خلط (عويص) تعوّدت عليه ساحة النقد العربية، وهي تتحدث عمّا تصفه بـ«الأدب الجاهلي”، وما يسمى “أجناس الأدب” قبل الإسلام، ويصرّ النّقاد على هذا الاصطلاح رغما عن سابق علمهم بأن العصور القديمة اختصت بـ«الشعر”، خاصة بعد أن صار “الأدب” يمثل كل فنون القول شعرُها ونثرُها، فأصبح متيسّرا تجنيس “الشعر” وفق نظريات “الأدب”..
والحقّ أن “الشعر” كيان قائم بذاته، و«الأدب” كيان قائم بذاته هو الآخر، ويمثل الأول مرحلة الحضارة الشفاهية، بينما يمثل الثاني الحضارة الكتابية، وبين المرحلتين اختلافات جذرية تبدأ من طبيعة الاشتغال الذهني، وكيفية تشغيل (النورونات)، وتصل إلى طبيعة المنتج الفنيّ وخصائصه ووظائفه وهلمّ جرّا، ومع ذلك يستمر النقد في الجمع بين المتضادات، ويواصل التعامل معها على أنها كيان واحد، وهي مشكلة عضال، تحدّث صراحة عن الافتقاد إلى الوعي بأهم محور في عملية التلقي.. محور التاريخ..
لا نريد لهذه المساحة أن تتحول إلى “التّنظير”، وإنما نرغب في تقديم صورة عن واحدة من طرائق تسلل “المغالطات” إلى التفكير، وأسلوب استقرارها في الأذهان إلى أن تصبح في حكم (تحصيل الحاصل)، أو تتحول إلى (حقيقة لا جدال فيها)، ولقد حدث أن أثرنا الموضوع مع واحد من كبار النّقاد، فـ(أصرّ) و(استكبر) و(كابر) و(استغشى ثيابه)، واستدل بكتاب “في الأدب الجاهلي” لطه حسين، ورفوف المكتبات التي تجمع بين الشعر والأدب، فصبرنا عليه إلى أن أكمل، ثم قرأنا عليه قول محمد العيد آل خليفة رحمه الله:
أنا ابن جدّي، وقومي السّادة العربُ
وحرفتي ما حييت الشعر والأدبُ
ثم عاجلناه بملاحظة خاطفة.. كان آل خليفة قادرا على قول (وحرفتي ما حييت الشعر والشعر) أو (الأدب والأدب) ما دام الاثنان واحدا!! .. وما نزال في انتظار التعليل..