يعكف قسم الأدب والفنّ والتراث الأمازيغي التابع لمركز البحث في اللّغة والثقافة الأمازيغية، على التحضير لتأليف كتاب جماعي دولي حول “طقوس يناير بين أصالة الهوية، والمرجعية الثقافية”، ودعا المهتمين أساتذة وباحثين، أن تكون المادة البحثية على ضوء ما تم اقتراحه في ديباجة العمل من أفكار يجب أن يتناولها هذا الاستكتاب الجماعي الهام.
جاء في سطور الديباجة، “إنّ ما يميز الإنسان ويعطيه خصوصية وجودية، القدرة التي يملكها على عقل الأشياء، وإنشاء الرموز وشبكة المعاني؛ فالعيش بالرموز وتوظيفها فعالية إنسانية بكلّ امتياز، بها يعيش الإنسان، ويؤنّث وجوده، ويبني عالمه المادي والمعنوي، ويرسي نظام الأشياء والعلاقات بينه وبين الآخرين من الناس، وبذلك تشكّل هذه الرموز والمعاني الثقافة الشعبية التي تنتجها كلّ أمة، لترى فيها نفسها، وتسترجع ماضيها، وتثبت أصالة وجودها، وعمق مساهمتها في الإرث العالمي؛ فلكلّ أُمّة تاريخ شفوي، يحكي أمجادها وبطولاتها بطريقة تعطي معنى لحياتها الجماعية”، ويلتحم ما هو تاريخي وواقعي بما هو ميتافيزيقي في قالب واحد، تستطيع الأساطير وحدها أن تحكيه بكلّ ثقة. وهو لا يحتاج إلى حجج وبراهين؛ فهو يعبّر عن روح الشعب، وكيانه، وتاريخه العميق”.
وحسب ذات المصدر، فيناير هو آخر يوم للبذر والحرث بالنسبة للفلاحين. كذلك يكون هذا اليوم شاهدا على كلّ ما عرفته المنطقة من تحوّلات دينية وثقافية بعد الحرث والبذر ومباركة الموسم الفلاحي؛ من خلال تنوّع طقوسه ومظاهره الاحتفالية من منطقة إلى أخرى؛ حيث يشير هذا الموسم إلى ثراء منطقة شمال إفريقيا، وقدرتها على أن تكون خزّانا ثقافيا وهوياتيا لشعوب المنطقة ذات الأصل الواحد والمشترك الثقافي الواحد؛ إذ تجد الاحتفال به في مختلف المناطق، وبطرق وطقوس مختلفة، قد تغيّرت بمرور الزمن، واشتملت على كمّ هائل من المظاهر الاحتفالية التي تشير إلى التنوّع الديني والحضاري للفضاء.
كما تضمّنت توطئة العمل الجماعي المرتقب، تعريف شامل لمناسبة يناير “رأس السنة الأمازيغية” وما يرتبط بها من تماثلات حضارية، حيث أفادت بأنّ عادات ومعتقدات يناير تعدّ امتدادا للثقافة الأمازيغية الضاربة في القدم، إضافة إلى مختلف الحضارات والمعتقدات التي مرت بالمنطقة، خاصة أنّ احتفالية يناير هي احتفالية تعتمد على الذاكرة الشعبية والتاريخ الشفوي، وهي تنتمي إلى فئة الثقافة الشعبية، وبالتالي يمكن اعتبار يناير جزءا من التراث الأمازيغي، ومكوّنا أساسيا من مكوّنات الهوية الوطنية الجزائرية، خاصّة أنه تم إدراجه كعيد وطني من خلال مرسوم رئاسي، جعل من يوم 12 جانفي عطلة وطنية رسمية، وهنا أصبحت تلك الاحتفالية تعبيرا عن الهوية الجزائرية في عمومها، وبعمقها الأمازيغي الثقافي.
ويطرح هذا المؤلَّف الجماعي إشكالية “إلى أيّ مدى تعكس أصالة يناير البعد الهوياتي؟”، و« كيف أصبحت الطقوس والممارسات الاحتفالية لليناير كمرجعية ثقافية لمنطقة شمال إفريقيا؟”، و« لماذا ماتزال طقوس ومعتقدات يناير حاضرة بأبعادها الثقافية والاجتماعية والدينية رغم كلّ التحوّلات، حافلا بالبطولات والإنجازات التي تعبّر عن الهوية؛ فالتراكمات الثقافية التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا منذ فجر التاريخ مرورا بالحضارات التي تعاقبت على المنطقة وتمازجت مع الحضارة الأمازيغية، كانت مصدرا ومرجعا لشعوب المنطقة في بناء معتقداتها الدينية، وطقوسها الفلكلورية، واحتفالاتها التي أصبحت مع مرور الوقت، مواسمَ تقام كلّ سنة؛ كتعبير عن ثراء المنطقة، وتنوّع مرجعياتها الثقافية.
ومن بين تلك الاحتفالات الثقافية، نجد احتفالية موسم رأس السنة الأمازيغية أو طقس يناير، الذي يُعد أكثر الأعياد والعادات الأمازيغية انتشارا وحضورا واحتفاء به في الجزائر وهو على صلة وطيدة بهوية سكان المنطقة الأصليين. ويعبّر “يناير” عن الإرث الثقافي، والبعد الهوياتي للمنطقة.