يعلّق منتخبون محلّيون ورؤساء بلديات آمالا كبيرة على قانون البلدية الجديد المنتظر الإفراج عنه قريبا، حيث من المنتظر أن يحمل مبادئ ومفاتيح تمكّنهم من الانخراط بقوّة في توجّهات الجزائر الجديدة، باستحداث آليات فعّالة تضمن مرونة السير الحسن للمرفق العام، تنفيذا لالتزامات السيد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، الهادفة إلى تعزيز الديمقراطية التشاركية والدور الاقتصادي للجماعات المحلية
في تطوير وتنويع الاقتصاد الوطني، وكذا إصلاح النّظام الضريبي والمالي لفائدة الجماعات المحلية، بهدف منحها موارد تمكّنها من تعزيز دورها الاقتصادي والاجتماعي، لإحداث نقلة تنموية محلية مستدامة يتطلّع إليها المواطن، وبالتالي ينتظر من المشروع المرتقب الإفراج عنه، خلال السنة الجارية، مساعدة البلديات على الانخراط بقوّة في هذه التوجّهات الجديدة.
ملف: كمال زقاي، علي عويش، عليان سمية، إيمان كافي، سفيان حشيفة، عامر ناجح، وغانية زيوي
أفكـار لإثراء قانوني البلدية والولاية
يشكّل مشروع قانوني البلدية والولاية قيد الدراسة والإعداد من طرف الحكومة تحوّلا عميقا في دور ومهام هذا المرفق العام القاعدي ودعم مكانة وحضور المجالس المنتخبة التي تربطها علاقة مباشرة بالمواطنين، من خلال السهر على أداء مهام الخدمة العمومية والإدارية المباشرة والمساهمة في التنمية التي يتطلّع إليها السكان، حيث أخذ المشروع مكانة هامة في برنامج رئيس الجمهورية الذي دعا إلى “ضرورة الشروع الفوري في مراجعة القانونين بشكل عميق ممّا يسمح بأداء أفضل للخدمات وتحديد المسؤوليات.”
طالما شكّل مطلب توسيع صلاحيات المنتخبين المحليين ورؤساء المجالس الشعبية البلدية أحد أهم وأبرز المقترحات والانشغالات التي رفعها ممثلو الشعب في مختلف التدخّلات والجلسات وحتى التصريحات الإعلامية من أجل تسهيل مهامهم في الميدان والمساهمة الفعلية في تجسيد برامجهم الانتخابية، التي قدّمت في وعود سابقة للمواطن الذي يتطلّع إلى تحسين ظروفه اليومية وتوفير الخدمات الأساسية التي تعتبر من مهام وصلاحيات هذا المرفق العام القريب جدّا من اهتمامات وانشغالات السكان، ما يجعله دائما تحت مجهر الرقابة اليومية لمدى الالتزام بالوعود والمهام الموكلة، وكلّها تحدّيات تتطلّب ترقية مستوى الأداء الذي يتوقّف على تعزيز الصلاحيات وحرية التحرّك لرئيس البلدية، المنتظر أن يدعّم بآليات جديدة في مشروع قانون البلدية الجديد تستوعب كلّ هذه المقترحات.
وسيعطي مشروع القانون الجديد – بنظر عديد المختصين في الميدان التشريعي – دفعا قويّا للجماعات المحلية على رأسها رئيس المجلس الشعبي البلدي، الذي سيحاط بترسانة من القوانين بصلاحيات أكبر للتحرّك والمبادرة باعتباره المسؤول الأول في إقليم البلدية.
ويأتي أيضا لاحتواء مجمل التعديلات التي مسّت القانون 10/ 11 الساري المفعول الذي تدعّم بعدّة نصوص قانونية وتنظيمية، خصوصا في دستور 2020 كتكريس مبدأ الاستقلالية في التسيير في إطار لا مركزية القرار وإعطاء مزيد من الصلاحيات للمجلس البلدي، وأيضا ترقية المرفق العام وتوسيع مهامه ليشمل الشقّ الاقتصادي وتثمين الممتلكات البلدية وتشجيع الاستثمار المحلّي.
وعن أهمية القانون المقترح ورأي المنتخبين المحليين بولاية بومرداس لدور ومكانة رئيس المجلس الشعبي البلدي وظروف أداء مهامه، ثمّن رئيس بلدية زموري سفيان درامشيني في اتصال مع “الشعب” مشروع القانون الجديد، بالقول إنّ “رؤساء المجالس الشعبية البلدية المكلّفين بتسيير الشأن المحلي يتطلّعون في قانون البلدية قيد الإعداد إلى المزيد من الصلاحيات للرفع من مستوى الأداء والتشجيع على المبادرة واتخاذ القرار المناسب الذي يخدم المواطن والصالح العام باعتباره مسؤولا أوّلا.
وأكّد رئيس بلدية زموري “أنّ القانون الحالي ساري المفعول ورغم تدعيمه بنصوص جديدة لمرافقة المجلس البلدي، إلا أنّ المسؤوليات والمهام الكبيرة الملقاة على عاتق رئيس البلدية تتطلّب مزيدا من الصلاحيات وحرية المبادرة حتى يستجيب لانشغالات المواطنين المتزايدة، متسائلا أيضا “عن دور وأهمية مداولات المجلس التي تتخذ بإجماع الأعضاء فيما تعلّق بالمشاريع المحلية إذا كانت مقيّدة إداريا وانتظار الموافقة رغم حضور ومراقبة الأمين العام للبلدية كممثل للإدارة بإمكانه تقديم تحفّظات وملاحظات قانونية في حالة وجود تجاوزات أو قراءات خاطئة للنصوص التنظيمية والتشريعية المنظمة لعمل البلدية، وغيرها من الأمثلة الأخرى التي قيّدت قرارات المجلس المطالب بالعودة دائما إلى الإدارة وعدم القدرة في اتخاذ قرار الإسكان أو توزيع سكنات اجتماعية مثلما كان سابقا، في حين هو مسؤول على قرارات هدم البنايات الفوضوية على سبيل المثال”.
للإشارة، شدّد رؤساء بلديات وأعضاء في المجلس الشعبي الولائي في كثير من المناسبات، على ضرورة إثراء مسوّدة مشروع القانون الجديد ودراسة كلّ المقترحات المرفوعة بعمق وتأنّ، من أجل إعداد قانون متكامل بإمكانه أن يساهم في تحسين أداء هذا المرفق والرفع من مستوى التّسيير الإداري وتقديم صلاحيات وحماية أوسع لرئيس البلدية لتشجيعه على العمل والمبادرة.
الدكتور عبد الكريم بن منصور: تحرير البلديـة مــن قيـود الإدارة ضروري للإقلاع الاقتصادي
أوضح نائب مدير المركز الجامعي تندوف لما بعد التدرّج والبحث العلمي والعلاقات الخارجية، الأستاذ الدكتور عبد الكريم بن منصور، أنّ مشروع قانون البلدية الجاري إعداده يأتي تماشيا مع طموحات الجزائر الجديدة فيما يتعلّق بالتنمية والإقلاع الاقتصادي، مرجّحا أنّ منح صلاحيات أوسع للمنتخبين المحليين، سيمكّنهم من المبادرة والاستجابة السريعة لمتطلّبات التنمية المحلية وتحسين الخدمة العمومية للمواطنين.
رجّح نائب مدير المركز الجامعي تندوف في تصريح خصّ به “الشعب”، أن يتضمّن قانون البلدية الجديد نصوصاً واضحة وصريحة ليس فيها غموض أو لبس، على أن ترافقها نصوص تنظيمية توضح تطبيق الأحكام العامة ولا تترك مجالاً للتأويل أو التطبيق الخاطئ، حتى لا تعيق الوصول إلى الأهداف المرجوّة من وراء هذا القانون الجديد.
وقال محدّثنا إنّ المنتخبين المحليين يعلّقون آمالا كبيرة على ما سيتضمّنه مشروع القانون الجديد من إصلاحات تتماشى وتطلّعات الجزائر الجديدة، تعيد الاعتبار للمنتخب المحلّي وتحرّره من التقيّد بالإجراءات الإدارية والارتباط الكبير بالإدارة المركزية.
ولفَت المتحدّث إلى أنّ مشروع القانون الجديد سيكرّس رفع القيود عن رئيس البلدية ومنحه الحرية في تسيير شؤونها، وتمكينه من إنشاء مؤسّسات مصغّرة والدخول في شراكات مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي واستغلال القدرات المادية والبشرية للبلدية، بحيث تصبح هذه الأخيرة مؤسّسة منتجة للثروة في إطار الدور الجديد الذي يتماشى مع تصور الدولة الجديد، عِوض حصر مهامها في إصدار وإمضاء الوثائق، الإنارة العمومية وغيرها من الأمور التي ارتبطت بالدور التقليدي للبلدية.
وشدّد بن منصور على ضرورة بعث الدور التنموي للجماعات المحلية وإنهاء مركزية القرار التي تعتبر من أهم العراقيل التي تواجه التنمية المحلية، مع ضرورة إعادة النظر في دور رؤساء الدوائر وتقليص صلاحياتهم، باعتبارها سبباً رئيسياً لعرقلة قرارات رئيس البلدية في كثير من الأحيان.
ودعا الدكتور بن منصور إلى ضرورة الانتقال بالبلدية من النظرة التقليدية السائدة، إلى نظرة عصرية جديدة تتماشى مع التوجّه الجديد للسلطات العليا في البلاد، من خلال ترقية البلدية إلى مؤسّسات منتجة تسمح لها بتقديم خدمة عمومية مقبولة، وتوفير مداخيل لتطوير هذه الخدمة العمومية، مع تمكين الدولة من الرقابة البعدية عليها.
وأشاد المتحدّث بقرار رئيس الجمهورية القاضي برفع التجريم عن فعل التسيير، والذي سيكون حافزا للمنتخب المحلّي للمضيّ قدماً في تجسيد المشاريع التنموية، من خلال الاعتماد على الثروات المحلية المتاحة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كلّ بلدية واستغلال الإطارات التي تتوفّر عليها بما يضمن التحوّل تدريجياً من نظرة التسيير المحلي التقليدي إلى التسيير الاستراتيجي في إطار التنمية المستدامة والديمقراطية التشاركية وإعطاء دور أكبر للمجتمع المدني من أجل توحيد الرؤى والاستغلال الأفضل لمقدرات البلديات.
وتوقّع نائب مدير المركز الجامعي بتندوف، أن تتضمّن أحكام مشروع القانون الجديد للبلدية إصدار قرارات حاسمة، سواء جهوية أو محلية لتحقيق الاقلاع الاقتصادي الذي تطمح إليه السلطات العليا في البلاد بعيداً عن الفكر الإداري والبيروقراطي التقليدي، ومنح المنتخبين المحلّيين صلاحيات حقيقية وسلطة تقديرية واسعة في اتخاذ القرارات لتسيير الشؤون المحلية، بينما يبقى الوالي ممثلا للدولة وحامياً لمؤسّساتها ومراقباً لعملية التسيير على مستوى البلديات التابعة لاختصاصه الإقليمي.
ونوّه بن منصور بانتهاج نظام لامركزي حقيقي في صناعة القرار المحلّي، وضرورة تحرير البلدية من القيود الإدارية من أجل إطلاق روح المبادرة لدى المنتخب المحلّي، حتى يتمكّن من اتخاذ القرارات المناسبة التي تضمن اعتماد الاستثمارات والمشاريع التنموية وتسيير العقار الصناعي والفلاحي، بالإضافة إلى إنشاء مؤسّسات صغيرة ومتوسّطة وتوفير مناصب شغل، كما لابد من فتح الشراكة مع البلديات والاعتماد على الثروات المحلّية، بحيث يصبح بمقدور المجلس البلدي خلق ثروة للاستغناء عن إعانات الدولة أو تقليصها تدريجياً.
نائب رئيس المجلس الشعبي الولائي لتبسة، الدكتور لسـود رضا: البلدية.. حجر زاوية في البناء الاقتصادي
يرى نائب رئيس المجلس الشعبي الولائي بتبسة، الدكتور لسود رضا، أنّ البلدية يمكنها المساهمة في برامج القضاء على السكن الهش، إنجاز برامج السكن والمبادرة بكلّ نشاط لإعادة الهيكلة الحضرية وإعادة تأهيل المباني أو الأحياء.
وقال محدّثنا إنّ البلدية تلعب دورا مهما في تحريك التنمية المستدامة، والعمل على تعزيز التحوّل الطاقوي على المستوى المحلّي، بهدف تحصيل موارد تمكّنها من تعزيز دورها الاقتصادي والاجتماعي، خاصّة مع استفادتها من بعض الإيرادات وأصناف الجباية بنسبة 100بالمائة ولأوّل مرة.
ويضيف المتحدّث أنّ البلدية، ملزمة باتخاذ التدابير الملائمة التي تسمح بجلب ومرافقة المتعاملين الاقتصاديين للاستقرار بإقليمها، وكذلك ترقية الاستثمار الاقتصادي المحلّي والمقاولاتية، وعليه فهي مطالبة بتهيئة مناطق النشاطات المصغّرة الموجّهة لاستقبال مشاريع الاستثمارات التي تبادر بها المؤسّسات الناشئة والمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة.
ويرى الدكتور لسود أنّ الجزائر سعت إلى تحقيق التنمية المحلّية في المناطق المحرومة والمعزولة التي تعاني من عدّة مشاكل تنموية، في غياب بعض أساسيات العيش الكريم كالماء والكهرباء والربط ببعض الشبكات ونقص التغطية الصحية، واستهدفت الجهود المحلّية لإيجاد حلول استعجالية من أجل النهوض بهذه المناطق وإعطائها الأولوية في التنمية، وذلك بضبط مخطّطات تنموية استراتيجية لتلبية حاجيات سكان هذه المناطق للمياه الصالحة للشرب وتعميم التغطية بالطاقة الكهربائية والغاز ومدّ مشاريع فكّ العزلة وتحسين ظروف التمدرس.
آليات فعّالة لبسط التنمية بالجنوب الكبير
يؤكّد الدكتور محمد الطاهر غزيز الأستاذ بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، أنّ تعديل قانون الجماعات المحلية يندرج ضمن تعهّدات رئيس الجمهورية القاضية بإصلاح البلدية، فيما يتعلق خاصّة بترقية الديمقراطية التشاركية (التعهد رقم 07) وتعزيز الدور الاقتصادي للجماعات المحلية (التعهد رقم14)، إضافة إلى إعادة تنظيم صلاحيات الجماعات المحلية، عبر التحديد الدقيق لأدوارها ومجال تدخّلها وعلاقتها مع المواطنين باعتبارها الجماعة القاعدية للدولة ومكان ممارسة المواطنة، وبالتالي التوجّه نحو تحوّل البلديات إلى ما يشبه الحكومة المصغّرة على المستوى المحلي، بالنظر لمختلف الصلاحيات التي يجب أن تضطلع بها وفي معظم المجالات التي تمسّ المواطن مباشرة، وفق ما أوضح في تصريح لـ«الشعب”.
يجسّد مشروع قانون الجماعات المحلّية قيد الإعداد، الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه البلدية في سياق تكييف القانون مع مختلف ورشات الإصلاح التي باشرها رئيس الجمهورية، لاسيما في مجال الرقمنة، والتطوير التكنولوجي، والتحوّل الطاقوي، والتوجّه نحو تعزيز الاقتصاد المحلّي، وتقليل اعتماد البلديات على الخزينة العمومية، وبالتالي ينتظر من المشروع مساعدة البلديات على الانخراط بقوّة في هذه التوجّهات الجديدة.
ومن أجل تحقيق هذه الطموحات، يرجّح محدّثنا أن يركّز نص المشروع على أهم المبادئ الأساسية التي يجب أن تقوم عليها البلدية وتؤسّس التسيير المحلّي الجديد وفق مبادئ الحكامة، والشفافية في التسيير، واحترام قيم الديمقراطية والعدالة، ونبذ كلّ أشكال البيروقراطية والتماطل.
ماذا ينتظر المنتخبون من القانون الجديد؟
وبما أنّ المنتخبين هم الفئة الأولى المعنية بقانون البلدية – يقول الدكتور غزيز – فإنّ المنتظر من المشروع تعزيز صلاحيات المنتخبين ووضع آليات لتحرير مبادراتهم وإزالة كلّ العوائق البيروقراطية التي تحدّ من سلطتهم، وسيتضمّن مشروع القانون الضمانات والآليات التي تمكّن المنتخب من أداء مهامه بكلّ استقلالية، وعلاوة على ذلك، سيتم تحديد صلاحيات المجلس المنتخب بشكل مفصّل ودقيق، ومنح صلاحيات كاملة في تسيير كثير من الملفات.
أما فيما يخص تعزيز الديمقراطية التشاركية التي تهم السكان، يعوّل على مشروع القانون في تعزيز دور المواطن والمجتمع المدني في مرافقة الجماعات المحلية في التسيير العمومي، وتحمّل المواطن لمسؤوليته أيضا في تعزيز البعد الديمقراطي للبلدية.
وتكتسي الهيئات التشاركية التي تضمن تمثيل المواطنين أمام المجلس المنتخب والتي من أهمها “هيئة المشاركة” التي يجب أن تنصّب في كلّ مجلس بلدي، ويجب على المجلس أن يضمن لهذه الهيئة التدخّل أثناء سير جلسات المجلس العلنية، كما يمكنها المساهمة في إعداد المخطط البلدي للتنمية بصفة مباشرة.
وبالحديث عن أهم المقترحات التي تخص مناطق الجنوب والواجب إدراجها لإعادة الاعتبار للبلديات المهمّشة، ذكر محدّثنا أنّه يجب الإشارة أوّلا إلى أنّه بدءا من دستور 2020 الذي ينص في الفقرة الثانية من المادة 17 منه على إمكانية أن يخص القانون بعض البلديات الأقل تنمية بتدابير خاصة من أجل التكفّل الأمثل بحاجيات السكان وضمان التوازن الاجتماعي والاقتصادي بها، كذلك الإجراءات التي قررها رئيس الجمهورية باعتماد برنامج استثنائي للتنمية يخصّ مناطق الظلّ التي مسّت تقريبا العديد من البلديات بأكثر من 30 ألف مشروع.
وتندرج هذه المقترحات وفق ما أكّد الدكتور غزيز، في إطار التحضير لتطبيق فعّال لقانون البلدية الذي يجب أن يراعي، هو الآخر، التفاوت في التنمية بين مختلف البلديات، تطبيقا للدستور، خاصّة تلك التي لا تتوفّر على موارد كافية.
وسيركّز القانون على التعاون الأفقي القائم على التضامن والتعاون بين البلديات، لتجسيد شراكة متعدّدة بين البلديات المتجاورة والتي تضمن تنمية تكاملية باستغلال الموارد والإمكانات المتاحة في كلّ بلدية، بالمقابل في التعاون الأفقي سيتميّز بإعادة النظر في طريقة تسيير “صندوق التضامن وتنمية الجماعات المحلية” من أجل ترشيد النفقات وتوجيهها نحو البلديات المعنية وفق أهداف محدّدة، ما من شأنه دفع عجلة التنمية في المناطق الجنوبية بصفة خاصة، بالنظر لشحّ الموارد المالية مقارنة بالإمكانات التي تتوفّر عليها هذه البلديات.
فيما يخص البعد الاقتصادي للبلدية، فإنّ المنتخبين مطالبون بالتحلّي بالفكر المقاولاتي وجعل البلدية فضاء لترقية الاقتصاد المحلّي، وتهيئة الظروف لاستقبال المستثمرين وخلق المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة والناشئة.
ويقع على عاتق رئيس البلدية هنا، إنجاز دراسات تقنية تشاركية مع الخبراء والمجتمع المدني، قصد التوصّل إلى تشخيص آفاق التنمية وتحديد مختلف الفرص والمخاطر والتهديدات على مستوى البلدية، كما تلتزم بتقديم كلّ التسهيلات واتخاذ التدابير الرامية إلى تحفيز السكان والقطاع الخاص، للمساهمة في خلق التنمية، عبر إمكانية تمويل المؤسّسات الناشئة والصغيرة أو أيّ مشروع استثماري عبر الشراكة مع القطاع الخاص أو العام، مع مراعاة القطاعات ذات الأولوية في مجال المحافظة على البيئة والتنمية المستدامة والطاقات المتجدّدة على غرار الفلاحة والسياحة.
نحو استغلالٍ أمثل للموارد المحلّية
تسعى الجزائر إلى تطوير أداء الجماعات المحلية وعلى رأسها البلدية، من أجل إحداث نقلة تنموية محلية مستدامة، مستندة على المقوّمات والإمكانات الذاتية الداخلية حسب طبيعة كلّ منطقة وخصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية، واستغلالها وتسخيرها بشكلٍ أمثلٍ في الرّاهن، دون المساس بموارد الأجيال اللاحقة.
تَتَّجِه السلطات العمومية إلى تعديل قانون البلدية وإثرائه بجملة من النصوص التشريعية المتوائمة مع الظرف التنموي والاقتصادي الحالي الذي تعيشه البلاد، لدمج الموارد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وحتى الثقافية في مخطّط العمل التطويري ساري المفعول بمختلف القطاعات، بغية إسناد جهود كلّ المصالح المحلية والمركزية لضمان استدامة البرامج التنموية وتحقيق الأهداف المُسَطَّرَة والمَرْجُوَّة.
ويرى متابعون أنّ البلدية مُحرِّك أساسي لوتيرة التنمية المحلية بكلّ أبعادها، وينتظرها في ضوء المتغيّرات الوطنية والدولية تحدّيات ومسؤوليات جمّة لترقية المجتمع وعصرنته، ويُتَوخَّى منها انخراطًا أكبر في المسائل الاقتصادية بما يتماشى مع السياسات الوطنية القائمة على تشجيع الاستثمار وتنويع الإنتاج الدّاخلي ودعمه وحمايته.
وأفاد هؤلاء بأنّ القانون الجديد الذي سيرى النّور هذا العام، وضع في الحُسبان العديد من عوامل تحريك دينامكية وفعالية نشاط البلدية، على غرار حماية وتحرير مبادرة المنتخبين، الاستقلالية التسييرية بِشقّيْها الإداري والمالي، وسيسنُّ أيضًا تشريعات كابحة للسلوكيات البائدة مثل البيروقراطية والمحسوبية، ما من شأنه تقويض الممارسات السلبية داخل هذا الفضاء العمومي.
كما ستحتضن هاته الجماعة القاعدية التسييرية مستقبلا، أفكار المجتمع المدني وتطلّعاته التنموية والاقتصادية على حدّ سواء، وستجعله قوّة اقتراح فعلية للبرامج والمشاريع بنصّ القانون، وهو ما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية من جهة، وتقريب الفعاليات المدنية من الإدارة من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، ناقشت الحكومة في أوّل اجتماع لها بالعام الجديد 2024م، المشروع التمهيدي الخاص بقانون البلدية، ترأسه الوزير الأول نذير العرباوي.
وأتى مشروع قانون البلدية التمهيدي الذي جرت دراسته، في الثالث من جانفي، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، الرّامية إلى تجسيد المبادئ الدستورية بشكل فعلي في مجال اللامركزية، والحوكمة الراشدة على المست
أستاذ القانون بكلّية الحقوق بالمسيلة، مهدي رضـا: قانون البلديـة الجديد.. ضمانـة مرونة التسيير
من المنتظر أن يحمل قانون البلدية الجديد مبادئ ومفاتيح جديدة لعمل المنتخبين المحليين، باستحداث آليات فعالة تضمن مرونة السير الحسن للمرفق العام، من خلال تجسيدها في محاور أساسية من شأنها أن تكون خارطة طريق وحجر أساس، للدفع بالتنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية وإعادة تنظيم مصالح إدارة البلدية عبر ترسانة من القوانين تضبط عمل المنتخب المحلي وتحميه.
وصف الدكتور مهدي رضا مشروع قانون البلدية الجديد في نصّه المتعلّق بالنظام السياسي للمنتخب، بـ«الهام جدّا”، خاصة بعد توسيع صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي وضبط آليات حمايته القانونية وإعادة النظر في تعيينه، وكذا كلّ ما تعلّق بالانتداب، وتقاضي رواتب تتناسب مع مسؤولياتهم، وهو الشيء المحفّز الذي يدفع كثيرا من الإطارات والكفاءات لشغل مسؤوليات بمصالح البلدية.
واقترح الدكتور مهدي رضا، حلولا للتقليل من مشاكل وممارسات المجالس المنتخبة تخصّ التحالفات، التي تفرض على الرئيس البحث عن توافقات بين المنتخبين وكيفية إعلان رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي يمنح للمنتخب الذي تحصّل على الأغلبية في ظلّ التعديل الجديد ويستحسن – حسب المتحدّث – إعلان الرئيس من القائمة المتحصلة على أغلبية المقاعد فيما بينهم فقط، ويتم هذا – يقول المتحدّث – عن طريق الانتخاب، ففي حالة تساوي قائمتين أو أكثر في عدد المقاعد يكون الانتخاب على رئيس المجلس من بين المنتخبين المتحصّلين على أغلبية الأصوات في قوائمهم فقط. يقول الخبير ذاته.
وبخصوص توزيع المناصب داخل المجلس الشعبي البلدي ، اقترح الدكتور مهدي اعتماد مقاربة جديدة تعكس كلّ قائمة وما تحصّلت عليه من أصوات، على غرار ما هو معمول به بالمجلس الشعبي الوطني، من خلال تحديد نسبة مئوية لكلّ قائمة فائزة بعدد مقاعد تقابلها نسبة المناصب التي يستطيع الحصول عليها. ويرى المتحدّث أنّ هذه المقاربة تفيد في حلّ العديد من النزاعات داخل المجالس المنتخبة بعد تدخّل المشرع ويحدّد كلّ قائمة وما لها من مناصب تساهم بها في المشاركة في التسيير.
الخـبير أبو الفضل محمد بهلولي: تعزيز قدرات المنتخبين المحلّيين في قانون البلدية الجديد
يرى الدكتور أبو الفضل محمد بهلولي، مختص في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أنّ قانون البلدية الجديد جاء لتعزيز قدرات المسؤولين المحلّيين وتعزيز الديمقراطية التشاركية قصد المساهمة في التنمية المحلية.
وأوضح الدكتور محمد أبو الفضل بهلولي، أنّ مشروع قانون البلدية جاء ليتماشى أولا مع التعديل الدستوري الأخير، ولسدّ كثير من الثغرات عطّلت سير المرفق العام، والمهم أنّ هيئة المداولات تحافظ على استقلاليتها في اتخاذ القرارات المحلية، حيث سيكون للبلدية دور كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ويساهم القانون الجديد – يقول المتحدّث – في إرساء الديمقراطية التشاركية من خلال مساهمة المجتمع المدني، وسيساهم أيضا في مسايرة الشأن المحلّي للتطوّرات الجديدة ومواكبة التحوّلات الكبرى التي تعرفها البلاد، خاصة في ظلّ التغيرات العالمية المتسارعة، ممّا سيعطي دفعا قويّا للمنتخبين المحلّيين للاستجابة لمتطلّبات مواطنيهم، فضلا عن تحريك عجلة التنمية قصد إنتاج الثروة وتحقيق التنمية الاقتصادية.