مازلنا نقول إن «الرواية العربية» (عموما) تكتفي بـ»الموهبة»، ولا تشتغل على الأصول الأجناسية كما تقتضي القواعد، فإن فتح الله علينا برواية تستحق اسمها، فهي في الغالب عمل سارد محظوظ، أو دارس متمكّن، وهما معا، يمثلان فئة قليلة جدا، يكاد أفرادها يعدّون على الأصابع، وهذا – بطبيعة الحال – يعود إلى إكراهات تاريخية وأخرى حضارية، وكثير من الإشكاليات التي تطرحها «القراءة» وترجمة المفاهيم المؤسسة للعمل الأدبي، وهلمّ جرّا مما لا يمكن أن تستوعبه هذه المساحة..
حاصل الحال إذن، أن كتاب الرواية الموهوبين، قد يأتون بأعمال تحمل أشياء من ملامح (الامتياز)، ولكن حرمانهم من النظريات النقدية المؤسسة، يفرض عليهم التوقف عند تلك الخطوط من الملامح، فهم لا يمتلكون من أدوات الإبداع غير «الموهبة»، ما يجعل الواحد منهم شبيها بـ(المقنـين الزين)، وهذا مبدع متألق، يتصرف – بالطبيعة – في بناء مقطوعات موسيقية رائعة، يهيم بها الشيوخ والولدان، غير أن مقطوعاته، لا يمكن أن تخرج عن ميزان الـ(تيوا واطي)، سواء كانت (طويلة) أو (قصيرة) أو حتى (ماندولين) كما يصفها العارفون بأغاريد الأطيار.. ولا تختلف الحال مع الرّوائي الذي يكتفي بالموهبة، فهو لا يتمكن من الخروج عن الأفكار المسطحة التي يعالجها في كل رواية، دون أن يحقق بها غاية تفيد، أو يصل معها إلى حلّ ينفع..
وقد يحظى الروائي الموهوب بمحبة الناس، وتشجيعهم، وهو في هذه أيضا، لا يختلف عن المقنيـن الذي يحبه الناس، ويصرفون الغالي للحصول عليه، وهنا يمكن أن نقلب الموضوع كي تتضح الرؤية، فنسأل: ماذا لو يكتسب المقنـين أدوات التعامل مع السلم الموسيقي؟! هل يبقى بيتهوفن موسيقارا وحده؟!.. الحديث قياس..