لا نخفي إعجابنا بالتّجربة الإفريقية في خوض المعترك الفلسفي، فقد وجدناها تعود إلى جذورها، وتسائل أصولها كي تستنطق واقعها، وتعالج الإشكاليات التي تواجهها، بعيدا عن الانشغال بإشكاليّات (وهمية) لا تقدّم إضافة إلى الواقع المعيش، كأنْ يتصدّى المفكّر (العبقرينو) للحديث عن (ما بعد الحداثة)، دون أن يدرك بأنّ (لالّة «الحداثة») نفسُها، غير مطروحة أصلا على واقعه المغبون، بسبب إكراهات تاريخية وأخرى اجتماعية وثقافية وهلمّ جرّا..بل إنّنا تعوّدنا – في ضفّتنا المباركة – على نوعيّة ممّن يصفون أنفسهم بأنّهم (يفكّرون جدّا)، ولكنّهم لا يجدون ما يصرفون على التّفكير سوى ترديد مصطلحات (خشينة)، أو عقد مقارنات ساذجة يرفعون فيها «مقام» ما يتوسّمون أنه (حضارة الغرب). وهي نفسُها «الحضارة» التي لم تكفّ عن (زلزلة فهمهم)، فقد ظلّت تكشف لهم – بمناسبة وغير مناسبة – أنّها تتأسّس على معايير خاصة في تصنيف البشر، وأنّها تناصر (حروب الإبادة)، وأنّها لا تعترف أصلا بـ «الإنسان».
تعجبنا التجربة الإفريقية؛ لأنّها عرفت كيف تتجنّب الوقوع في فخّ (الانبهار) بالغرب، وعرفت كيف تمنح جهد التّفكير الفاعلية في الواقع الاجتماعي، فهي تأخذ الثّمار – بتعبير جبران – وتلقي الحطب إلى النار، ولا ترى أي حرج في الاعتزاز بالموروث الإفريقي، والترويج له، والإفادة منه، عكس تجربتنا التي أغرقت في تتبّع الغرب واقتفاء آثاره، والسيّر على (هديه!!).
ولا عتب على المشتغلين بالتّفكير إن هم (التهموا) كانط وهيغل، وذابوا في كيركغور ونيتشه، وهاموا في غرام هوسرل، لكن العتب على إهمال (حاسة النّقد)، والوقوع في فخ المطابقات مع المسار التاريخي الغربي، حتى صار يخيّل للواحد من النّاس أنّ الحضارة تقتضي الانقلاب على الفطرة الإنسانية السّليمة، وصار «التّفلسف» لونا من ألوان التّهريج.