اليوم الوطني للشّهيد..الاسم الأغلى والمعنى الأسمى الذي حظي به الجزائريّون، بفضل ملايين من الرّجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأوقدوا للحريّة أنوارها، ليخرجوا في مواجهة مفتوحة مع أبشع احتلال في التاريخ، لا يمتلكون من السّلاح سوى الإيمان بالقضية، ولا مطمع لهم في الحياة سوى تحقيق الاستقلال.
ولم يكن التعامل مع دهاقنة المستعمرين سهلا ميسورا، فقد أثبتوا، منذ وطئت أقدامهم هذه الأرض الطيبة، أنّهم وحوش كاسرة، فأقدموا على المجازر والمحارق والاغتيالات، ولم يرحموا طفلا ولا امرأة ولا عجوزا..بل إنّ الوحشية بلغت بهم درجة أنّهم كانوا يقتلون الجزائريّين، ثم يقطعون رؤوسهم، ويحملونها معهم للاحتفاظ بها فيما يطلقون عليه اسم (متحف الانسان)، فتراكمت لديهم مئات الآلاف من الجماجم، وهذه فظاعة لم تكن في عقائد الجيوش، ولا من أخلاق الفرسان، لكن جيش المستعمر الفرنسي كان مختلفا، بل كان (مصّاص دماء بشع)، ولقد أمعن في قتل العزّل، حتى إنّه أقام (معرضا) بأكثر من خمسمائة رأس رشقها على (الرماح) وصفّفها على طول جانبي شارع باب عزون، في أول يوم استعمار..
ولقد سألنا مدير (متحف الانسان) عن (عقلية) الاحتفاظ بجماجم البشر، ونحن نبدي شيئا من التّعجّب، فردّ قائلا إنّ الغاية علمية (أنثروبولوجية) محض، والقصد منها معرفة التغيرات التي تطرأ على الإنسان، وكان المدير يعلم (بطبيعة الحال) أنّ التّغييرات المفترضة التي (يتوكّأ) عليها لا يمكن رؤيتها (بالمجهر ولا بالعين المجردة) في مجرّد القرن من الزمان أو القرنين، ولقد لمح (قهقهاتنا من سوء ما احتجّ به) وهي تكاد تنفجر في وجهه..
ليس مكابرة ولا استكبارا..حقّنا استرجاع جميع شهدائنا المحبوسين في (متحف الانسان)، وتكريمهم باحتضان الأرض التي افتدوها بأرواحهم، فهل يسمع الفرنسيس، أم يواصلون الحمق الأنثروبولوجي؟!