارية والتسهيلات الجبائية من أجل استقطاب المستثمر الأجنبي لبعث صناعة السيارات ببلادنا دون تمييز بين دول العالم. حيث استفاد المتعاملون الاقتصاديون من تخفيضات في الرسوم والضرائب المتعلّقة باستيراد قطع غيار السيارات الموجّهة لاستعمالها في عملية التصنيع محليا، كشرط أساسي للترخيص باستيرادها، بينما تحتفظ الدولة الجزائرية في ممارسة حقّها في الضرائب والرسوم الجمركية المعمول بها، في حال استيراد قطع الغيار بغرض تسويقها على مستوى السوق المحلية، في هذا الإطار سجلت الهيئات الرقابية عدّة تجاوزات من طرف بعض المستوردين فيما يتعلّق بكميات قطع الغيار المستوردة التي يوجّه جزء معتبر منها للأسواق بغرض الكسب المضاعف، إلا أنّ مصالح الجمارك والهيئات الرقابية لوزارة التجارة، بما يمتلكه أعوانها من خبرة واحترافية، تمكّنوا من كبح العديد من المحاولات لإغراق السوق الوطنية بقطع غيار لواحق السيارات، كانت موجّهة أساسا لاستعمالها لحاجيات التصنيع محليا.
توازن العرض والطلب
يرى حسين بن عالية أنّ التنافس صار واضحا بين العلامات الآسيوية والأوروبية، من خلال تقديمها لعروض تنافسية للزبون الجزائري الذي أبدى ميولا للعلامات الصينية مثل “فاو” و«شيري”، بسبب أسعارها المغرية، ويتوقّع المتحدّث انهيارا لأسعار السيارات المستعملة بنسبة 90% فور دخول الماركات الصينية السوق.
وتحرص الدولة الجزائرية – يقول محدّثنا – على تحقيق أعلى نسبة إدماج ممكنة – 30 % على أقلّ تقدير، مطالبة بالارتفاع إلى 55% بعد 5 سنوات، وتصنيع محلّي كلّي لمختلف اللواحق المتعلّقة بتصنيع السيارات، بما يضمن تموين السوق المحلية من حاجياتها من المركبات نفعية أو السياحية، وهي السوق التي وصفها المتحدّث بـ«المتطلّبة لكميات معتبرة من المركبات لسدّ النقص المسجّل”، مرجعا ذلك إلى عاملين أساسيين، أولهما الوضعية المهترئة لحظيرة السيارات بسبب سياسة عدم الاستيراد المنتهجة سابقا ولسنوات متتالية، وثانيهما الركود الاقتصادي الذي دام لسنوات بسبب جائحة كورونا، ممّا سبّب شحّا في السلع المعروضة بما فيها المركبات. ويتوقّع الخبير الاقتصادي أن تعرف صناعة قطع الغيار ولواحق السيارات، انتعاشا كبيرا خلال السنوات القادمة، حيث باشرت بعض المؤسّسات الاقتصادية في جلب الآلات الخاصة بهذا النوع من الصناعة، من أجل الشروع في الإنتاج الفعلي، مشيرا – في سياق متصل – إلى أنّ فتح الجزائر لمعابرها الحدودية نحو الدول الإفريقية، سيضمن ممرات آمنة للسلع الجزائرية نحو الأسواق الإفريقية، ممّا سيجعل من الجزائر منطقة عبور بالنسبة لكبريات علامات السيارات المصنّعة بالجزائر.
الخبير إسماعيل ريزوق زغلاش: الندرة و”السمسرة”.. شبح يتلاشى من سوق السيارات
يُطوى ملف ندرة السيارات في الجزائر نهائيا هذا العام، بالقضاء على العجز المسجّل في السوق الوطنية، وسيجد الجزائريون خيارات عديدة لاقتناء سيارات جديدة بمعايير دولية وبأسعار تنافسية منخفضة كثيرا عن الأسعار غير المسبوقة التي عرفتها السوق الوطنية خلال السنوات الماضية، وتأتي انتعاشة السوق وفقا لإستراتيجية الدولة بداية بفتح عملية الاستيراد “المنظّم والمدروس” ومنح الإعتمادات للوكلاء للقضاء على الندرة وتغطية الطلب المستعجل، بتحقيق وفرة في السوق وطرح أنواع مختلفة من العلامات الآسياوية والأوروبية، في انتظار تجسيد برنامج التصنيع المحلّي الذي بدأ يلقي بثمراته من مصنع “فيات” بوهران.
وأكّد إسماعيل ريزوق زغلاش، أنّ وتيرة استيراد السيارات في الجزائر، تميّزت في البداية بـ«التدريج”، وهذا راجع لعدّه عوامل، أبرزها أنّ سلسلة التوريد تتطلّب وقتا قد يمتد من ثلاثة إلى أربعة أشهر، والأمر لا يختلف مع الزبائن الأوروبيين الذين ينتظرون مدّة طويلة لاستلام سياراتهم، وهذا راجع للمواد الأولية التي تدخل في تركيب السيارة، من اللّواحق وأنصاف النواقل والشريحة الالكترونية المصنّعة في آسيا، وأبرز المتحدّث أنّ وتيرة تصنيع وتركيب السيارات في العالم، تباطأت منذ أزمة كورونا، والجزائر لم تكن بمنأى عمّا يحدث في الخارج.
وأضاف محدّثنا أنّه “بعد منح الرخصة لـ«فيات”، كأول شركة عالمية تقوم بتصدير السيارات إلى الجزائر، تبعها منح الرخص لمتعاملين آخرين مثل علامة “شيري”، “جاك” ثم “جيلي” و«سوزوكي”، حيث أنّ معظم هذه الاعتمادات، منحت في الثلاثي الأخير من سنه 2023، هذا ما جعل كمية السيارات التي استوردت وتم بيعها تبلغ حوالي 40% من الميزانية المخصّصة لعملية الاستيراد، حيث تم منح حصة تقدر بـ180 ألف مركبة لمختلف المستوردين في إطار برنامج سنة 2023، بمبلغ إجمالي يقدر بـ 1.9 مليار دولار وفق إحصائيات وزارة الصناعة”.
سوق حيوية
وعن أهم علامات السيارات التي دخلت السوق الوطنية أو المنتظر دخولها، لفت المتحدّث إلى أنّ معظمها سيارات آسياوية وأخرى أوروبية، مبرزا أنّ عملية منح الاعتمادات للعلامات الأجنبية منذ بداية عملية الاستيراد، عرفت تحيينا في معطيات الملفات حيث كان هناك 127 ملفا مقبولا من ضمن 300 طلب، تحصل 80 منها على رخص مسبقة أو ابتدائية لجميع أنواع المركبات لكلّ وكلاء السيارات السياحية والنفعية، آليات الأشغال العمومية، دراجات وحافلات، نتج عنها منح 41 اعتمادا نهائيا لمزاولة نشاط الوكلاء، بعد استكمال كلّ الشروط المطلوبة في دفتر الشروط.
وبعد أن أشار إلى أنّ هذه الإعتمادات منحت بعد تقارير رفعها ممثلون عن مختلف الوزارات، حيث كانوا قد عاينوا قاعات العرض ومستودعات قطع الغيار ومختلف الورشات، من خلال إمضاء محاضر، تؤكّد أنّ هذا الوكيل لديه كلّ ما صرح به، أبرز المتحدّث أنّه ومن ضمن 41 متعاملا الذين منحت لهم الرخصة النهائية في بداية النشاط، يوجد 12 متعاملا يمثلون السيارات السياحية والنفعية لتوريد السيارات إلى الجزائر، منها ثمانية علامات آسيوية”، وأربعة أوروبية، على سبيل المثال هناك “أوبل”، “فيات”، “دي أف أس كا”، “شيري”، “جيلي” و«جاك”، فيما يبرز الاهتمام بعلامة “هونداي” وعلامات أخرى سيكشف عنها لاحقا، ليبقي 12 متعاملا يمثلون بقية أنواع المركبات الأخرى من شاحنات وآلات الأشغال العمومية، الدراجات والحافلات.
انخفاض تدريجي للأسعار
وفي هذا الإطار، أبرز المتحدّث أنّ عملية فتح استيراد السيارات كان لها الأثر الإيجابي والمباشر والسريع على السوق الوطنية للسيارات، خاصة ما تعلّق بالأسعار بعدما كانت الندرة هي سيدة الموقف والتي تسبّبت في ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، باعتبار أنّ السوق يخضع لقانون العرض والطلب، معتبرا أنّ دخول علامات جديدة لسوق السيارات، من شأنه أن يجعل الأسعار مستقرّة وأن تواصل انخفاضها، حسب مستويات ومؤشّرات مستوى السوق العالمي، خاصة إذا استمرت استراتيجية الدولة على نفس الوتيرة بخصوص ملف الاستيراد خلال السنة الجارية، بالنظر لحجم الاعتمادات التي منحتها وزارة الصناعة للعلامات الأسياوية والأوروبية، ما يؤدّي إلى انتعاش حقيقي لسوق السيارات، وسيقلّص العجز إلى النصف بدخول حوالي 500 ألف سيارة في غضون سنة 2024 إذا استمرت نفس الشروط.
سوق الجزائر، سوق الربح
وقال الخبير إنّ ملف السيارات عرف فتح الاستيراد للمواطنين من خلال استيراد مركبات مستعملة أقل من 3 سنوات، حيث اقترح خيارات عديدة أمام الجزائريين، علما أنّ السوق الجزائرية فيما يخص السيارات، هي سوق مربحة للمصنّعين الأجانب، لأنّ الحظيرة الوطنية للسيارات تهيمن عليها المركبات “ القديمة” التي يفوق سنها 15 سنة بنسبة تترواح ما بين 70 إلى 75%، ومع تزايد الطلب لتجديد الحظيرة، ما يجعل من السوق الجزائرية سوقا مربحة.
وحول أثر دخول السيارات الجديدة على السوق، تحدّث الخبير عن مكاسب إيجابية جدّا، وقال: “لاحظنا عوده إقلاع النشاط الاقتصادي، فيما يخص استيراد أو صناعة السيارات، من خلال خلق مناصب الشغل، وتنشيط عملية نقل السيارات من الميناء إلى المستودعات، ممّا يخلق ديناميكية كبيرة وينعش الاقتصاد الوطني، خاصة فيما يخص نقل التكنولوجيا، والهدف المهم جدّا – في نظر زغلاش – هو إمكانية التصدير للخارج لجلب العملة الصعبة، خاصّة وأنّ الهدف الاستراتيجي للدولة هو إقامة صناعة حقيقية للسيارات، لأنّ العودة للاستيراد هو حلّ مؤقّت ومستعجل لتغطية حاجيات السوق وامتصاص الطلب، بينما يتمثل الحلّ النهائي في تحويل الجزائر إلى قطب صناعي وقاعدة لتصدير السيارات نحو الأسواق الدولية.
وخلص المتحدّث إلى التأكيد على أنّ السياسة المنتهجة للدولة اليوم، تكمن في عدم جعل الجزائر سوقا استهلاكية فقط، حيث اشترطت على العلامات أو الشركات التي كانت تريد أن تروّج لمنتجاتها أن تقوم بالتصنيع، كما ورد في دفتر الشروط، وتحقيق نسبة إدماج تصل إلى 30% في غضون خمس سنوات، وهذا حلّ واقعي يمكّن المصنّعين من جلب شركات المناولات العالمية أو المحلية، للوصول إلى هذه النسبة، ما من شأنه أن يبعث صناعة قطع غيار وصناعة اللّواحق والمعدّات.
سوق السيارات المستعملة.. سقوط حرّ
تتجّه سوق السيارات بالجزائر نحو الانفتاح على الوفرة والتنوّع، ما سحب “سلطة” فرض الأسعار غير المعقولة من سماسرة السيارات المستعملة، فقد تلاشى الانكماش في العرض، وتوقّفت حال المستعمل من السيارات، لتقع في ركود فرض عليها مراجعة أسعارها، إذ تتجّه كل إلى سوق السيارات الجديدة المرشحة لنمو غير مسبوق هذا العام، وقد تجلى ذلك منذ أول انطلاق في عملية الاستيراد، وسيتواصل ـ بالتأكيد ـ مع تشبّع الحظيرة الوطنية بأعداد كافية من المنتجات الجزائرية التي ستضعها المصانع، وقد وضعت، في مرحلتها الأولى، حدّا للمضاربة، وقطعت الطريق أمام السماسرة وصيادي الفرص، واستعادت للسوق رشدها.
انعكست معادلة العرض والطلب على سوق السيارات المستعملة، بعد تراجع الطلب بسبب تأني الزبائن، وانتظار انفتاح السوق على الجديد، حيث يفضل كثيرون اقتناء سيارة جديدة، قد تكون أقل سعرا مما فرض المضاربون والسماسرة من أسعار على السيارات القديمة، فتضاعف العرض، في ظلّ إقدام كثيرين من أصحاب السيارات المستعملة على بيع سياراتهم من أجل اقتناء سيارات جديدة، بينما تراجع الطلب وشهد ركودا غير مسبوق.
لم يعد المستهلك الجزائري مضطرا لدفع مبلغ مالي باهظ لاقتناء سيارة مستعملة.. هذه العبارة تتردّد كثيرا في أوساط مواطنين تحدثت إليهم “الشعب”، ولم يخفوا أنهم يفضلون التريث والانتظار، كونهم يأملون أن تكون الإجراءات المتخذة في إطار التصنيع والاستيراد، محفزا على عودة الأسعار إلى المستويات المعقولة، وأنها ستنهار انهيارا كليا في الأيام المقبلة، خاصة وأن السيارات الجديدة نفسها عرفت انهيارا بمجرد بدء التنافس بين العلامات التي اقتحمت السوق الجزائرية، وبدا محدثونا مقتنعين أن السوق لن تكون أبدا في خدمة السماسرة مستقبلا، بل ستتعزّز بوحدات معتبرة من المركبات الجديدة.
ويرى رمزي باين، تاجر في سوق السيارات المستعملة منذ 15 عاما، أن السوق شبه متوقفة، بسب وجود تردّد من جهة الطلب، لأن الزبائن يترقبون العلامات الجديدة، والجميع يتوق – حسب تقديره – لاقتناء سيارات جديدة، بعد طول انتظار، واعترف أنه وجد صعوبة في تسويق سيارة من نوع “كليو4”، وقال إن سعرها تراجع بنحو 400 ألف دج في ظرف أسبوعين، ويعتقد أن وضعية وصورة السوق القديمة المتحكمة في الأسعار، ستتغير كثيرا، وكل من لديه سيارة مستعملة ينبغي أن يخفض من ثمنها كي يتمكن من بيعها، خاصة وأن بعض العارضين، لم يتلقوا أي طلب على سياراتهم المستعملة، وكانت المفاجأة كبيرة، وربما هذا ما يضطرهم في الأيام المقبلة إلى زيادة التخفيض في الأسعار. وفي الأخير ردّد قائلا.. البيع والشراء ربح وخسارة، ولا أدري ما هي الوضعية التي ستستقر عليها السوق في الأشهر المقبلة؟.
وفضّلت نسيمة عليان، بعد أن باعت سيارتها منذ أشهر، التأني في شراء سيارة رغم حاجتها إليها للتنقل مع أطفالها إلى المدرسة، ذلك أن شراء سيارة مستعملة في هذا الوقت بالتحديد، يعد مغامرة محفوفة بمخاطر الخسارة، وتحرص نسيمة على التريّث إلى أن تتضح معالم السوق أكثر، لتقرر شراء سيارة جديدة أو مستعملة.
أما إبراهيم شيبان، فقد قال إنه من محبي العلامات العالمية الذائعة الصيت، ولا يمكنه أن يستغني عن اقتناء سيارته من سوق المستعمل، كونه متعود على تغيير سيارته كل سنتين، ويعثر على طلبه في هذه السوق، ويرى أن تراجع أسعار السيارات المستعملة، بالفعل تعزز السوق بعلامات مهمة من السيارات الجديدة، من شأنه أن يحدث التوازن بين العرض والطلب، وهذا ما يمنح الزبائن فرص اقتناء سيارات بأسعار متوازنة.
ويقترب من شهادة هذا الشاب، اعتراف لقمان سلمان، بأنه يرى تراجع أسعار السيارات المستعملة، يعود بالدّرجة الأولى إلى انفتاح السوق على الاستيراد، وهو ما سيجعل العائلات ذات الدخل المتوسط قادرة على اقتناء سياراتها من سوق المستعمل، خاصة في ظل الوفرة والعروض المنوعة إضافة إلى تنافس الوكلاء في طرح أسعار تنافسية بهدف إقناع الزبائن، وقد أصبح الجميع يتحدثون عن بداية نهاية المضاربة بشكل تلقائي – يقول لقمان – لأن الأسواق دخلت في ركود غير مسبوق حتى في زمن الجائحة.
سوق السيارات المستعملة تعيش هذه الأيام تخوّفا من البائع والمشتري على حدّ سواء، في ظل استمرار تراجع الأسعار، وأمام وجود سيارات تراجعت قيمتها بنحو 20 مليون سنتين وأخرى بنحو 50 مليون سنتيم وقد يصل التراجع في بعض السيارات – حسب بعض التجار والزبائن – إلى 80 مليون سنتيم، وهناك من يذهب إلى التأكيد أن سوق السيارات بدأت تشهد انهيارا لا مثيل له وسقوطا حرا في الأسعار.