الانتقال بالتعليم من الفرنسية إلى الإنجليزية، لغة العلم والتطوّر بالجزائر، كان خطوة شجاعة للجامعة الجزائرية، تهدف إلى مواكبة التطوّر المعرفي والتكنولوجي الحاصل في العالم، وتحسين مرئيتها والارتقاء بمستوى البحث العلمي ببلادنا، فكانت البداية بالوحدات التعليمية الأفقية غير الأساسية في كلّ الميادين والشعب والتخصّصات، وبالموازاة مع ذلك، تم تكوين الأساتذة الذين سيتولّون تكوين الطلبة بالإنجليزية، حيث انطلقت عدّة برامج تكوينية في هذا الخصوص.
لتقييم هذه النقاط والاطّلاع على أهم الفرص المتاحة مستقبلا بهدف التعميم، التقت “الشعب” المدير الفرعي للتعليم في الطور الثاني، المكلّف بمتابعة التعليم بالإنجليزية على مستوى الجامعات، البروفيسور منير زياتي.. فكان هذا الحوار..
الشعب:اعتماد التدريس باللّغة الإنجليزية قرار تم اتخاذه بداية من الموسم الجامعي 2022- 2023، كيف كانت البداية، وكيف كان التجاوب من الأساتذة والطلبة؟
البروفيسور منير زياتي: طبقا لتوجيهات وزير التعليم العالي والبحث العلمي المندرجة في إطار تعزيز مكانة اللّغة الإنجليزية في التكوين والتعليم العاليين، تم الانتقال من التعليم باللّغة الفرنسية إلى التعليم باللّغة الإنجليزية، لاسيما في السنة الأولى في العلوم والتكنولوجيا في مختلف ميادين التكوين والشعب علوم وتكنولوجيا (علوم المادة، رياضيات وإعلام آلي، علوم الطبيعة والحياة، علوم الأرض والكون، هندسة معمارية وكذا علوم تكنولوجيا).. في هذا الموضوع، وجّهت الوزارة الوصية عدّة مراسلات إلى كلّ المؤسّسات الجامعية منذ السنة الجامعية الماضية 2022-2023، حيث انطلقت العملية، كمرحلة أولى، في السداسي الثاني للسنة الجامعية الفارطة بتدريس الوحدات الأفقية باللّغة الإنجليزية، وبالموازاة مع ذلك، تم الانطلاق في تكوين الأساتذة الباحثين في اللّغة الإنجليزية للوصول إلى مستوى يسمح لهم بضمان تدريس مختلف المواد.. في هذا الشأن، وكمرحلة أولى، تم تسطير برنامج لتكوين الأساتذة، ابتداء من السنة الجامعية 2022-2023، للحصول على مستوى يوافق B2أوC1 على الأقل، في مراكز التعليم المكثّف للّغات الموجودة على مستوى المؤسّسات الجامعية.. التسجيل في مسار التكوين الليسانس في اللّغة الإنجليزية في الجامعات، وكذلك تم التنسيق مع الجامعة الأمريكية للتكنولوجيات “أمايتي”، حيث تم إطلاق منصّة رقمية (MOOC, Massive Open Online Courses) للتعليم عن بعد في اللّغة الإنجليزية والتي انطلقت في شهر جانفي 2023.
إضافة إلى ذلك، تم تنصيب لجنة وطنية للإشراف ومتابعة تنفيذ برنامج تكوين الأساتذة الباحثين وطلبة الدكتوراه في اللّغة الإنجليزية على مستوى مؤسّسات التعليم العالي، حيث قام أعضاء هذه اللّجنة بزيارات ميدانية للمؤسّسات الجامعية لتقييم التحضيرات والإجراءات المتخذة بهذا الخصوص.. وفيما يخصّ تجاوب الأسرة الجامعية.. ما لمسناه في الميدان، هو التقبّل والحماس الكبيرين، خاصة لدى الطلبة الجدد الذين رحّبوا بهذا المسعى، وتجاوبوا بشكل إيجابي مع هذا الطرح، خاصّة وأنّ هذا التحوّل نحو التدريس بالإنجليزية يتم بصفة تدريجية، والمسألة وقتية في انتظار الإنتقال النهائي.
67% من الأساتذة تكوّنوا في الإنجليزية..
المشروع الخاص بتعزيز التعليم بالإنجليزية له أهداف ومؤشّرات، ما هو تقييمكم للعملية، وأين وصلت؟
مع الدخول الجامعي الحالي 2023-2024، وطبقا لتوجيهات وزير التعليم العالي والبحث العلمي، تواصلت عملية تكوين الأساتذة والطلبة خاصّة حاملي شهادة البكالوريا 2023، فبالنسبة لهذه الفئة، انطلقت عملية التكوين عن بعد عبر نفس المنصة الرقمية، من 20 جويلية إلى 20 سبتمبر 2023، (أيّ بعد الإعلان مباشرة عن نتائج البكالوريا) هذا إلى جانب تسجيل عدد معتبر من الطلبة والأساتذة في برامج مختلفة سواء عبر مراكز التعليم المكثّف للّغات، أو التسجيل في مسار التكوين اللّيسانس في اللّغة الإنجليزية بالجامعات بما فيها جامعة التكوين المتواصل والتسجيل في المدارس الخاصة.. وبلغة الأرقام، تم بالنسبة للأساتذة، إحصاء 15719 مسجل في مراكز التعليم المكثّف للّغات، 1298 مسجّل في مسار التكوين الليسانس اللّغة الإنجليزية، 585 مسجّل في المدارس الخاصة، 30 ألف مسجل في المنصة الرقمية، 968 مسجلين في برامج أخرى، أيّ ما مجموعه 48570 من الأساتذة المتكوّنين، وهو ما يمثل 67% من مجموع الأساتذة.
وبخصوص الطلبة، فقد تم إحصاء 31931 مسجلا في مراكز التعليم المكثّف للّغات، 1298 مسجل في مسار التكوين الليسانس اللّغة الإنجليزية، 1204 مسجلين في المدارس الخاصة، فيما تم تسجيل 308333 مسجل في المنصة الرقمية موزّعين بين 208 آلاف ناجح في شهادة البكالوريا، والمعيدين للسنة، وهذا بالنسبة للسنة الأولى فقط، ناهيك عن تسجيل 148828 طلبة سنة أولى موجهين لليسانس سنة أولى من أجل تلبية حاجيات قطاع التربية للأطوار الثلاث الابتدائي، المتوسط والثانوي.. وما نريد أن نقوله هو أنّ عملية التدريس بالإنجليزية تجربة ناجحة وتسير في المسار الصحيح وسنصل للتعميم قريبا.
البدايـة كانت بالوحدات الأفقيـة ونتّجـه نحـو التعميـم..
عملية التدريس بالإنجليزية، شملت التخصّصات العلمية والتكنولوجية وبعض التخصّصات الإنسانية والاجتماعية.. على أيّ أساس تم تحديد هذه المجالات؟! هل هناك تخصّصات أخرى ستشملها العملية مستقبلا؟
مع الدخول الجامعي الحالي 2023-2024، تقرّر توسيع التعليم باللّغة الإنجليزية ليشمل جميع مواد التدريس، في السنة الأولى، بما فيها الوحدات الأساسية، الوحدات المنهجية، الوحدات الأفقية والوحدات الاستكشافية في العلوم والتكنولوجيا (علوم المادة، رياضيات وإعلام آلي، علوم الطبيعة والحياة، علوم الأرض والكون، هندسة معمارية وكذا علوم تكنولوجي، والعلوم الطبية بكلّ فروعها بما فيها البيطرة) باعتبار أنّ البحوث في مثل هذه التخصّصات تنجز وتنشر باللّغة الانجليزية، إلى جانب تدريس الوحدات الأفقية (المواد الثانوية) باللّغة الإنجليزية في العلوم الإنسانية والاجتماعية (كالعلوم الاقتصاديةـ علوم الإعلام والاتصال، حقوق وعلوم سياسية..).. وتم ذلك بمجرد الإعلان عن نتائج الناجحين بشهادة البكالوريا، تم الانطلاق ابتداء من 20 جويلية إلى 20 سبتمبر 2023 في تكوين حاملي شهادة البكالوريا، وذلك بعد تسجيلهم في المنصة الرقمية وبالموازاة مع ذلك تواصلت عملية تكوين الأساتذة.
ومن أمثلة ذلك، جامعة البليدة 1.. كلّ مواد التدريس في السنة الأولى هي باللغة الإنجليزية في جميع ميادين وشعب التكوين بما فيها العلوم الطبية، نفس الأمر بالنسبة لجامعة تلمسان، ولجامعات المسيلة، سيدي بلعباس، ورقلة، وغيرها..
وكذلك الأمر بالنسبة للمدارس العليا، على غرار المدرسة العليا للإعلام الآلي، المدرسة الوطنية العليا للأشغال العمومية، المدرسة الوطنية العليا للتكنولوجيا والهندسة بعنابة، المدرسة العليا للرياضيات، المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، وغيرها.. بالنسبة لجامعة الجزائر 3، تم استحداث 3 مجموعات في ميادين تكوين السنة الأولى تدرس كليا باللّغة الإنجليزية وذلك بكلية العلوم الاقتصادية، التسيير والعلوم التجارية بـ250 طالبا، علوم الإعلام والاتصال بـ103 طلاب، علوم سياسية ابتداء من السداسي الثاني بـ35 طالبا، إلى جانب وجود مسارات تكوين أخرى على مستوى بعض المؤسّسات الجامعية، تدرس كليا بالإنجليزية منها، مسار تكوين في الماستر تخصّصي “تسويق رقمي” و«أمن المعلومات الالكتروني” بجامعة سطيف 1، مسار تكوين في شعبة علوم التسيير بجامعة المسيلة، مسار تكوين إعلام آلي من السنة الأولى ليسانس إلى السنة الثانية ماستر بالمركز الجامعي إليزي، ناهيك عن معهد الهندسة الكهربائية والإلكترونيك بجامعة بومرداس، الذي يدرّس فيه باللّغة الإنجليزية منذ نشأته سنة 1976 كما هو معروف في جميع التخصّصات وجميع المستويات.
98 % من الأعمال البحثية والمقالات بالإنجليزية ..
تعدّ الانجليزية لغة النشر الأولى عالميا سواء بالنسبة للبحوث أو المقالات، هل تتوقّعون انتعاشا في المادة البحثية بالجزائر، وبالتالي إعادة تصنيف الجامعة الجزائرية؟
تعتبر اللّغة الإنجليزية هي اللغة رقم 1 في العالم يتحدث بها أكثر من 400 مليون شخص حول العالم، وإذن تعلّم اللّغة الإنجليزية يسهّل على الطالب التواصل مع العالم الخارجي وتوسيع دائرة اختياره للفرص المتاحة، بالإضافة إلى أنّ أكثر من 98 % من الأعمال البحثية والمقالات والمجلات العلمية في العلوم والتكنولوجيا محرّرة باللّغة الإنجليزية، وعليه، يجب علينا مواكبة التعليم باللّغة الإنجليزية حتى يتسنى لنا تثمين هذه البحوث العلمية وكذلك الجانب البيداغوجي أو الأكاديمي ممّا يحسّن مرئية المؤسّسات الجامعية وبالتالي تصنيفها العالمي؛ لهذا يمكن القول أنّ هذا التوجّه هو أمر حتمي وضروري، وفي كلّ الأحوال، تعلّم اللّغات الحيّة هو في حدّ ذاته مكسب، سواء بالنسبة للأستاذ أو الطالب من أجل حسن التواصل ومواكبة التطوّرات العلمية والتكنولوجية في العالم، وسيسهّل التبادل والتعاون مع المؤسّسات التعليمية والبحثية على المستوى الدولي.
بالعودة إلى البرامج التكوينية المسطّرة لتعزيز التدريس بالإنجليزية، ما طبيعة هذه البرامج، وهل تتغير حسب كلّ تخصّص، وهل هناك فرص أخرى تتيحها الرقمنة في هذا المجال إلى جانب منصّة التعليم عن بعد؟
الهدف من التكوين بالنسبة للأساتذة والطلبة هو الحصول على مستوى تعلم يوافق B2أو C1 يسمح لهم بضمان التدريس في مختلف المواد، وعند الضرورة يمكن إطلاق منصات أخرى للتعليم أو التسجيل في التكوينات عن بعد تخصّص إنجليزية التي تضمنها بعض مؤسّسات التعليم العالي كجامعة تلمسان والمسيلة.. والحمد لله، كلّ الجامعات انخرطت في هذا المسعى، ومنها التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال على غرار جامعة البليدة 1، جامعة هواري بومدين بباب الزوار، وجامعة إليزي تخصّص إعلام يدرس بالإنجليزية في الثلاث سنوات الأولى ليسانس وكذا الماستر، ومنها الجامعات التي قامت باتخاذ مبادرات من تلقاء نفسها، من خلال ضمان هامش حرية باتخاذ كلّ ما من شأنه أن يساعد تعزيز التدريس بالإنجليزية، فقد تم تسجيل أكثر من 3 آلاف أستاذ في التعليم عن بعد ليسانس لغة انجليزية، إلى جانب المدارس العليا التي لا تملك مراكز لغات مكثّفة، قامت بإبرام اتفاقيات مع مدارس خاصة لتكوين الأساتذة، ومنهم من قام بالتسجيل في المراكز الثقافية سواء الأمريكي أو البريطاني.
الجامعة جاهزة لتلبية حاجيات المحيط الاقتصادي والاجتماعي..
هل يمكن أن يؤدّي التدريس باللّغة الإنجليزية إلى الحديث عن تخصّصات آيلة للزوال، في مقابل ظهور تخصّصات أخرى جديدة تلبية وتماشيا مع ظهور مهن جديدة تفرضها الحركية الاقتصادية والرغبة المتسارعة في اكتساب المعارف التكنولوجية؟
التدريس بالإنجليزية لا علاقة له بالتخصّصات، فهذا الأمر مرتبط بظهور الحاجة لذلك أو طلب جديد سواء من المحيط الاقتصادي والاجتماعي، والانجليزية هي لمواكبة التطوّر الحاصل في العالم وتسهيل التواصل والاحتكاك بالزخم المعرفي المتاح باللّغة الأولى في العالم.
في المقابل، شرعت الجامعة الجزائرية في التحضير لمهن المستقبل من خلال اعتماد تخصّصات جديدة إلى جانب رقمنة القطاع الذي يعدّ من أهم وسائل العصرنة، وما نلاحظه اليوم هو أنّ التغيرات العديدة التي مسّت كثيرا من الميادين نتيجة إفرازات العولمة ضمن عصر التكنولوجيا والإبداع، ما نتج عنه أساليب عمل جديدة ومهن تتطلّب مهارات عالية، ولهذا يجب العمل على المواءمة بين العرض والطلب في سوق العمل والذي يتحقّق بالتنسيق بين التعليم العالي واحتياجات القطاع الاقتصادي والاجتماعي.. في هذا الإطار، عمل القطاع على إدراج تخصّصات جديدة مع الدخول الجامعي الحالي، على رأسها الذكاء الاصطناعي والروبوتيك، علم النانو والنانو تكنولوجيا لتحضير إطارات المستقبل، إحداث شبكات موضوعاتية ذات الصلة بالبيئة والطاقة كتخصّصات في تحلية مياه البحر والمياه المالحة، إعادة استعمال المياه المستعملة، الهيدروجين الأخضر، الإعلام الآلي الكمي، إلخ.. والهدف من كلّ هذا، هو تكوين موارد بشرية مؤهّلة، والمساهمة في تطوير التنمية المحلية والاقتصادية ككلّ.