كثيرا ما تتردد أحاديث عن نهاية عصر الجرائد السيارة، وانتقال (العالم) إلى تلقي أخباره من خلال الشّاشات الصغيرة دون حاجة إلى مكابدة عناء «القراءة»، وكثيرا ما يُقال إن منصات التّواصل الاجتماعي تمضى (منتصبة القامة) إلى احتكار المتابعين، والاستحواذ على (المقروئية)، رغما عن الصحف التي تصدر في جميع أركان العالم بانتظام، وتشتغل باحترافية عالية، وتحقق السّبق، وتحتفظ بجميع مقوّمات النجاح، وإمكانات التّفوق..
وقد يكون واضحا أن معظم (المتشائمين) بواقع الصّحف الكلاسيكية، وحتى التلفزيونات الحداثية، هم أولئك الذين يعتقدون (اعتقادا خالصا) أن «أنترنيت» هي «فايسبوك»، وأن العالم يتوقف عند (حاجتهم البسيطة من المعرفة) لا يزيد عليها، بل إنهم يتوسّمون في أنفسهم القدرة على امتلاك «الحقيقة» بمجرد قراءة «عنوان» لا يعرفون له أصلا، ولا مصدرا، ولا خلفية.. والعجيب، أنهم لم يتمكنوا من مراجعة أفكارهم النمطية، رغما عن فظاعة الصّدمة التي (عركتهم) بها أنترناتهم (بمعنى فايسبوكهم)، منذ بدأ الكيان الصهيوني حربه الآثمة على فلسطين..
وقد لا ينتبه المتشائمون إلى أن الثورة المعلوماتية ليست احتكارا خالصا لهم، ولا يدركون أن الصحف الكلاسيكية تستفيد منها بأكثر مما يستفيدون، بحكم أن الصحفيين (أصحاب صنعة وبيان)، وليسوا مجرّد هواة يردّدون ما يتلقفون دون (قراءة ونقد وتمحيص)؛ لهذا، تجد المتشائمين (يقاسمون) ما يصلهم من الصحف الكلاسيكية، كأنه سبق حققوه، أو (إعلام) ارتكبوه..
ويعلم العاقل أن الأمر مناطه الفائدة، سواء كانت خاصة أو عامة؛ لهذا يأخذ الثمار من الجرائد والإذاعات والتلفزيونات ومنصات التواصل، لا يحتاج المفاضلة بينها، ولا الانتصار لهذه على حساب تلك.. تماما مثلما لا يحرّك أدوات (الانبهار) و(الخلعة) بمجرد الاطلاع على منشور لواحد من الفسابكة يدّعي أنه (يصارع العفاريت) و(يحسن الرقية في الكبريت).. ولله في خلقه شؤون..