تحتل الجزائر مكانة مرموقة في سوق الغاز العالمية، وتتّجه نحو توسيع دورها الكبير في تمويل الأسواق الإقليمية والعالمية، من خلال تحقيق المزيد من الاسكتشافات الغازية، بعد انطلاقها في الرفع من القدرات الإنتاجية، مسخّرة أغلفة مالية معتبرة بهدف تعميق الاستثمارات عبر تنويع الشّراكات الأجنبية.
أفضت الجهود المعتبرة والمحسوسة المبذولة إلى تمركز الجزائر في رواق ريادي، وصارت من دون منازع أول مورد في القارة السمراء، ومرشّحة للتقدم أكثر في السنوات المقبلة، بفضل استكشافات قياسية حقّقتها خلال السنة الماضية، ومواصلة رهان الاستكشافات بثقة ونجاح كبيرين.
ملف: فضيلة بودريش وهيـام لعيون وفايزة بلعريبي
وينظر اليوم إلى الجزائر في أسواق الغاز العالمية، على أنّها أهم المنتجين الرئيسيين والموثقين لضمان التموين، وفوق ذلك لديها زبائن ثابتين، ما يعزّز مكانتها الكبيرة، الوفاء بالتزاماتها، وانفتاحها على التطور التكنولوجي الكبير، في وقت يتطلّع أكبر المستهلكين في العالم وبحرص كبير إلى توقيع المزيد من اتفاقيات الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل من أجل تفادي صدمات الإمداد المستقبلية، وبما أنّ الجزائر شريك ومموّن تقليدي آمن، لم تخف أوروبا في العديد من المرات، أنّها حريصة على إرساء شراكة إستراتيجية طويلة الأمد، لأنّ الجزائر مورد موثوق به للغاز.
إنّ ريادة الجزائر أصبحت تتعزّز في كل سنة بالمزيد من الفعالية، كأهم مورد في القارة السمراء، وأوّل مصدر لهذه المادة الطاقوية الإستراتجية النظيفة، ويتوقّع أنّ قطار الاستكشافات المنطلق سيواصل وتيرة أدائه لتفعيل الاحتياطي، وتقوية تدفّقات الآلة الإنتاجية الغازية، وسوناطراك عازمة على مواصلة العمل بنفس النجاعة والحركية السريعة، والتقدم في تطوير صناعة الغاز والطاقة بشكل عام وفق إستراتيجية دقيقة وذات أبعاد استشرافية.
الجزائر أوّل مصدّر للمادة الطّاقويـة الإستراتيجيـة النّظيفـة في القارّة السّمراء
الخارطة الوطنية للغاز.. إمكانيات ضخمة تنتظر الاستغلال
تؤكّد جميع المؤشّرات عودة الجزائر القوية كأكبر منتجي الغاز في العالم بفضل الإرادة القوية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وحرصه الدائم على تثمين القدرات وبعث الدينامية التنموية في مختلف القطاعات. في السياق قام مجمّع سوناطراك بمضاعفة إنتاج الغاز للمحافظة على موقعه المؤثر في السوق، وأطلق برنامجا طموحا وواعدا حرص فيه على توسيع الاستكشافات وتعميق الاستثمارات.
من بين المؤشّرات القويّة المؤكّدة لدور استراتيجي من المرتقب أن تقوم به الجزائر في سوق الغاز العالمية مستقبلا، أنّ الخارطة الوطنية للغاز، تتضمّن أزيد من ثلثي مساحة البلاد ما زالت غير مستكشفة، إلى جانب أكثر من 100 اكتشاف طاقوي ينتظر التطوير، وهذا من شأنه أن يحفّز ويغري أكبر المستثمرين في هذا المجال لاختيار وجهة الجزائر.
بات ينظر للجزائر باهتمام كبير، خاصة بعد أن شهد العالم في السنوات الأخيرة أزمة تموين في الغاز، واشتعال أسعاره في ذروة طلب تاريخية غير مسبوقة في العالم، وفورة أسعار عالية لم تبلغها من قبل، جعلت المستهلكين وعلى رأسهم دول القارة الأوروبية، يبحثون عن تموينات آمنة وراسخة ومتاحة. وفي هذا الظرف الاستثنائي، صار الجميع ينظر إلى الجزائر كمنتج بارز وفعال وقريب جغرافيا، لذا من الطبيعي أن تتسابق العديد من الشركات العالمية صاحبة الخبرة والأموال، وكذلك التجهيزات ذات التكنولوجيا المتطورة للاستثمار في الجزائر، لأنّ الاستثمارات مربحة وذات جدوى والاستكشاف في الجزائر ذا مردودية عالية.
قوّة في التّفاوض
تركّزت كل الأنظار في السّنوات القليلة الماضية حول الجزائر، بفضل ما حقّقته من استكشافات عديدة وبارزة لحقول الغاز خلال سنة 2023، وصفت بالهامة والمعبّدة لمسار استكشافات واعد ينتظر الجزائر، بل وفتحت شهيّة المستثمرين، لكن أغلبية هذه الاستكشافات الكبيرة حقّقتها شركة سوناطراك بفضل إطاراتها وإمكانياتها الخاصة.
سيشرع في استغلال هذه الاستكشافات دون شك في عام 2024، في إطار سياسة الرفع من القدرة الإنتاجية للجزائر، وعلى خلفية أن زيادة الإنتاج، يقابلها مضاعفة حجم الصادرات نحو أوروبا وآسيا، كما أن كل ذلك يمنح الجزائر جاذبية وقوة في التفاوض مع كبار المصنعين في مجال الغاز.
ومن عوامل هذا التّفوّق، استعداد الجزائر في وقت مبكر من أجل تجسيد رهان الرفع من قدراتها الإنتاجية، وضخ المزيد من الطاقة النظيفة للغاز، لأنّ الغاز طاقة غير ملوّثة في الأسواق العالمية.
كما عكفت على رصد الأموال المعتبرة بهدف تجديد هياكلها وتطوير بنيتها القاعدية، بما يتماشى مع التطور التكنولوجي الكبير، وتعزيز موقعها كمنتج محوري ثابت في إنتاجه وتموينه، وعدم الاكتفاء بالزبائن التقليدين، بل البحث عن أسواق جديدة لأنّ الدول الأوروبية في كل مرة تطلب المزيد من الغاز لتلبية احتياجاتها على غرار إيطاليا وإسبانيا وتركيا، ولا يخفى أن رفع صادرات الغاز يقابله الزيادة في إيرادات العملة الصعبة.
أسواق جديدة
من المقرر أن تنتهج الجزائر مسار الرفع من إنتاج الغاز الطبيعي بحوالي 10 ملايير متر مكعب، بداية من العام الجاري، على اعتبار أنّه تربطها عقود شراكة مع شركات أجنبية من أجل تطوير سلسلة من المشاريع باستثمارات قيمتها حوالي 6 ملايير دولار.
ويعوّل على هذه المشاريع الرفع في البداية من إنتاجها للغاز بحوالي 10 ملايير متر مكعب في 2024، وهذه الكميات الإضافية المرتقبة، حتما ستضع الجزائر في أريحية من أجل الوفاء بالتزاماتها ضمن العقود الدولية، والبحث عن أسواق جديدة متعطشة للغاز في ظل انتعاش الاقتصاد العالمي.
ومن بين المكاسب المحقّقة من طرف شركة سوناطراك، استكشافها خلال النصف الأول من العام الماضي ما لا يقل عن 10 حقول جديدة للنفط والغاز، وأغلب هذه الاستكشافات تتواجد بالقرب من المنشآت ومناطق الاستغلال الحالية، وهذا ما يسهل من مهمة ضمها إلى عمليات الإنتاج.
كما أنّ الغاز يحتل أهمية كبيرة في عملية الانتقال الطاقوية المنتهجة، ويعد طاقة مستقبلية ضخمة وآمنة.
أمّا بخصوص آخر تقرير لمنتدى مصدري الغاز لشهر جانفي 2024، اعترف أنّ حصة الجزائر من الغاز الطبيعي المصدر عن طريق الأنابيب نحو الاتحاد الأوروبي بلغت 19 بالمائة في 2023، وافتكّت المرتبة الثانية بعد النرويج.
وقدّر التقرير المعدّل الشهري لصادرات الجزائر نحو الاتحاد الأوروبي السنة الماضية 2.41 مليار متر مكعب، ويقابله متوسط بـ 7 مليارات متر مكعب للنرويج.
الخبير في الطّاقة شعيب بوطمين : تصدير الغاز المسال إلى وجهات جديدة.. أولويـة جزائرية
يؤكّد الخبير الاستراتيجي في الطاقة شعيب بوطمين على الدور الكبير الذي باتت تقوم به الجزائر اليوم في سوق الغاز على المستوى القاري أو العالمي، باعتبارها تتصدّر قائمة الدول المصدّرة لهذه المادة في إفريقيا، وأحد أهم الموردين الموثوقين على مستوى العالم، والرقم الثاني كأحد أهم الموردين لدى الإتحاد الأوروبي.
تبرز الجزائر اليوم كأكبر الفاعلين والمؤثّرين في سوق الغاز الطبيعي على المستويين الإقليمي والعالمي، بفضل السياسة الطاقوية المنتهجة، التي جعلت إمدادات البلاد من الغاز الطبيعي تنتعش وتحتل مكانة متميزة في صناعة النفط والغاز، ويظهر ذلك من خلال نجاحها في تحقيق أداء متميز خلال السنة الماضية، حيث عادت لتتربّع على قائمة أكبر الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا.
واحتلّت الجزائر مكانة ثاني مصدّر للغاز عبر الأنابيب نحو أوروبا، مسجّلة نسبة النمو الأعلى على مستوى الدول العربية خلال عام 2023، بفعل عوامل عدة أهّلتها لاحتلال هذه المكانة الجيدة، في وقت تستعد لاحتضان القمة السابعة لمنتدى البلدان المصدرة للغاز نهاية شهر فيفري الجاري، في ظل بروز معطيات ومؤشّرات جديدة يتميز بها سوق الغاز العالمي، وفي ظرف عالمي خاص جدا اتّسم بالتّغييرات الجيوسياسية، إذ من المنتظر أن تكون القمّة محطة لاستقطاب أنظار العالم والخروج بقرارات تعزّز المكانة الدولية لهذا المنتدى.
ولم تتأثّر إمداداتها نحو السوق الأوروبية بل زادت خلال سنة 2023، ما يبرز ـ حسبه ـ “هذا الدور الكبير للجزائر”، والذي عرف أداء متميزا في صادراتها من الغاز الطبيعي المسال، وكرّس مكانتها كمموّن موثوق، وجعل منها أكبر مصدر لهذه المادة في إفريقيا، متخطية نيجيريا، مع نسبة نمو في هذه الصادرات هي الأعلى عربيا، وفق ما أوردته منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك.
مكانة متميّزة
قال بوطمين إنّ الجزائر اليوم تحتل مكانة متميزة قاريا ودوليا، ونجحت خلال السنة الماضية في تحقيق أداء متميز، ما جعلها تتربّع على قائمة أكبر الدول المصدرة للغاز المسال في أفريقيا، مشيرا إلى أنّها استطاعت أن تحتل المرتبة الأولى، بعدما كانت نيجيريا محتفظة بهذه المكانة لسنوات سابقة، علما أنّ صادراتنا من الغاز المسال تجاوزت الصادرات النيجيرية خلال السنة الماضية، حيث أنّ الأخيرة صدرت 17.5 مليار متر مكعب من الغاز المسال، بينما صدرت الجزائر 17.8 مليار من الغاز المسال متر مكعب.
لذلك ــ يقول الخبير الإستراتيجي في الطاقة ــ إنّ الجزائر باتت اليوم من بين أبرز مصدّري الغاز نحو أوروبا، حيث تعتبر ثاني أهم مصدّر للغاز الطبيعي عبر الأنابيب نحو الاتحاد الأوروبي في 2023 بعد النرويج، ما يبرز أهمية الجزائر في سوق الغاز الأوروبي، حيث حرصت العديد من الدول الأوروبية مثل تركيا وإيطاليا على تجديد تعاقداتها وإبرام تعاقدات جديدة، ما يسمح للجزائر من زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة.وفي السياق نفسه، أرجع الخبير، الأمر لعدة عوامل أهمها اكتشافات آبار الغاز الطبيعي التي حققتها الجزائر خلال السنتين الماضيتين، ــ حوالي 10 اكتشافات ــ ما ساهم في زيادة الإنتاج الجزائري من الغاز الطبيعي، فضلا عن التغييرات الجيو سياسية في العالم من بينها تداعيات البحر الأحمر، إضافة إلى موقعها الإستراتيجي، في وقت تصدر الجزائر حوالي 56 مليار متر مكعب سنويا نحو الأسواق العالمية، مبرزا أنّ نمو صادرات الغاز المسال يعكس نجاح الجزائر في زيادة إنتاج الغاز والتصدير، وتسويقه في الأسواق العالمية خاصة الأوروبية منها.
الغـاز المسال
إضافة إلى الأسباب التي تمّ ذكرها سابقا، يلفت بوطمين النظر إلى أهم العوامل التي جعلتنا نتفوّق قاريا، حيث تمّ تعويض الأنبوب الذي كان ينقل الغاز الطبيعي إلى اسبانيا ـ حوالي 6 مليار متر مكعب، بتصدير الغاز المسال نحو الدول الأوروبية، ويضيف ذات الخبير “لذلك فإنّ أولوية للجزائر اليوم ليست فقط إسبانيا أو إيطاليا بل تصدير الغاز المسال لدول أخرى، على غرار تركيا التي استفادت من واردات للغاز المسال الجزائري بحوالي 5.5 مليار متر مكعب، باعتبارها من اكبر الدول المستوردة للغاز الجزائري”.
وأبرز الخبير في ذات السياق، أنّ الأولوية يجب أن تتمركز حول الاستثمار في الغاز المسال الذي يباع بثمن أعلى من الغاز الطبيعي المورّد عبر الأنابيب، خاصة عبر “السوق الفوري” أو ما يسمى بـ “السبوت”، والذي يعتبر أغلى ثمنا من الغاز المصدر عبر الأنابيب، ومن خلال عقود طويلة الأمد ـ عشرة أو عشرون سنة، لذلك فإنّه من الضروري البحث عن أسواق جديدة على غرار ألمانيا، ولم لا السوق الأسياوي.
قمّة الجزائر
بالمقابل، وحول القمّة السابعة للدول المصدرة للغاز المزمع عقدها نهاية الشهر الجاري، أشار بوطمين إلى أنّها ستعقد في ظرف يتسم بانخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق الدولية، إذ يعتبر “المنتدى” فرصة لكي نجعل منه محطة لتناول قضية انخفاض الأسعار هذه السنة، ولم لا جعله مناسبة لبحث وضع آليات من أجل التأثير في السوق الدولية مستقبلا، من خلال ربط العقود الجديدة للغاز الطبيعي بالعقود الآنية أو الفورية “السبوت”، لأن الغاز الطبيعي يرتبط بعقود طويلة الأمد لا يمكن فسخها.
ويضمّ المنتدى العالمي 12 بلدا من أهم الدول المصدرة للغاز في العالم، يشكّلون مجتمعين حوالي 70 بالمائة من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة، حتى يضطلع المنتدى بدوره كمراقب لأسعار الغاز، على غرار ما تقوم به منظمة “أوبك +”، التي تؤثّر قراراتها على إنتاج النفط”.
أمّا الميزة الثانية التي تتميّز بها قمة الجزائر ــ وفق تقديرات محدّثنا ــ هو تدشين معهد أبحاث الغاز التابع لمنتدى البلدان المصدرة للغاز بالجزائر العاصمة، حيث سيشكّل قيمة مضافة من خلال البحث عن وسائل تكنولوجية جديدة، والذي سيمكّن دوله الأعضاء من بعث التعاون التقني من خلال تبني رؤية جديدة، يكون لها صدى تقني وتشاوري، مثلا تناول قضية انخفاض أو ارتفاع الأسعار من أجل مراقبة السوق وتبادل المعلومات، حيث من المنتظر أن يقوم بدور همزة وصل بين الدول الأعضاء.
بغداد مندوش: احتضان الجزائر منتدى الغاز.. مصداقية دولية تتزايد
تتوالى تقارير الهيئات والمنظمات الدولية حول تعافي الاقتصاد الوطني، موضحة المنحنى التصاعدي الذي تعرفه مؤشراته الكلية، بما فيها تلك المتعلقة بالصادرات. وعلى ذكر هذه الأخيرة، صنف التقرير الأخير لمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوابك”، الجزائر في المرتبة الأولى من حيث صادراتها من الغاز، متقدمة في ذلك على نيجيريا صاحبة المرتبة سابقا؛ صدارة مستحقة، بالنظر إلى المجهودات التي تبذلها الجزائر من خلال استراتيجية اقتصادية أرادها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، متنوعة ومواكبة للسياق الاقتصادي العالمي.وتأكيدا لمركز الجزائر الإقليمي الذي تربعت عليه الجزائر خلال أربع سنوات من الصرامة في تجسيد تغيير أقره رئيس الجمهورية منهاجا للجزائر الجديدة، تم اختيار الجزائر، بالإجماع، لاحتضان القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، اعترافا بالدور الهام الذي تلعبه داخل المنتدى كعضو مؤسس من جهة ومورد قوي وموثوق للطاقة من جهة أخرى.. محاور نقاش، تناولها بالتوضيح والإثراء ضيف “الشعب” الخبير الدولي في الطاقة، بغداد مندوش.
”الشعب”: تستعد الجزائر خلال أيام لاحتضان القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، هل يمكن تقديم نبذة عن المنتدى وأي دلالة يحملها احتضان الجزائر لهذا الحدث ذي البعد العالمي؟
الخبير الطاقوي بغداد مندوش: البداية كانت بمبادرة من الجزائر كأول عضو مؤسس لمنتدى الدول المصدرة للغاز، حيث انعقد أول اجتماع له سنة 2001 بإيران، أين تم تسطير الأهداف الأساسية لتأسيسه. يضم المنتدى حاليا 19 دولة، 12 منها دائمة و07 دول كأعضاء ملاحظين، بعد أن انحصر عدد البلدان في المرحلة التأسيسية على السعودية، قطر، فنزويلا، إيران، روسيا والجزائر كعضو مؤسس. ونظرا للنجاح الذي أحرزه المنتدى من حيث تحقيق الأهداف، مازال يستقطب العديد من الدول المصدرة للغاز، حيث أبدت السنة الفارطة، كل من أنغولا واليمن رغبتهما في الانضمام إلى هذه الهيئة الدولية التي يشكل حجم خزانها من الغاز 72% من الخزان العالمي. إضافة إلى كون دول الأعضاء للمنتدى تستحوذ على 47% من وسائل نقل الغاز عبر الأنابيب. كما تشكل صادراتها من الغاز 44% من حجم صادرات الغاز العالمية، وتمتلك أكثر من 50% من وسائل نقل الغاز عبر البواخر.
وأريد أن أوضح، أن الدور الرئيسي للمنتدى يتمثل في تبادل التجارب والخبرات في ميدان الاستكشاف، الإنتاج، الصناعة الغازية، التحويل والمواقف الثابتة والمشتركة فيما يخص حصص التصدير، إضافة إلى تبادل الآراء بين الدول الأعضاء، خاصة ما تعلق بسوق الغاز العالمي الذي عرف تطورات سريعة في السنوات الأخيرة، نتيجة التطورات الجيو-استراتيجية التي اجتاحت أغلب مناطق العالم مؤخرا، مؤثرة بذلك على مراكز صنع القرار العالمية.
كما يعتبر المنتدى قناة للحوار مع الدول المستهلكة للغاز، التي تعمل على ضمان حصولها على هذا النوع الطاقوي، كمصدر مهم لاستمرار حركيتها الاقتصادية.
بالمقابل، تهدف الدول الأعضاء إلى حماية أسعارها الطاقوية من الانحدار والتذبذب متأثرة بالصراعات العالمية. كما تسعى إلى إبرام عقود واتفاقيات طويلة المدى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاستثمارات في مجال الغاز تتعلق أساسا بعاملين مهمين؛ أولهما عامل الوقت، حيث تستغرق عملية استكشاف وإنتاج الغاز وقتا طويلا يتراوح بين 4 إلى 5 سنوات. أما العامل الثاني، فيتمثل في ضرورة توفير رؤوس أموال معتبرة. وهنا أريد أن أشير إلى أن مركب الغاز المسال بأرزيو قد استغرق 5 سنوات من أجل دخوله مرحلة الاستغلال الفعلي ورأسمال لا يقل عن 4 إلى 5 ملايير دولار.
أشغال القمة المرتقبة لمنتدى الدول المصدرة للغاز هي تتمة لجهود سابقتها المنعقدة سنة 2022 بالدوحة، ما قولكم؟
أولا أود الإشارة إلى أنه خلال القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، التي انعقدت بالدوحة في نوفمبر 2022، تم انتخاب الإطار السامي السابق بالشركة الجزائرية للمحروقات “سونطراك” والممثل السابق للجزائر بمنظمة أوبك محمد هامل، أمينا عاما، لأول مرة، بالإجماع، عكس سابقيه الذين تم انتخابهم بأغلبية الأصوات، وأظن أن ذلك يعود للدور المحوري والموقف القوي لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي حضر الملتقى وأبان عن حنكة دبلوماسية لا يمتلكها إلا الكبار، كما يمثل انتخاب محمد هامل تقديرا لمجهودات “سونطراك “ في مجال إنتاج وتصدير الغاز طيلة 60 سنة من التواجد والإنجازات.
للإشارة، تمكنت سونطراك سنة 1964 من إنجاز أول مصنع للغاز المسال في العالم بأرزيو تحت تسمية “الشركة الجزائرية للميتال السائل”، الذي كان ولعقود طويلة خاصة مع بداية السبعينيات، قبلة للخبراء والمهندسين الأجانب لتلقي التكوين واكتساب الخبرة في مجال تمييع الغاز. من جهة أخرى، عرفت القمة الأخيرة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، انتخاب الجزائر كمقر لمعهد الدراسات في مجال الغاز المرتقب تدشينه على هامش أشغال الدورة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، المزمع انعقاده بالجزائر أواخر شهر فيفري الجاري، بمشاركة قوية لرؤساء وقادة 19 دولة. وهذا في نظري أقوى تقدير لمركز الجزائر الريادي ومسارها الحافل بالانجازات في مجال استكشاف وإنتاج وتحويل وتصدير الغاز على المستوى العالمي.
تسببت الأزمات الدولية الحالية في تغيير للخارطة الطاقوية، ما مدى استفادة الجزائر؟
التوتر الجيو-استراتيجي في العالم، تسبب في قلب موازين القوى العالمية وخلط أوراق الأسواق العالمية، بما فيها الطاقوية. كما حول أنظار الدول الأوربية نحو شمال إفريقيا أين يتمركز الغاز الجزائري كحل بديل، حول الجزائر إلى بطارية للطاقة تتنافس الدول الأوروبية على تمديد عقودها معها وإبرام عقود واتفاقيات جديدة، لضمان ملء خزاناتها من الطاقة لضمان شتاء دافئ، وهنا سطع نجم الجزائر كمورد موثوق وآمن للطاقة بالنسبة للزبون الأوربي.
أما فيما يخص الأسعار، فقد ارتفعت إلى أرقام قياسية غير مسبوقة تاريخا، لتناهز 300 دولار/ميغاواتر خلال صائفة 2022، بعد أن كانت لا تتجاوز 15 دولار/ ميغاواتر.
ما المنتظر في ظل ما يحدث؟
القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، المزمع انعقادها بالجزائر أواخر الشهر الجاري، ستكون مميزة ومحورية من حيث السياق العالمي الذي يتخللها والرهانات المنتظرة منها، حيث ينتظر من اجتماع القمة التوصل إلى إيجاد حلول لتمويل منشآتها الغازية ومشاريعها في مجال الاستكشاف والإنتاج، إضافة إلى بلورة رؤية مستقبلية لتطوير البنى التحتية، خاصة ما تعلق باقتناء البواخر المخصصة بنقل الغاز المسال عبر البحار، لما بات يتمتع به هذا الأخير من أهمية عالمية وحصص سوقية أكبر مقارنة بالغاز المصدر عبر الأنابيب. في هذا الصدد، أود الإشادة بالخبرة الجزائرية في هذا المجال، إضافة إلى ترسانة المنشآت القاعدية التي تتمتع بها، على غرار أنبوب الغاز الذي يصل حاسي رمل بإيطاليا بطاقة استيعاب تصل إلى 32 مليار متر مكعب، وأنبوب “مادغاز” تحت البحر، الرابط بين بني صاف وإسبانيا وصولا إلى البرتغال، بطاقة استيعاب تصل إلى 10,5 ملايير متر مكعب. وهنا أفتح قوسا لأذكر أن المنشآت القاعدية اللوجيستيكية لنقل الغاز، تعتبر ضمن المعايير المعتمدة لتحديد ترتيب الدول المصدرة للغاز من حيث وفرة المخزون، قوة الإنتاج والقدرة على توفير نقل شحنات الغاز من المورد إلى الزبون. وفي هذا الصدد، نفتخر ونعتز، كون الجزائر تتصدر الريادة من حيث خزان الغاز، حيث تمتلك 2400 مليار متر مكعب كخزان ثابت من الغاز، متمركزة خاصة بحاسي رمل كثالث أكبر حقل عالمي، بقدرة إنتاج تتجاوز 50% من الكمية الكلية المنتجة في الجزائر، حيث بلغ إنتاجه من الغاز سنة 2022، 127 مليار مكعب، ليقفز إلى 136 مليار متر مكعب سنة 2023، مع توقعات تجاوزه 140 مليار متر مكعب سنة 2024، بحسب تصريحات الرئيس المدير العام لسونطراك، حشيشي، سيصدر منها ما بين 52 إلى 56 مليار متر مكعب.
بحسب توقعاتكم، أي محاور سيتم إدراجها ضمن جدول أعمال القمة؟
نتوقع أن تتطرق القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز إلى انعكاسات التوتر الجيو-استراتيجي على مستوى البحر الأحمر، الذي يتحكم بـ15% من الحركة التجارية العالمية، مما يؤثر على حركة تصدير الغاز إلى الدول الأسيوية، ولو أن الجزائر بمنأى عن هذا التوتر، كون أغلب صادراتها من الغاز موجهة نحو القارة الأوربية. كما ستتطرق القمة إلى معطيات شاملة عن مستقبل سوق صناعة الغاز العالمية ودور الغاز الطبيعي في التحول الطاقوي. بالمقابل، ننتظر من القمة أن تقدم تحاليل معمقة لأسواق الغاز الإقليمية والعالمية، كما ستكون سانحة لتعزيز مكانة الدول المصدرة للغاز ودورها الريادي على مستوى الأسواق العالمية الطاقوية، وفرصة لتبادل الخبرات والتجارب فيما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة وإمكانية تطبيقها في تطوير إنتاج الغاز وتحويله.
صدر مؤخرا تقرير للدول العربية المصدرة للبترول”أوابك” مفاده، تصدّر الجزائر للمرتبة الأولى إفريقيا كمورد للغاز، متفوقة بذلك على الجارة نيجيريا، ما قولكم؟
بحسب تقرير الدول العربية المصدرة للبترول، فقد تم تصنيف الجزائر في المرتبة الأولى لتصدير الغاز المسال إلى أوربا بالدرجة الأولى وإلى تركيا بالدرجة الثانية، حيث بلغت كمية الغاز الطبيعي المسال المصدرة 13 مليون طن، ويرجع ذلك إلى قدرات الجزائر الإنتاجية من الغاز المسال، حيث بلغت قيمة إنتاجها من هذا المصدر الطاقوي سنة 2023، 136 مليار متر مكعب، وكذا إلى إمكاناتها الكبيرة في تحويل الغاز الطبيعي إلى غاز مسال، على مستوى مركبي أرزيو وسكيكدة، حيث تضمن عملية تصدير إنتاجها من الغاز المسال، 8 بواخر تتراوح طاقة استيعابها ما بين 125 ألف و172 ألف متر مكعب، دون التغاضي عن الدور الذي تلعبه كوادر وإطارات ومهندسو سونطراك ذات الكفاءات في تجسيد استراتيجية سونطراك لاكتساح السوق الغازية العالمية والهيمنة عليها، بدءا بالسوق الأوروبية كسوق تاريخي وتقليدي للجزائر. في هذا الصدد، ودائما في إطار الهيمنة على أكبر حصة سوقية أوروبية، قامت الجزائر بمضاعفة صادراتها من الغاز المسال بـ50% إلى فرنسا سنة 2023، ضعفي الكمية المصدرة سابقا. كما استرجعت الجزائر خلال نفس السنة، مكانتها كأول مورد للغاز المسال إلى إسبانيا، عبر أنبوب “مادغاز” الذي يصل بني صاف بإسبانيا تحت البحر، أين تمكنت الجزائر من تغطية 30% من حاجيات هذه الأخيرة من الغاز المسال.
كما صدرت الجزائر، ولأول مرة، كميات هائلة من الغاز المسال عبر أنبوب “ترانس ماد” الذي يصل الجزائر بإيطاليا عبر تونس، بكميات قياسية وصلت إلى 27 مليار متر مكعب.
ومن خلال مقارنة كميات الغاز المسال المصدرة سنة 2023 بتلك المصدرة سنة 2010، نسجل ارتفاعا يصل إلى 26%. وهنا يستحضرني ما تم نشره من طرف المجلة الأمريكية المتخصصة في الطاقة “وورك ماكينزي”، التي صنفت الجزائر، خلال الأربع سنوات الأخيرة، ضمن 4 دول الأولى من حيث عدد الاستكشافات الغازية، وحجم الاستكشافات الأكبر عالميا، كتلك التي تم استكشافها بمنطقة “أوهانت”، شمال منطقة حاسي بركين.
ما قولكم حول الاستراتيجية المنتهجة من طرف سونطراك في ما تعلق بتنويع سلتها الإنتاجية من مصادر الطاقة وتوسيع شبكة شركائها وزبائنها من مختلف دول العالم؟
ما تقوم به سونطراك حاليا من تكثيف عمليات التنقيب والاستكشاف والاستغلال والاسترجاع، جهود تؤكد المواكبة والمسار الصحيح نحو الريادة والأمن الطاقوي. وأود في هذا الصدد، أن أقدم مثالا حول الجهود التي تقوم بها بحقل حاسي رمل، حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة استغلال الغاز من 65% إلى 96% خلال السنتين المقبلتين. إلى جانب مشاريع قيد الإنجاز على مستوى حقول وآبار أخرى للغاز لربطها بمراكز إنتاج الغاز، بمنطقة عين أمناس، ورود نوس وأوهانت وحاسي مسعود، مما يؤكد حرص الجزائر من خلال عملاقها الطاقوي سونطراك، على تحقيق تنمية طاقوية مستدامة، إضافة إلى استثماراتها في مجال تقليص حرق الغاز، بما لا يقل عن 8 ملايير متر مكعب من الغاز/ سنويا، موجهة إلى التصدير.