ارتفعت أصوات عربية كثيرة بمنصات التواصل الاجتماعي، منذ بداية الحرب على غزة، تطالب بحملة مقاطعة ضد شركات مثل “ميتا” المالكة لـ “فايسبوك” و “انستغرام” و “واتساب”، اعتراضا على سياستها تجاه المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية ” أو ما يسمى بـ “الاضطهاد الخوارزمي”..
تناولنا في الجزء الأول من موضوع تحت عنوان “الخوارزميات.. العدوان الثاني على غزة”، خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيفها في “إدارة” المحتوى ووصوله إلى المستخدمين، من زاوية التعتيم المفروض على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية..
وفي هذا الجزء الثاني، نغوص أكثر في تناول ورقة بحثية من إعداد الباحثتين بداني أمينة نزيهة من جامعة غليزان، وبن عمار سعيدة خيرة من جامعة مستغانم: “الاضطهاد الخوارزمي.. حرب ثانية على غزة”.
“الاضطهاد الخوارزمي”..
“الحصار” المفروص على محتوى يوثق حقائق وينقل معاناة الشعب الفلسطيني أمام ما يواجهه من جرائم للاحتلال الصهيوني، والتضييق على وصول المحتوى بشتى الطرق، يقودنا للخوص في زاوية أخرى من الموضوع تخص ما يصطلح على تسميته ” الاضطهاد الخوارزمي” ومظاهره بمنصات التواصل الاجتماعي.
“الاضطهاد الخوارزمي” مثلما تناولته الباحثتان المشار إليهما في الجزء الأول، هو مصطلح استخدمته صفية نوبل من جامعة كاليفورنيا بأمريكا، في كتابها “اضطهاد الخوارزميات” حول الممارسات القمعية لمواقع التواصل الاجتماعي، ضد مستخدمين من مجتمعات معينة تكون في الغالب قد عانت الاضطهاد السياسي والاقتصادي.
وتعد ممارسات الاضطهاد الالكتروني قمع ممنهج ومدروس، وهو ما يمكن إسقاطه على الوضع الفلسطيني.
الاضطهاد الخوارزمي أو العنف الخوارزمي، مثلما جاء في الوثيقة، ليس وليد اليوم أي بعد الأحداث الأخيرة في غزة (07 أكتوبر 2023)، وإنما عملية التلاعب بالخوارزميات (كظاهرة مبدئية للاضطهاد الخوارزمي)، رافقت الكثير من الأحداث السياسية والعسكرية في كثير من الدول.
من هذه الأحداث الحملات الانتخابية، حيث تعمل الخوارزميات على دعم مرشح دون آخر من خلال التحكم في تدفق البيانات والتلاعب بالمحتوى الموجه للمستخدمين.
وفي تعاطي مواقع الشبكات الاجتماعية مع الحرب على غزة، يطلق عليه البعض تسمية الخلل الخوارزمي، والبعض الآخر يفضل استخدام مفهوم (العنف الخوارزمي أو الاضطهاد الخوارزمي) لأنه الأنسب والأكثر ملائمة.
وعلى الرغم من الإبلاغ عن العنف الخوارزمي على نطاق واسع، في العقد الماضي، والذي كشف عنه في العديد من الحالات، مثلما هو الحال في تلك المتعلقة بالجنس والعرق والقضايا العرقية وما إلى ذلك، غير أن منصات التواصل الاجتماعي، ولأول مرة، قمعت وأسكتت “بشكل جماعي” أصوات فئة مضطهدة، وهي الفلسطينيين.
تقول الباحثتان إن “الرقابة على الفلسطينيين من خلال المنصات المذكورة أعلاه مرعبة مثل قصف الإحتلال الصهيوني. وبينما يقوم الاحتلال بنقل الأشخاص قسراً، فإن تويتر (قبل بيعه لإليون لايلون ماسك) متواطئ في تصنيف المحتوى الفلسطيني على أنه حادث إرهابي والتلاعب بمحنتهم.”
وتضيف “بينما تقتل قنابل الإحتلال الأطفال، فإن إنستغرام متواطئ في استخدام تقنيات الرقابة التي تمنع الناس من إدانة الهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي. وبينما يتم اعتقال السكان والناشطين ومهاجمتهم من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، فإن فيسبوك متواطئ في إسكات أصوات الفلسطينيين وجعلهم غير مرئيين.”
والسبب في ذلك هو أن العنف الجسدي والرمزي يسيران جنبًا إلى جنب، وينتج عن مزيج الاثنين نوع جديد مرعب من العنف، وتلخص مظاهره في:
- حجب وغلق الحسابات:
– ماي 2021: حجب حساب الصحافية الفلسطينية الأمريكية (مريم البرغوثي) التي كانت تسلط الضوء على الاحتجاجات ضد طرد الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية.
وبات حجم حالات إزالة المحتوى وتعليق الحسابات وعرقلة وصوله دليلًا واضحًا وصريحًا على الاستهداف الممنهج لهذا المحتوى.
– “إنستغرام” المملوك لـ “فيسبوك” هو الآخر سُلط عليه الضوء، بسبب ممارسات قمعية على نشطاء داعمين لفلسطين المحتلة، حيث أزالت المنصة المنشورات التي وثّقت الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وحجبت الوسوم حول المسجد الأقصى، كما عرقلت وصول البث المباشر عن القضية للمستخدمين.
– أكتوبر 2023: أغلقت شركة “ميتا” حساب @Eye.on.palestine على “انستغرام”، “فيسبوك” و”ثريدز”، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، وتصاعد وتيرة قمع الأصوات الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي.
الحساب ينقل صورا وفيديوهات ومقابلات من غزة ، ويسلط الضوء على جرائم الاحتلال على انستغرام، يتابعه أكثر من 6 ملايين شخص، ويعد من أكثر الحسابات الإخبارية الفلسطينية متابعة على هذه المنصة.
- حجب المحتوى الداعم للقضية
- منع مرئية القصص Storiesعلى “انستغرام”
ويقول مؤلفون وناشطون وصحفيون وصانعو أفلام ومستخدمون حول العالم إن المنشورات التي تحتوي على وسوم مثل “FreePalestine” و”IStandWithPalestine”، إضافة إلى المنشورات التي تعبر عن الدعم للمدنيين الفلسطينيين الذين تقتلهم القوات الإحتلال، تخضع للرقابة من قبل المنصات.
واتهم مستخدمون “إنستغرام” بإزالة المنشورات التي تذكر ببساطة كلمة “فلسطين” بشكل تعسفي لانتهاكها “إرشادات المجتمع”، بينما اشتكي آخرون من خضوع قصصهم على “إنستغرام” للرقابة بعد مشاركة معلومات حول الاحتجاجات الفلسطينية الداعمة لفلسطين.
وذكرت الدراسة أمثلة عن ذلك، منها مؤثرة فرنسية لم تذكرها، يتابعها مئات الآلاف من الأشخاص، بمتوسط 10000 مشاهدة لكل قصة، سجلت تراجعا كبيرا في عدد المتابعين عندما شاركت قصة جديدة لدعم فلسطين.
المقاومة الرقمية..
في هذه المظاهر والممارسات، تناولت الورقة البحثية، أشكالا من “المقاومة الرقمية” المنتهجة من نشطاء “والتي هي ليست وليدة اليوم، بل بدأت خلال اشتباكات فلسطينية – إسرائيلية بتاريخ 06 ماي 2021”.
ومن بين الحملات التي قادها النشطاء هي:
– الكتابة بلغة عربية غير منقوطة
لجأ ناشطون سنة 2021 لمحاربة الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له خوارزميا إلى حيل لمراوغة وخداع الخوارزميات الخاصة بهذه المنصات.
واختار ناشطون الكتابة باللغة العربية دون تنقيط لتضليل خوارزميات الشبكات الاجتماعية، وأظهرت هذه الخطوة بالفعل فرقًا، حيث أنه لم يتم التركيز عليها كغيرها من المنشورات العربية الداعمة لفلسطين المحتلة.
– إطلاق حملات الكترونية:
وأطلق صحفيون وناشطون من الشرق الأوسط حملة إلكترونية أسموها “Unmute Palestine“، والتي تعرّف نفسها على أنها حملة إلكترونية ضد حظر “فيسبوك” و”إنستغرام” للمحتوى الداعم لفلسطين المحتلة.
وعمل مشرفون عليها على مشاركة منشورات باللّغتين العربية والإنجليزية توثق السياسة القمعية والاضطهاد الإلكتروني الذي تمارسه هذه الشبكات ضد داعمين لفلسطين.
يقول رواد الحملة إنها تمثل مئات من المستخدمين الذين يعانون من التمييز على منصات الشبكات الاجتماعية، إذ يمنع عنهم التعبير عن آرائهم ومواقفهم الداعمة لفلسطين المحتلة.
– حملة Algo Break : التقييم السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي
باشر مستخدمون، في خضم الحرب على غزة، حملة تقييمات سلبية بنجمة واحدة فقط، مع ترك تعليق تندد بعنصرية التطبيق تجاه الفلسطينيين، بعد أن اشتكوا من تقييد محتواهم وحسابات مؤيدة للقضية.
سببت تلك الحملة تراجع تقييم “فيسبوك” إلى 2.4 من 5 على متجر تطبيقات غوغل بلاي، بينما تراجع إلى 2.3 على متجر تطبيقات آبل، بعدما كان تقييمه 4 نجوم.
وعلقت الشبكة على الحملة قائلة إن الكثير من المستخدمين تركوا تعليقات تنتقد “محاولات فيسبوك إسكات الصوت الفلسطيني”، مع ترك وسم مثل “فلسطين حرة” أو “غزة تحت القصف” باللّغة الإنجليزية.
وأشارت إلى أن رسائل داخلية كشفت عن تراجع “ثقة” المستخدمين للتطبيق، بسبب إحساسهم بفرض الرقابة عليهم واضطهادهم.