حققت المعاملات المالية الرقمية خطوات عملاقة في الترسيخ لنفسها بواقعنا المعيش، وصارت البطاقات البين-بنكية والذهبية، مهيمنة على حقل دفع الفواتير الخاصة بالكهرباء والماء والكراء، إلا أن استعمالاتها بالمحلات التجارية (صيدليات وبقالات وجزارات وغيرها)، تبقى محدودة جدا، وتتوقف عند حدود «مساحات كبرى» معدودة، لا تتجاوزها..
ولا نحقّق سبقا مهمّا إذا قلنا إن (الأشقاء التجار) ما يزالون بعيدين عن المعاملات المالية الرقمية، رغما عن البنوك التي وضعت في متناولهم أجهزة الدّفع (TPE) مجانا؛ فهم – ما شاء الله عليهم – معروفون بالحفاظ على العادات والتقاليد، ولهذا يصمدون في خندق الدفاع عن (التراث) بحكم أنه عنوان «الأصالة».. وليس يمكن لأيّ (تاجر شاطر) أن يفوّت على نفسه حلاوة سحب دنانير إضافية من زبونه بحجة (ما كانش الصّرف)، وبما أن بطاقة الدفع لا تتيح هذه الهواية المتميّزة، فإنها تكون بالتأكيد مضادة للتقاليد، وينبغي تجنبها قدر المستطاع..
هناك مشكلة أخرى عويصة تطرحها بطاقة الدفع الرقمي، فهي تحرم (الشّطار) من ممارسة رياضة (القفز العالي) في مضامير «الأسعار»، بحكم أن جهاز الدّفع (الشّرير) يرتبط عادة بحاسبة (شريرة هي الأخرى) تسجل الأسعار مباشرة من «الشيفرات» الملصقة على السّلع، وهذا خروج فظيع عن الموروث التليد للتجار الذين تعوّدوا على (الانفتاح) و(الحرية) في اختيار الأسعار المناسبة للزبائن المناسبين، وهذا بالذات عين الحرمان من رياضات القفز العالي والطويل و(المتشقلب)..
بقيت ثالثة الأثافي، وعويصةُ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهي أن قبول بطاقة الدفع، يعني الارتباط بحساب بنكي، والحساب البنكي يسجل المداخيل و(المخاريج)، ويفرض وجود ذلك الشيء «المخيف» المسمى (السجل التجاري)، وهذا «السّجل» يفتح أبواب «الضرائب» و»التأمين» ومصاريف أخرى، قد تكون أرقاما مهملة مقارنة بالعمليات التجارية، لكنها لا توافق الأعراف والتقاليد الموروثة..