وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، معالم مسار النهضة الاقتصادية، وأمر باستغلال القدرات، وإرساء مختلف الأطر التنظيمية والتشريعية لتسريع وتيرة الأداء الاقتصادي على أعلى مستوى، مشدّدا على ضرورة وضع مسار التصدير في الرواق الصحيح، ليكون آلية دفع متينة ودائمة، تسمح بتنويع إيرادات الدولة من العملة الصعبة، وتشجّع الدورة الاقتصادية على المزيد من الحركية ومضاعفة ضخ الثروة؛ لأنّ الصادرات تقتضي مضاعفة الإنتاج، وتوسيع استثمارات المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة.
تحمل ورقة الطريق المسطّرة لعام 2024، العديد من الرهانات المتاح تجسيدها في ضوء معادلة ذات رؤية اقتصادية تحرص على تحقيق التوازن بين الواردات والصادرات خارج قطاع المحروقات، ويكون فيها للمنتوج الوطني جودته وتنافسيته في أسواق خارجية، في وقت تسابق فيه الجزائر الزمن من أجل ترسيخ تنمية عميقة ومستدامة لعديد القطاعات المرتكزة على القدرات، وضخّها في جهود النمو الاقتصادي. كل الإجراءات ترمي إلى تفعيل الحركية الاقتصادية، ولا تغفل الدور المنتظر أن تلعبه الصادرات الجزائرية في أسواق خارجية، وسيكون عام 2024 فارقا واستثنائيا، لأنّ الجهود تنصبّ على توسيع الخارطة الوطنية للصادرات إلى منتجات جديدة، وتأتي المناطق الحرة لتكون حلقة قوية في هذا المسار المعول عليه في تغيير واقع الجزائر الاقتصادي من خلال تشجيع آلتها الإنتاجية على المزيد من النمو والتطور.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون
رئيس الجمعية الوطنية للمصدّرين الجزائريّين طارق بولمرقة: دعم تنافسية المنتجات الوطنية بالأسواق الدّولية.. ضروري
يترقّب ملاحظون اقتصاديّون أن تستمر وتيرة نمو الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات خلال العام الجاري، حيث تستعد السلطات العليا في البلاد لانطلاقة جديدة من خلال بسط كافة التسهيلات والتحفيزات لصالح المصدرين والمستثمرين الجزائريين، فضلا عن الاستمرار في اتخاذ إجراءات تحفيزية لترقية الصادرات وتشجيع المنتوج المحلي، بتجنيد كافة القطاعات المعنية لإنجاح هذا المسعى، وتحقيق استراتيجية الدولة الرامية إلى التأسيس للاقتصاد المنتج، وقد سمحت الإجراءات المتخذة في مجال تسهيل عملية التصدير، برفع عدد المصدرين الفعليين إلى 1650 متعاملا حاليا بعدما كان العدد لا يتجاوز المئات خلال العقد الماضي.
كشف رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، طارق بولمرقة، في حديث اختصّ به “الشعب”، عن بلوغ خطوات متقدمة تخص استكمال الرؤية التي سطرتها جمعيته العام الماضي، بغية تعزيز وترقية الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، حيث تمّ تسطير برنامج عمل بمشاركة عدة قطاعات وزارية، على غرار وزارة التجارة وترقية الصادرات، وزارة الفلاحة ووزارة الصناعة، ووزارة المالية، إذ من المنتظر أن تجتمع الجمعية مع ممثلين من الحكومة خلال الأيام القادمة لاستكمال هذه الخطة التي تهدف إلى الرفع من قيمة الصادرات الجزائرية، وتشجيع المنتوج المحلي من خلال نقل انشغالات المصدرين وتقديم مقترحاتهم للجهات المعنية.
تعزيز الثّقة
تحدّث المتعامل الاقتصادي بولمرقة عن توسيع دائرة اللقاءات مع وزارة الصناعة ووزارة الفلاحة، حيث من المنتظر عقد لقاءات خلال الأيام المقبلة مع الجهات المعنية، بعد اجتماع المصدرين من مختلف الشعب بحضور الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، بوزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، نهاية عام 2023، وأمر الوزير بالإسراع بالتكفل بمشاكل المصدرين الجزائريين من خلال تعزيز الثقة المتبادلة، قصد التحضير لانطلاقة جديدة خلال السنة الجارية 2024.
وحول أهم انشغالات القطاعات الوزارية المعنية، أبرز بولمرقة أنّها تتمحور حول الإجراءات الخاصة بالبنوك، النقل والشحن والشهادة الصحية الخاصة بالمنتجات الفلاحية، إضافة إلى انشغالات أخرى تخص كل شعبة من الشعب، قال: “كان لقاؤنا مع ممثلي قطاع المالية، حيث أنّها ترافق المصدرين، والحرص على حل المشاكل التي تعترضهم في عمليات التصدير، بالتنسيق مع بنك الجزائر”، وكشف – في السياق – عن عقد اجتماع قادم مع وزارة الفلاحة لرفع العراقيل عن المصدرين في هذا المجال، حيث شهد القطاع الفلاحي الذي تعول عليه السلطات العليا في البلاد لتحقيق الاكتفاء الذاتي تطورا لافتا، ما يتيح فرصا أكبر لتصدير المنتجات الفلاحية التي تسجّل الجزائر بها فائضا في الإنتاج”.
تعزيز النّقل البحري والجوي للمصدّرين
في السّياق، كشف بولمرقة عن إبرام اتفاق مع ممثلي القطاعات الحكومية لتعزيز النقل البحري والجوي، حيث أبرمت اتفاقية مع مجمع النقل البري “لوجي ترانس”، من أجل أن يصبح أسطوله تحت تصرف المصدرين الجزائريين، وتسهيل عملية التصدير، منوّها بكل هذه الإجراءات لصالح الاقتصاد الوطني في إطار تحقيق الطفرة الاقتصادية، والخروج من دائرة الاعتماد على المحروقات.
ولأنّ الجزائر حرصت على المشاركة في جميع المحافل الدولية، وأقامت التظاهرات الاقتصادية والتجارية الدولية منها أو المحلية بهدف التعريف أكثر بالمنتوج الوطني، والترويج له قصد إقحامه في الأسواق العالمية، أكّد بولمرقة أنّ المنتوج الوطني منافس لا يستهان به في السوق الدولية، موضّحا أن التظاهرات والصالونات الدولية تشجّع عملية التصدير.
وتطرّق محدّثنا إلى تعليمات صادرة عن وزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، بالتنسيق مع المتعاملين الاقتصاديين، بغية تلبية طلبات وجهات المصدرين الجزائريين لتنظيم التظاهرات الدولية، وهي سابقة – يقول بولمرقة – فالوزير يستمع للمتعاملين الاقتصاديين، ويلبّي رغبتهم في تنظيم تظاهرات وصالونات، وهي تعرف إقبالا كبيرا سمح للمنتوج الوطني بأن يصبح مطلوبا.
وقال بولمرقة إنّ “مثل هذه الإجراءات سيكون لها أثر إيجابي في الترويج للمنتوج الوطني بالأسواق الدولية، خاصة المواد الغذائية، مثل العصائر والمشروبات الغازية، الزبدة الجزائرية، الخل، العسل الحر، العسل المشكل من السكر والماء، وغيرها من المواد الفلاحية الأخرى، إلى جانب مواد في شعب أخرى، ومن أهم الصّالونات التي شهدت إقبالا لافتا على المنتوجات الجزائرية، نجد صالون كندا، فرنسا، إسبانيا، بلجيكا، ودول في قارة آسيا، على غرار البلدان العربية التي تصدّر إليها “دقلة نور”.
معارض دائمة لتقوية الصّادرات
ولأنّ سنة 2023 تميّزت بتسجيل الجزائر حضورها في العديد من المعارض الدولية، على غرار مشاركتها في الطبعة 29 للمعرض الدولي بداكار، إضافة إلى المعرض الدولي للصناعات الغذائية بموسكو، فضلا عن فتح معارض دائمة للترويج للمنتجات الجزائرية في كل من موريتانيا والسنغال كمرحلة أولى، فقد دعا رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين إلى فتح مرافق لبيع المنتجات الجزائرية هناك، وهو ما سيمكّن الشركات الجزائرية المنتجة والناشطة في المجالات خارج المحروقات من تصدير منتجاتها والبيع المباشر.
وأبرز بولمرقة أنّ “افتتاح المعارض الدائمة بكل السنغال وموريتانيا سيعطي قيمة مضافة للمصدّرين، إذ يعتبر حافزا لتقوية الصادرات وتحفيز المصدّرين، كما ستعمل هذه المعارض على إقحام المنتوج الجزائري ذي الجودة العالية في الأسواق الدولية، وجعله حاضرا على طول العام، ما يمنح الصّادرات الوطنية تنافسية في الأسواق الدولية “. وأشاد – في السّياق – بالفروع البنكية الجزائرية التي افتتحت بالخارج، وقال: “انتقلت إلى بنك السنغال الذي سيكون عمليا خلال الشهر الداخل، وهذا ما يستوجب ضرورة منح رخصة للمصدر لفتح فرع بيع للمنتوجات الجزائرية بكل من موريتانيا والسنغال من خلال فتح حساب بنكي لحماية منتوجاته هناك .”
بالمقابل، نوّه رئيس جمعية المصدّرين الجزائريّين باستحداث المجلس الأعلى للتصدير، الذي يهدف إلي تشجيع وتنمية الصادرات الجزائرية بما يحقق زيادة حجمها وتوسعة مجالاتها في مختلف الشعب، وتحقيق التكامل بين السياسات الصناعية والتجارية لرفع الصادرات الوطنية.
كل التّسهيلات توفّرها الجمارك
وسمحت الإجراءات المتّخذة من قبل السلطات العمومية، في مجال تسهيل عملية التصدير برفع عدد المصدرين الفعليين إلى 1650 متعامل حاليا، وفق ما كشف عنه محدّثنا الذي أكّد أن هذا الارتفاع يرجع إلى التدابير المتخذة لتشجيع الصادرات خارج المحروقات ومرافقة المصدرين الجزائريين، وبالأخص ما يتعلق بتبسيط إجراءات التصدير، خاصة وأنّ جمعيته ترافق المصدرين لمساعدتهم على حل المشاكل التي قد تعترضهم، بالتنسيق مع مصالح الجمارك وبنك الجزائر، مبرزا أنّه تمّ رفع العديد من العراقيل لحد الآن عن عمليات التصدير، على غرار مشكل الجمركة من خلال توفير كل التسهيلات من طرف الجمارك، حيث أنّ المصدرين بإمكانهم التصدير دون وثائق، وقال بولمرقة: “نصدّر في انتظار إصدارها خلال أسبوع واحد فقط، في إطار تقديم تسهيلات تعزّزت حلال الفترة الأخيرة لصالح المصدرين “.
استمرار وتيرة النّمو بشكل مشجّع
وحول الرفع من حجم قيمة الصادرات خارج قطاع المحروقات التي بلغت أرقاما قياسية خلال السنوات الأخيرة، توقّع بولمرقة استمرار وتيرة النمو الإيجابية في ظل وجود كل التحفيزات للمصدرين والتسهيلات، لافتا إلى المجهودات الكبيرة المبذولة من طرف الدولة الجزائرية من أجل ترقية الصادرات، في إطار حرصها على تسوية كافة العراقيل وتبسيط إجراءات التصدير مثل التأمين والنقل، وهو ما من شأنه أن يمنح ثقة أكبر للمصدر.
وخلص المتعامل الاقتصادي إلى التّأكيد على أهمية الإجراءات المتخذة في مجال ترقية الصادرات خارج قطاع المحروقات، التي تسمح بتحقيق نتائج إيجابية، حسب الأرقام التي تقدّمها السلطات المعنية في البلاد، ما رفع من عدد المصدّرين موازاة مع الآليات المستحدثة لتعزيز الصادرات خارج المحروقات.
الخبير هواري تيغرسي: استراتيجية محكمة للتّموقع بالأسواق الخارجية
أعطى الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي تصوّرا واضحا عن مستقبل الصادرات خارج قطاع المحروقات، مسلّطا الضوء على مؤشرات خضراء قوية ومقومات قاعدية صلبة، ستحوّل المسار إلى آلية لضخ الثروة وتوسيع المشاريع الاقتصادية الكبرى، بداية من توفر الثروات الهائلة والمورد البشري المبتكر والرؤية الحكيمة القائمة على أبعاد تنموية، رصدت فيها تسهيلات وامتيازات، ويشجّع عبرها الاستثمار، وقال الدكتور تيغرسي إنّ الجزائر عازمة على حجز مكانة مهمة ومرموقة في الأسواق الخارجية، وتحدّث عن أهمية المورد البشري في قلب معادلة التصدير بداية من محطة الإنتاج إلى غاية تحويله إلى الأسواق الخارجية.
وقف الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي عند الخارطة الوطنية للصادرات، ليبرز حتمية الاستمرار في هذا المسار الاستراتيجي لترقية النسيج الاقتصادي، معتبرا أنّ النموذج الاقتصادي الوطني يرتكز على تنويع الانتاج، وعدم الاتكال على الموارد الطاقوية، وأشار إلى أنّ الجزائر استفادت من تجربة حدوث خلل في التموين عبر الأسواق الخارجية خلال الجائحة، وتداعياتها على الاقتصاديات العالمية. وهذا ما تطلّب تركيزا قويا وعملا مكثّفا وجهدا مضاعفا من أجل تطبيق وتفعيل النموذج الاقتصادي المرتبط بتفعيل القطاعات الاقتصادية، ورغم الاستفادة من موارد المواد الطاقوية مهمة جدا – يقول تيغرسي – فإنّ الوقت حان لتحويل هذا الاهتمام في المرحلة الحالية والمقبلة، وفق توجيهات رئيس الجمهورية، إلى القطاعات التحويلية سواء كانت طاقوية أو تشمل قطاعات تحويلية أخرى لاستغلال المقومات المتوفرة.
تهيئة أرضية الاستثمار
وأبدى تيغرسي تفاؤلا كبيرا بشأن رهانات التصدير، وقال إنّ تحديات ترسيخ التصدير، تتطلّب إبراز الإمكانات الكبيرة المتاحة بالجزائر، والتسويق الذكي للصادرات. في وقت أدركت الجزائر أهمية الانطلاق في الاعتماد على مقومات أخرى تسجّل فائضا في الإنتاج، وتثمين هذه الوفرة بانخراطها في توجه تعزيز الصادرات، فالجزائر شرعت – في ضوء رؤية رئيس الجمهورية وتعليماته – في تطوير الصناعة التحويلية الكاملة، وجعلها في صدارة الاهتمام، مع الأخذ في الاعتبار أن عملية تسويق المشتقات البترولية مربح ومدر للثروة، ويضاعف المداخيل بشكل كبير مقارنة بتسويقها مادة خام.
ويرى تيغرسي أنّ كل شيء صار جاهزا، لتنطلق الجزائر بثقة في مضاعفة وتوسيع نطاق تمركز وتدفق صادراتها خارج المحروقات، خاصة وأنّ عوامل عديدة داعمة هيّأت الأرضية، بينها منح دفع قوي لتكريس الاستثمار المحلي والأجنبي، وتعزيز الشراكات وتحويل التكنولوجيا المتطورة، وطرح منتجات نصف مصنعة ونهائية، ومنحها الضوء الأخضر لتغزو الأسواق الخارجية. وأفاد الخبير أنّ الفضل في انتهاج هذا المسار يعود إلى رؤية السلطات العمومية، وتبنيها سياسة صائبة تشجع على ضخ الإمكانات في مسار التصدير، علما أنّ المرتقب هو أن تقفز قيمة الصادرات خارج المحروقات إلى أكثر من 13 مليار دولار خلال عام 2024، بفضل التجند غير المسبوق لجميع الفاعلين، وتوقّع تيغرسي أن تكون 2024 سنة اقتصادية محض، بفضل إطلاق قانون الاستثمار، وتفعيل المراسيم التنفيذية للعقار الاقتصادي.
شراكة واعدة بين الفلاحة والشّركات النّفطية
وتطرّق الخبير إلى المقومات المدرجة ضمن الإستراتجية الوطنية، وذكر منها الثروة الهائلة المتوفرة في قطاع الفلاحة والمادة الخام عن طريق تحويلها، والبعث القوي لقطاع الصناعة على غرار الصناعة الميكانيكية والالكترونية والكهرومنزلية، على خلفية أن رئيس الجمهورية شدّد على ضرورة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج الداخلي الخام بنحو 10 أو 15بالمائة، ومن ثم الاستمرار في ترقية تلك النسبة إلى مستويات أعلى.
وأبدى الخبير تيغرسي تفاؤله بقطاع الفلاحة الذي أظهر فعالية ومردودية عالية في استحداث الثروة منذ عام 2021، ونجح في 2023 في إنتاج ما قيمته 35 مليار دولار، رغم أن عملية استغلال الأراضي الفلاحية، ما زالت لم تتوسّع على اعتبار أنه في الوقت الراهن، يتم استغلال مساحة 8.5 مليون هكتار من إجمالي 49 مليون هكتار، وهذا التطور – يقول تيغرسي – شجّع في اندماج قطاعي الطاقة والفلاحة في عملية الاستكشاف، كما رصدت القرارات المهمة لعملية هذا التكامل، وجاء قرار لاستغلال 7 ملايين هكتار لفائدة الفلاحة، وأثمر كل ذلك عن ميلاد شراكة واعدة بين شركات بترولية مع الفاعلين في المنظومة الفلاحية، بهدف تثمين وتفعيل العقار الفلاحي، وخلق حركية في قطاع يعد أساسيا في العملية الاقتصادية.
ويرتقب تيغرسي أن تسفر السياسة المنتهجة عن خارطة وطنية واضحة المعالم، بفضل تعميم الرقمنة وتكريس الفكر المقاولاتي، مشترطا ضرورة تطوير منظومة التعليم العالي، فلا يمكن تصوّر أي نمو ولا أي طفرة اقتصادية، دون إقحام هذا القطاع الأساسي المصنّف كلبنة قاعدية ذات أهمية قصوى، وبإمكان الفكر المقاولاتي منح بعد استراتيجي للمورد البشري. وفي ظل الامتيازات المسخّرة، أوضح الخبير أن المقاولاتية ستدعم الصادرات عن طريق مؤسسات ناشئة وناشطة ومبتكرة، تزيد من حجم النسيج المؤسساتي المنتج وتشجع الاستثمار، إذ لا تنمية اقتصادية دون تنمية اجتماعية.
ويتوقّع الخبير أن تحقّق الجزائر مداخيل مهمة في مجال التصدير خارج قطاع المحروقات، وتستمر في تحقيق النتائج الإيجابية، ومن مؤشراتها الإيجابية الحركية الاقتصادية وترسانة النصوص التشريعية، والدور الجديد الذي تضطلع به الدبلوماسية الاقتصادية.
الخبير إبراهيم قندوزي: جاهزون لاكتساح مسارات التّصدير
يرى الخبير ابراهيم قندوزي أنّ شريان الاقتصاد مازال يتسع ويشهد تحديثا كبيرا، بفضل شق الطرقات، وتوسيع خطوط السكك الحديدة وتعزيز الموانئ والرفع من حجم الرحلات الجوية، لتسخّر كل الإمكانات لفائدة تنمية الصادرات، وتوفير كل الأطر الضّرورية لانسيابية تموقع الإنتاج الوطني في الأسواق الخارجية. وأشار قندوزي إلى أهمية الإجراءات المتخذة التي سمحت بتحويل العديد من المستوردين إلى منتجين ومصدّرين. ووصف خطوات الجزائر الأولى في التجربة بـ “المهمة”، وقال إنّها تحمل كل مقومات النجاح لمسار تصدير واعد ومتنوع على مستوى الأسواق الخارجية، كما استحسن التسهيلات والإجراءات القوية المنتظر منها إحداث تغيير من شأنه تقوية ورقة التصدير، كخيار تنموي وحل اقتصادي سيسمح بضخ الثروة والموارد المالية.
قال الخبير قندوزي إنّ آثار التغييرات ستنعكس على تقوية مسار التصدير، منها استحداث منصة للإصغاء للمصدرين والتكفل بانشغالاتهم لأول مرة، وأشاد الخبير – في السياق – بعملية ترقية الاتفاقيات التجارية للتبادل الحر، وتنصيب المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات، إلى جانب تفعيل واستحداث مجالس رجال الأعمال مع البلدان الشريكة. وأكّد قندوزي أنّ الجزائر تتواجد بقوة في التظاهرات والمعارض التجارية بالخارج للترويج للمنتوج الوطني، والذهاب للبحث عن الزبائن، ولقد أقامت معارض دائمة بكل من موريتانيا والسنيغال وكذا أوغندا، وذكر أنّ نطاق هذا الانتشار مرشح إلى التوسع إلى بلدان أخرى من القارة السمراء.
تسهيلات مهمّة للمصدّرين
اعتبر أستاذ العلوم الاقتصادية، أن قانون المالية لعام 2024 كان حاسما في دعم وتقوية جهود التصدير، بتأسيس الصندوق الوطني لتشجيع الصادرات، علما أن هذا الصندوق يقوم بمهمة تمويل بعض العمليات الخاصة بالصادرات والمصدرين، على غرار المشاركة في معارض خارجية ونقل البضائع في مجال التصدير، إضافة إلى البنوك التي انخرطت في مسعى تطوير عملية تدفق الصادرات إلى الأسواق الخارجية، إضافة إلى مساعدة الجزائريين الراغبين في التصدير، من خلال التكوين والمرافقة وكذا الوكالة الوطنية لترقية الصادرات “ألجاكس” والغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، وهما لا تدّخران جهدا في تقديم كل التسهيلات للمصدرين.
وأثنى الخبير قندوزي على الإستراتجية القادرة على قلب الموازين في ظرف زمني قياسي، لتجعل من الجزائر بلدا رائدا بتموقع جيد في الأسواق العالمية، ما يشجّع على مواصلة النهج، وأضاف أنّ “مداخيل الصادرات بالعملة الصعبة تشهد نموا سريعا، وهي في منحى تصاعدي مستمر، رغم أن كل هذه الترتيبات والتسهيلات ما زالت عملية تجسيدها في بداية الطريق”، وذكر أن التصدير سيتعمّم ويتنوّع أكثر، فهو – في الوقت الحالي – يقتصر على المنتجات الفلاحية ومواد البناء والخدمات ومواد طاقوية ومنتجات كهرومنزلية وإلكترونية، ومواد بتروكيماوية.
مفتاح تطوير المنتجات المحلية
حددت الجزائر هدفها الكبير وتسير نحو تحقيقه بإرادة وعزيمة قوية، معوّلة على مؤسساتها الانتاجية المرشحة للتضاعف والانتشار عبر خارطة أوسع، وأشار الخبير – في أثناء الحديث عن نقاط قوة السياسة الوطنية لترقية الصادرات – إلى الدعم المتواصل، ودعم نقل البضائع، خاصة أنّ الجزائر ضاعفت وما زالت تضاعف من رحلاتها، وتفتح خطوط جوية جديدة لتنفتح أكثر على الأسواق الخارجية، وباتت تنظر إلى التصدير كرهان كبير يعوّل عليه في تطوير المنتجات الوطنية، وتحدث عن تطوير شبكة النقل شريان حقيقي للاقتصاد.
وينتظر أن تنجح الجزائر من خلال انضمامها لمبادرة التجارة الموجهة، في إطار تجسيد اتفاقية “زليكاف”، أن تعثر على أسواق مهمة وزبائن دائمين؛ لأنّ إفريقيا تحولت إلى أضخم وأهم الأسواق العالمية وقبلة لكبريات الشركات العالمية، علما أن من مزايا هذه المبادرة تمكين المتعاملين الاقتصاديين من تبادلات تجارية مع نظرائهم من الدول الشريكة في المبادرة ذاتها دون قيود جمركية، ومع توفير تسهيلات كبيرة.
تعزيز التّصدير يكبح الاستيراد
وقال الخبير قندوزي إنّ آلة التصدير انطلقت في الجزائر وهي ماضية في مسعى التنويع، والتأكيد على جودة وتنافسية المنتوج، ويدعم هذه الدينامية تسهيل لوجيستي في عمليات التصدير ووفرة الشحن. واللافت أن الدولة نجحت في قلب المعادلة، وتحويل العديد من المستوردين إلى مصدرين انضموا إلى الحركية النشطة المسجلة لأول مرة في مجال التصدير، والمساهمة في إغراق الأسواق الخارجية بمنتجات من صنع محلي.
جدير بالإشارة، أنّ وزارة التجارة كانت قد دعت المستوردين إلى الالتحاق بقطار التصدير مع مطلع العام الجاري، بهدف التّوجه نحو الاستثمار في مشاريع ذات جدوى، تنتج وتطرح القيمة المضافة، في إطار مساعي ترشيد الواردات، فلا داعي لاستيراد مواد تنتج محليا، وبالفعل شرع العديد من مستوردي النسيج في تشييد مصانع والتحول من مستوردين إلى منتجين – في فترة قياسية – لكل ما كانوا يستوردونه بالعملة الصعبة، مستفيدين من تسهيلات ودعم الدولة في عملية هذا التحول المهم من خلال المرافقة والتسهيل وامتيازات أخرى مهمة، ستعمل على الحد من الاستيراد، وتفادي أي تجاوزات قد تحدث تحت غطاء الاستيراد.