تراهن الجزائر على استغلال المياه غير التقليدية، لتغطية العجز في المياه التقليدية بشكل كبير والإسهام في توسيع المساحات المسقية، وبالتالي رفع الإنتاج الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي، وتحقيق ازدهار في القطاع الصناعي، دون المساس بالحصة الفردية من المياه للمواطن بما يتمشى وتطور نمط الحياة.
ووفق نهج استباقي، وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منذ تولى الحكم، خطة استعجالية للتكيف مع التغيرات المناخية، وتلبية الطلب المتزايد على المياه، فأطلق برنامجا “رباعي الأركان” يرمي إلى تعزيز قدرات تخزين المياه السطحية، تعزيز استغلال المياه الجوفية وتطوير شعبة تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى معالجة وتطهير المياه المستعملة وتوسيع استعمالها في الفلاحة والصناعة.
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش وأم الخير سلاطني وإيمان كافي وحبيبة غريب
المواطن شريك الدولة في معركـة حماية مخزون المياه
الجزائر الجديدة.. تزويد المواطنين بالماء وقت الوفرة والندرة
تجندت الجزائر مبكرا لرفع قدرات تخزين المياه ومجابهة تأثيرات التغيرات المناخية التي تسببت في تراجع كبير لمعدلات تساقط الأمطار، جعلت العلماء والمنظرين – كما قال رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون – يتوقعون نشوب حروب على الماء في القرن الـ21، لا شكّ أن الجزائر بعيدة عن صراعاتها، ولكن رغم ذلك، اتخّذت اجراءات استباقية للاستثمار في بدائل غير تقليدية لتأمين احتياجاتها دون اللجوء لمساعدة الغير، وضمان تزويد دائم للمواطنين في وقت الوفرة والندرة، مع تشجيع انخراطهم في مسعى المحافظة على الماء وترشيد الاستهلاك، بصفتهم شركاء فاعلين في حماية مخزون المياه والحفاظ عليه للأجيال القادمة، ودفع المصالح المختصة إلى تفعيل المتابعة التقنية والرقابة على التبذير بتفعيل شرطة المياه في أقرب وقت ممكن.
في السنوات الأخيرة، تراجعت مشاهد المواطنين في طوابير أمام الصهاريج بحثا عن الماء، خاصة في المدن الكبرى حيث يرتفع الطلب أيام الذروة، ولم تعد تلك الصورة حديث الإعلام والمواقع، لأن الجزائر نجحت في ظرف قصير في كسب تحدي توفير المياه بعد تراجع واضح لمعدل تساقط الأمطار بسبب امتداد التغيرات المناخية وتوسع رقعتها لتشمل دول الحوض الأبيض المتوسط.
ولقد سرّعت الحكومة وتيرة عملها، لاستكمال تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية في مجال حشد وتأمين الموارد المائية، ولجأت في ظل التغيرات المناخية، إلى اعتماد برنامج متكامل، للرفع من قدرات تخزين المياه السطحية، وتعزيز استغلال المياه الجوفية وتطوير شعبة تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى معالجة وتطهير المياه المستعملة.
ففي الشق المتعلق برفع قدرات تخزين المياه السطحية، يجري استكمال إنجاز 5 سدود جديدة بطاقة استيعاب اجمالية تقدر بـ304 مليون متر مكعب، ستدعم الحظيرة الوطنية التي تتشكل حاليا من 81 سدا، بالإضافة إلى إعادة تهيئة 22 سدا، عن طريق نزع الطمي والأوحال منها، لاسترجاع حجم إجمالي يقدر بـ150 مليون متر مكعب.
أما فيما يتعلق بتعزيز استغلال المياه الباطنية التي تشكل حاليا أهم مورد للمياه، حيث تمثل أزيد من 55% من مجموع المياه الموجهة للشرب، فقد سجلت الحكومة دخول 100 بئر حيز الخدمة، بطاقة استخراج تساوي 70 ألف متر مكعب يوميا، ويرتقب استلام 75 بئرا أخرى بطاقة استخراج تساوي 60 ألف متر مكعب يوميا.
واستثمرت الجزائر في السنوات الأخيرة، مبلغ مليار دولار لإنشاء خمس محطات تحلية مياه البحر تضاف إلى 19 محطة أخرى، منها 12 قيد الخدمة والأخرى في طور الإنجاز، وقد تجاوز إنتاج سنة 2022، 2.17 مليون متر مكعب يوميا، بعد تنفيذ برنامج وطني أفضى إلى دخول حيز التشغيل 12 محطة تحلية مياه البحر على طول الساحل الوطني، وتطمح الجزائر للوصول إلى إنتاج 3.75 مليون متر مكعب في اليوم خلال العامين المقبلين، وذلك بدخول حيز العمل 5 محطات كبرى هي قيد الانجاز، بطاقة استيعاب تقدر بـ300 ألف متر مكعب في اليوم لكل واحدة منها بغلاف مالي قدره 290 مليار دينار.
وتعمل الحكومة آفاق سنة 2030، على الرفع من نسبة المياه الناتجة عن تحلية مياه البحر والوصول بها الى حدود 60% من الإنتاج الإجمالي للماء الشروب، مقابل تخفيض اللجوء إلى الموارد السطحية والجوفية إلى نسبة 20% لكل منهما.
وأكد رئيس الجمهورية في تصريحات سابقة، أن محطات تحلية مياه البحر، كفيلة بضمان انتظام التزويد بالمياه الشروب لمدة 15 سنة على الأقل، دون تذبذب، مشيرا إلى استفادة الولايات الداخلية والجنوب منها عن طريق نظام التحويل.
وبفضل هذه المشاريع، أصبحت الجزائر في وقت قصير الأولى إفريقيا والثالثة عربيا في مجال تحلية مياه البحر، وتسمح محطات تحلية البحر الجاري إنجازها بالوصول تدريجيا إلى إنتاج 2.5 مليار متر مكعب سنويا لمواجهة ظاهرة شح المياه.
وفيما يتعلق بتطهير المياه المستعملة، تمتلك الجزائر 213 وحدة للمعالجة، بلغت طاقتها الإجمالية النظرية مليار متر مكعب في السنة، وقد بلغ حجم المياه المصفاة هذه السنة 442 مليون متر مكعب سنويا أي ما يعادل 44 بالمائة، تم توجيه 10% منها إلى الفلاحة، وتعمل الحكومة على مضاعفة هذا الرقم خلال السنة القادمة.
وقررت السلطات العمومية دعم قطاع المياه في 2024 بميزانية هامة، لاستكمال المشاريع الاستراتيجية الكبرى، ورفع التجميد عن أخرى، حيث تم تسجيل في قانون المالية لـ2024، 353 عملية استثمار جديدة تتضمن خدمة عمومية في مجال المياه الصالحة للشرب، التطهير وتوفير مياه السقي للفلاحة وكذا احتياجات قطاع الصناعة. وقدرت رخص الالتزام بمبلغ 211.731 مليار دينار جزائري منها 164.06 مليار دينار خاص باستثمارات جديدة وإعادة تقييم عمليات البرنامج الجاري، أما اعتمادات الدفع فبلغت 332.37 مليار دينار جزائري مخصصة للبرامج الجديدة وعمليات البرنامج الجاري.
وسمح حشد الموارد المالية بتحقيق عدة انجازات في قطاع المياه، حيث بلغت نسبة ربط المساكن بشبكة المياه الصالحة 98 بالمائة، بشبكة وطنية للمياه الصالحة للشرب تفوق 162.500 كم.
ويفوق معدل استهلاك المواطن الجزائري للمياه، حجم استهلاك المواطن الأوروبي، حيث توفر المصالح المختصة أكثر من 10ملايين متر مكعب يوميا، وإذا قسمت هذه الكمية على 45 مليون نسمة يحصل كل مواطن على أكثر من 220 لتر، قال المدير العام للوكالة الوطنية للتسيير المدمج للموارد المائية في تصريح اعلامي سابق، أن نصفها يضيع أي 120 لتر.
ولهذا السبب كان رئيس الجمهورية، في جانفي الماضي، أمر مصالح وزارة الري بتفعيل دور شرطة المياه، التي تختص بمراقبة مجالات استعمال المياه في كل المجالات ومحاربة التبذير عبر ولايات الوطن، وينتظر تنشيط هذه الآلية لحماية الثروة المائية بشتى أنواعها.
عمليـات برنامـج استعجالي خاص تسلّم قبل جوان
وضع قطاع الري في إطار الاستراتيجية المسطرة لسنة 2024 برامج توزيع تتماشى مع المورد المائي المتوفر بشكل يضمن في كل الأحوال تغطية طلب المواطن لهذه المادة الحيوية مع مراعاة طابعه الاستهلاكي، سيما خلال الشهر الفضيل، إلى جانب التنسيق مع شركة سونلغاز لتفادي تأثير انقطاعات التيار الكهربائي على عمليات إنتاج وتوزيع المياه.
يعقد مسؤولو قطاع الري اجتماعات دورية لدراسة مختلف الآليات والتدابير المتخذة، وذلك في إطار متابعة التزويد بالماء الشروب عن كثب، على مستوى ولايات الوطن، وبالموازاة، تنظم الخرجات الميدانية بالتنسيق مع الولاة للوقوف على مدى تنفيذ تعليمات رئيس الجمهورية الموجهة في هذا الخصوص.
ويحرص القطاع على القيام بعمليات صيانة المنشآت والمعدات ومحاربة التسربات والرقابة المستمرة على نوعية المياه، ولا يغفل تعبئة جميع الوسائل اللوجستية التكميلية لتأمين تزويد المؤسسات ذات الخدمات العمومية الحساسة بالماء الشروب، وضمان توفر هذه الخدمة طوال السنة وكذا خلال المناسبات التي تعرف استهلاكا متزايدا.
يأتي تنفيذ الاستراتيجية تنفيذا لالتزام رئيس الجمهورية رقم 30، والمتمثل في وضع حد نهائي لانقطاعات المياه وضمان حصول جميع المواطنين على المياه الصالحة للشرب عبر كامل التراب الوطني عن طريق تعبئة ناجعة للموارد المائية، وتحسين وترشيد وسائل توزيع واستهلاك المياه.
في هذا الإطار، يواصل القطاع جهوده الرامية إلى ضمان التزويد المنتظم للمواطن بالماء الشروب وذلك عبر تجسيد مختلف الاستثمارات التي وضعتها الدولة، وتطوير نمط تسيير المرفق العمومي للمياه.
وبلغت كمية المياه السطحية المخزنة حاليا على مستوى السدود 2.70 مليار م3، ما يمثل نسبة امتلاء تقدر بـ 35 %، فيما بلغ متوسط حجم المياه المنتجة حاليا على المستوى الوطني 9.055 مليون م3/ اليوم، أي ما يعادل 3.31 مليار م3 / السنة، موزعة على العديد من المصادر.
وتشكل المياه السطحية 24 % من إجمالي الإنتاج، والمياه الجوفية 56%، أما مياه البحر المحلاة فتقدر حاليا 20% من إجمالي الإنتاج والتي ينتظر ارتفاعها بدخول العديد من محطات التحلية المبرمجة مستقبلا والوصول إلى استغلال 60% من هذا المورد التكميلي، ما سيخفف الضغط على المياه السطحية.
وبخصوص أهم الإجراءات والتدابير العملية المتخذة من طرف القطاع من أجل ضمان تزويد الساكنة عبر التراب الوطني بمياه الشرب بطريقة منتظمة وناجعة لسنة 2024، تتلخص في الإسراع في تنفيذ وتسليم البرامج التنموية الجارية، خاصة حشد موارد مائية إضافية لاسيما على مستوى الولايات التي تسجل عجزا، ناهيك عن الإسراع في تسليم عمليات البرنامج الاستعجالي الخاص قبل شهر جوان 2024.
محطات تحليـة
من جهة أخرى، تتواصل الأشغال المتعلقة بربط 5 محطات تحلية مياه البحر بطاقة إنتاج 300 ألف م 3 /اليوم لكل واحدة وتسليمها في الآجال المحددة مع نهاية سنة 2024 محطات أخرى وذلك بكل من تيبازة، وهران، بجاية، بومرداس، الطارف، بحيث سترتفع الكمية المنتجة إلى 40 بالمائة من المياه، وذلك بمجرد دخولها حيز الاستغلال في ديسمبر 2024.
كما تم برمجة إنجاز 6 محطات بكل من تلمسان، مستغانم، الشلف، تيزي وزو، سكيكدة وجيجل، والتي انطلقت الدراسات الخاصة بها للانطلاق فيها مطلع هذه السنة بدلا من 2025، ما سيساهم في رفع النسبة إلى 60 بالمائة في آفاق 2030، لهذا، فهذه المحطات تمثل حلا بديلا ممتازا ووسيلة دعم وتوفير للمياه.
وسيحرص القطاع أيضا على مواصلة الأشغال المتعلقة بمشروع تدعيم وتأمين ولاية بشار بالماء الشروب، من حقل المياه القطرائي (بني ونيف) بحجم يقدر بـ 80 ألف م 3 /اليوم، والإسراع في الانتهاء من الأشغال المتبقية لربط سد كاف الدير (تيبازة) لتدعيم ولاية تيبازة بمياه الشرب.
وإلى جانب إعداد وتنفيذ خطة العمل المحكمة الرامية إلى تنويع مصادر حشد المياه يتم العمل على القضاء على كل أشكال الضياع والتبذير للحفاظ على هذا المورد الثمين في ظل تزايد الطلب على هذه المادة الحيوية نتيجة النمو الديموغرافي والذي صاحبه نموا اجتماعيا واقتصاديا في البلاد، عن طريق تكثيف عمليات التدخل الميداني لصيانة الشبكات والمنشآت المائية والتكفل السريع بالتسربات المسجلة، مما يمكن الجزائرية للمياه وفروعها وكذا البلديات المسيرة للمرفق العمومي للمياه، من استرجاع المياه الضائعة والتي تفوق نسبة 30 %.
تحسّـن نوعـي
وتعد ولايتا تيبازة والجزائر من بين الولايات التي عرفت فيما مضى اضطرابات في التزود بماء الشروب، غير أن البرامج الاستعجالية التي استثمرت في البدائل التكميلية وتحديدا في محطات التحلية، ساهمت في تحسين كميات المياه المنتجة، وبالتالي تزويد المواطنين بهذه الخدمة، علما أن الولايتين تتوفران على 7 آلاف كلم من شبكة نقل وتوزيع ماء الشرب و5 آلاف كلم شبكة تطهير إلى جانب محطات معالجة مياه السدود، محطات الآبار الارتوازية.
ولعبت محطات التحلية دورا كبيرا في قلب مقاربة إدارة خدمة الشروب بهاتين الولايتين، حيث ارتفعت قدرة الإنتاج ما ساهم في تموين العاصمة لوحدها بنسبة 55 % من مياه محطات تحلية مياه البحر بعدما كانت تمون من السدود بنسبة 60 بالمائة.
وبخصوص برنامج توزيع لسنة 2024، تعمل شركة المياه والتطهير للجزائر “سيال” بطاقة إنتاج تتراوح بين 800 إلى 850 ألف م3/ يوميا، بالعاصمة وبتيبازة 160 ألف م3/ يوميا 40 بالمائة منها تنتج من المياه المحلاة أو الآبار الارتوازية، وتوزيعها بنظام يومي أو يوم بيوم.
ويتوقع أن تسجل الجزائر العاصمة وتيبازة تحسنا نوعيا في مجال توزيع المياه وكذا حتى الولايات المجاورة لهما، بفضل دخول المشاريع الكبرى في مجال تحلية المياه على غرار محطتي فوكة 2 وكاب جنات2، ما سينعكس على تحسن خدمة تزويد المواطنين بالماء حتى خلال فصل الصيف باعتبارهما ولايتان ساحليتان، بحيث سيحس المواطن بهذا التحسن.
إلى جانب انجاز خزانات المياه لرفع قدرات التخزين، تهيئة شبكات التوزيع للتخفيف من حجم التسربات، إلى جانب إعادة تهيئة وصيانة محطات الضخ، وذلك بالتنسيق مع مديريات الري بالولايتين.
الخبيران مساهل وزعقان: توجيهات رئيس الجمهورية لادارة المياه .. استشرافية محكمة
تمثل تلبية الطلب المتزايد على المياه في الجزائر التحدي الأكبر للدولة، والحفاظ على الثروة المائية في مقدمة التحدّيات التي لا تقع مسؤوليتها على الدولة فحسب، بل على المواطن أيضا فهو الذي يقع على عاتقه ترشيد استهلاك المياه للحد من مظاهر الإسراف والتبذير، وذلك في ظل تزايد تهديدات العامل المناخي وأثاره السلبية على الموارد المائية.
أخذت الجزائر بعين الاعتبار أن زيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والتطور الاقتصادي، مقابل شح الموارد المائية بفعل تأثير التغيرات المناخية، تسببا في تباطؤ النمو الاقتصادي، وصارا يمثلان حجر عثرة أمام تحقيق الأمن الغذائي، فكثفت جهودها من أجل تحقيق التنمية المستدامة وإدارة فعالة للمياه، بحسب ما يرى الخبير في قانون المياه، الدكتور مكي مساهل، والخبير في علوم الأرض الدكتور منصور زعقان.
وثمّن الخبير مكي مساهل، توجيهات رئيس الجمهورية، بخصوص تحسين إدارة المياه وتثمين الموارد المائية التي تؤكد عنايته بهذه الثروة التي لا تقدر بثمن، وتستدعي التطبيق والتنفيذ الفعلي لها من طرف مختلف الهيئات.
ويعتقد الخبير مساهل، أن التخطيط لاستراتيجية جديدة وفعالة للحفاظ على الثروة المائية، دون الإخلال بالتزامات توفيرها لسد الاحتياجات، لابد أن يقوم على سياسة محكمة، تتغذى من التجارب السابقة للجزائر، في ظل متغيرات ومعطيات متجددة، على غرار التأثيرات المناخية التي استدعت التوجه نحو خيار تحلية مياه البحر لتعزيز التموين بمياه الشرب، وهو ما قامت به السلطات العمومية في السنوات الأخيرة.
ورافع مساهل من أجل تنظيم جلسات وطنية حول مسألة المياه، يتم فيها تشخيص المشاكل والاختلالات وتنبثق منها الحلول، من أجل تعزيز الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي، تكون وزارة الري قاطرة لها، على أن تدعمها جميع القطاعات والوزارات، فضلا عن المجتمع المدني.
وفيما يخص قطاع الري، اقترح الخبير مساهل، العمل على إعادة النظر في التشريع القانوني لإدارة المياه، بإدخال الموارد المائية غير التقليدية بقانون المياه، على غرار مياه التحلية والمياه المصفاة، موضحا أنه لابد من الاستغلال الأمثل لهذه الأخيرة ولو بنسبة 70%، في المجال الفلاحي والصناعي، والاستعمالات الحضرية، مع التركيز على منح مياه السقي الفلاحي، للزراعات الاستراتيجية التي تؤمن الاكتفاء الغذائي، تماشيا مع الخطط الاقتصادية.
من جهته، أكد الدكتور منصور زعقان المختص في علوم الأرض بجامعة معسكر، أن الجزائر تسجل أريحية في وضعية المياه من حيث الكمية والنوعية، والحفاظ عليها لابد أن يكون مدروسا، في ظل المؤشرات المتوفرة التي تتوقع زيادة في متوسط استهلاك الفرد من مياه الشرب إلى 185 لتراً يومياً بحلول عام 2025، مقارنة بـ 170 لتراً حالياً و90 لتراً في التسعينيات، في وقت مازلنا نشهد انقطاعاً في إمدادات مياه الشرب، يخضع لعدة أسباب منها شبكات مياه الشرب التي تحتاج إلى التحديث والتجديد، فضلا عن انخفاض في منسوب المياه الجوفية على مستوى مناطق مختلفة شمال الوطن، وصل إلى 70 متراً في بعض الأماكن على غرار سهل غريس، ما يوحي أننا نشهد إجهادًا مائيًا منذ عقود.
وأشار الدكتور زعقان إلى جملة من التحديات تواجهها الجزائر منها مسألة التلوث التي تهدد سلامة الطبقة الجوفية للمياه في الشمال، الناتجة عن النمو الديمغرافي وتزايد احتياجات السكان ومسببات التلوث البيئي الناجمة هي الأخرى عن الاستعمال المفرط للأسمدة العضوية والكيميائية في الفلاحة، والتي يكون مصيرها النفاذ في التربة ثم إلى طبقة المياه الجوفية.
في السياق، شدد المتحدث على ضرورة تنظيم استعمال الأسمدة ومسببات التلوث، وضخ استثمارات كبرى من أجل الحفاظ على نوعية الموارد المائية وحمايتها من التلوث، من خلال التجهيز الأمثل لمحطات تصفية ومعالجة المياه، بتقنيات متطورة ومطابقة للمعايير الدولية، الأمر الذي يسمح لاحقا، بالتوجه نحو تجارب الحقن الاصطناعي للمياه الجوفية من أجل إعادة تعبئتها، زيادة على فرض الرقابة الكاملة على ظواهر تبذير المياه والحفر العشوائي للآبار ما يسهم إلى حد كبير في تعافي طبقة المياه الجوفية لاسيما في شمال البلاد.
وقدم د. زعقان حلولا لمشاكل إدارة المياه بالجزائر، تبدأ بتقويم السلوك الاجتماعي، ورفع درجة مسؤولية المواطن حيال الثروة المائية، بمكافحة أشكال التبذير والإسراف في استغلال المياه، وترشيد استهلاكها، من خلال إعادة تقييم سعر المياه على أساس قاعدة (كلما هدرنا أكثر، دفعنا أكثر)، زيادة على التوجه نحو الاستغلال الأمثل للمياه العادمة بعد معالجتها، في الزراعة وسقي المساحات الخضراء والاستعمالات الصناعية، والعمل على تغذية طبقات المياه الجوفية بالمياه السطحية، واستخدام نماذج مثل WEAP لإدارة الموارد المائية.
البديل..
ويرى الدكتور زعقان أن نظام تحلية المياه، يظل بديلاً لتزويد الجزائريين بمياه الشرب، لكن هذه المياه تخضع لقيود عدة أبرزها شبكات توزيع المياه التي يجب إعادة النظر فيها بشكل كامل، مع العمل على مضاعفة محطات تحلية مياه البحر، على طول الساحل الجزائري، ومراعاة تأثيرها على النظام البيئي البحري، حيث تظل هذه التقنية – بحسب المتخصص في علوم الأرض – بديلاً لا مثيل له لسد العجز في مياه الشرب، ولكن يُفضَّل أن يتم تشغيل هذه التقنية عن طريق محطات تستخدم فيها الطاقات الخضراء، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، موضحا أنه حتى لو حصلنا على كمية كافية من مياه الشرب، فإن مياه التحلية، يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في ري السهول الداخلية، في وقت أصبحت نظم تحلية مياه البحر، وسيلة فعالة للحصول على مياه صالحة للشرب في البلدان القاحلة أو الفقيرة النمو.
مقترحات للحفاظ على الماء الشروب
لجأت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى دعم سياستها في الحفاظ على مياه الشرب السطحية والباطنية، عبر تقديم حلول للمساهمة في التخفيف من أعباء الاستغلال غير العقلاني لهذه الثروة الحيوية، وكذا تعزيز سبل المحافظة عليها للأجيال القادمة.
ذكر الأستاذ بالمدرسة العليا للفلاحة الصحراوية بولاية الوادي د. سفيان سقاي، أن دراسة أجراها معهد الآفاق الاقتصادية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أشارت إلى وجود هشاشة في الإمكانات المائية للجزائر.
وبحسب هذه الدراسة، تصنف الجزائر من بين دول منطقة البحر الأبيض المتوسط التي قد تتعرض للإجهاد المائي على الأمد الطويل، مشيرا إلى أن الدراسة التي تحمل عنوان “الوصول إلى المياه والصرف الصحي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، التمويلات المبتكرة: حلول أم وهم؟” توضح بأن الجزائر من بين الدول عرضة للإجهاد المائي بحلول عام 2030.
هذه الوضعية تستوجب – حسب الدكتور سقاي – إيجاد حلول لتجنب الوصول إلى مرحلة الخطر، وأهمها اللجوء إلى المياه غير التقليدية والمتمثلة في المياه المحلاة والمياه المستعملة المصفاة، وهو ما تعمل الجزائر على تنفيذه عبر جملة من المشاريع لرفع عدد محطات تحلية مياه البحر عبر كل الولايات الساحلية، ورفع قدرات محطات التصفية وتشجيع استعمالها خاصة في الفلاحة والصناعة القطاعين الأكثر استهلاكا للمياه.
ولهذا السبب، تم تعزيز إنتاج المياه المحلاة، حيث كانت كمية المياه المحلاة المنتجة سنويا من محطات التحلية تساوي حوالي 2.6 مليون م3 قبل 2022، أي ما يمثل 18% من المياه المستهلكة في البلاد، وهو ما يغطي احتياجات 6 ملايين من الساكنة، أما حاليا ووفق معطيات الجهات المسؤولة عن قطاع المياه، من المتوقع أن يرتفع معدل تحلية المياه مقارنة باحتياجات مياه الشرب إلى 42% مع تشغيل خمس محطات جديدة لتحلية مياه البحر، كما أن المرحلة الثانية ستبدأ في عام 2025 مع الشروع في إنشاء ست محطات جديدة لتحلية مياه البحر التي سيتم تشغيلها ابتداء من عام 2030، مما سيساهم في توفير 60% من المياه المستهلكة في البلاد.
وأكد المتحدث أنه وبالإضافة إلى الاستهلاك البشري، فإن هذه المياه المحلاة تستعمل في قطاع الصناعة، وبالنسبة للمياه المستعملة المصفاة، فإن الجزائر تحصي أكثر من 200 محطة لتصفية المياه المستعملة، تنتج حوالي 500 مليون م3 سنويا حسب أرقام 2022، هذه الكمية المنتجة إذا ما استعملت في السقي، فإنها ستسمح بتوفير كمية من المياه التقليدية تكفي لما يفوق 6.8 مليون من الساكنة لمدة سنة كاملة وتتوقع وزارة الموارد المائية الوصول إلى 1.2 مليار م3 من المياه المصفاة، مما يسمح بسقي 400 ألف هكتار سنويا باستعمال تقنيات سقي مقتصدة للمياه آفاق سنة 2030.
وإضافة إلى توفير كميات تجنبنا استعمال المياه التقليدية، فإن المياه المستعملة المصفاة ستسهم في زيادة خصوبة التربة عن طريق إضافة العناصر المغذية خاصة في حالة التربة الرملية.
رئيس جمعية حماية المستهلك “الأمان”: الحدّ من تسرّبات المياه.. أولوية
دعا رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك “الأمان” حسان منور، إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في تسيير تزويد المواطنين بمياه الشرب، وتطوير زراعة ذكية وناجعة تستعمل كميات قليلة ومدروسة من الموارد المائية وتسمح بتوفير مخزون الماء للأجيال المقبلة.
وأكد حسان منور في تصريح لـ«الشعب” على ضرورة الحفاظ على الماء واستغلاله بعقلانية وذكاء، لأنه عنصر حيوي وأساسي يستعمل في إنتاج مواد كثيرة أخرى خاصة الصناعات الغذائية.
وقال محدثنا إن “الجزائر، على غرار دول المتوسط، معنية اليوم بموضوع الأمن المائي، لاسيما وأن المنطقة تتميز بالجفاف وزحف رمال الصحراء ومناخ متقلب ومتغير باستمرار، وقد ينتج عن ذلك مستقبلا، مشاكل كبيرة ومتشعبة قد تهدد الأمن المائي”.
وأشار منور إلى تضارب الآراء بين مختصين حول مدى وفرة المخزون الباطني من المياه في الجزائر، فمنهم من يؤكد وجود مخزون مائي ضخم وكاف من المياه الجوفية، فيما يجزم آخرون أن هذا الماء غير قابل للتجديد بنفس الكمية بعد الاستهلاك.
لذلك – يضيف المتحدث – “لابد علينا أن ننتهج استراتيجية مدروسة ومحكمة لحماية هذا المخزون الضروري والحيوي أولا، والبحث عن موارد وسبل أخرى لإنتاجه مع الحرص الشديد على ترشيد الاستهلاك على أكثر من صعيد”.
ويرى منور أن “كثير من العمل ينتظر السلطات والهيئات العمومية، لأن المعطيات تشير إلى أن الاستهلاك الأكبر من الموارد المائية، موجه للري الفلاحي والزراعة، أن التسريبات والتسيير العشوائي لخدمات التزويد بالماء الشروب، من أبرز أشكال التبذير واستنزاف مخزون المياه “.
وقدم في هذا الصدد مقترحات جمعيته، لحماية هذا المورد الهام، منها تطوير شعب زراعية من حبوب وأشجار لا تستهلك كثيرا من الماء إضافة إلى غرس أشجار مقاومة للجفاف.
وبالنسبة للحبوب كالقمح والشعير، يقول منور: “علينا تطوير نوعيات جديدة لا تحتاج إلى كثير من الماء للنمو”، مؤكدا أن “هذه التجارب سبق وأن جسدت ونجحت في العديد من البلدان الغربية”.
ويرى منور أن الحاجة اليوم “إلى طرق سقي وري ذكية، كما لا ينبغي الاعتماد فقط على تقنية التقطير الكلاسيكية، بل نحتاج هنا إلى استعمال الذكاء الاصطناعي الذي سيسمح بالتحكم الأنجع في مثل هذه الطرق أي سقي الزرع والأشجار في أوقات محددة، وذلك وفق احتياجات حقيقية وطبيعية للزرع أو الأشجار دون تبذير المياه،”
في السياق، ثمن منور توجه السلطات العمومية إلى توسيع استعمال المياه المصفاة وتحويلها للري الفلاحي”، مشيرا إلى أنه من الضروري الاعتماد على فلاحة استراتيجية تحافظ على مخزون الموارد المائية من جهة، وتنتج أغذية ومواد زراعية وفق احتياجاتنا وطبقا لمتطلبات الاقتصاد والتنمية من جهة أخرى.”
وأشار منور إلى جملة المشاريع الرامية إلى وضع حلول استشرافية لتوفير الأمن المائي قيد الدراسة، منها تحويل مياه السدود، وتطوير مشاريع تحلية مياه البحر بطرق ذكية، مع الحرص على سلامة البيئة البحرية.
وشدد المتحدث على “أهمية التسيير العقلاني والذكي لخدمة توزيع المياه الشروب على المستهلك، والتي تقدر نسبتها بـ 30% من الاستهلاك الوطني للمياه بحسب الأرقام المقدمة رسميا.
وتقع مسؤولية إنجاح هذه المهمة على عاتق مؤسسات توزيع وتسيير الموارد المائية بمختلف مناطق الوطن التي عليها التفكير في استعمال الذكاء الاصطناعي في التسيير مثلما قال، وأضاف أن “تحليل المياه والقضاء على مشكل التسريبات وكذا إطلاق عمليات توعوية باستمرار لتحسيس المواطن بأهمية ترشيد الاستهلاك”.