تزاحمت «المابعديات» منذ فسحت «الحداثة» لـ «ما بعد الحداثة»، و»ما بعد البنيوية»، و»ما بعد الكولونيالية» و»ما بعد الهلمّ جرّا»، وتكاثرت حتى أصبح النّاس يزيّنون «الشيء» اليوم، ليُتبعوه بـ «ما بعد الشيء» غدا، وتتابعت أجيال شبكات الاتصال من الـ (15-15) إلى «ما بعد الجيل الرابع»، ونسي الناس (دودة النوكيا) الشهيرة و(السوبر ماريو)، ليصبح الحديث مركّزا على «ما بعد الهاتف الذكيّ».
ويتبارى (أهل الكلام) في صياغة مآثره، وتوقّع أشكاله، فقد لاحظوا أنّ كبار الصناعيين لم يعودوا يتمتّعون بما يكفي من «الخيال» لإضافة شيء يستحق (اللايك)، و(يثمّن) المنتجات، ويمنحها (يوما أو بعض يوم) من الرّواج، ينفع في رفع أسهم البورصات، أو يلقي بالحسابات الجارية إلى (ما بعد البورصات).
الحاصول وما فيه، أن شيئا من التململ بدأ ينسحب على الهواتف الذكية، فقد تطوّرت إلى درجة لا يمكن معها أن تتقبّل الجديد المبهر، فتوقفت حال الصناعيين، وصار الآيفون (الذي هو الآيفون) يبحث عن (الشاري) فلا يجده؛ لهذا، حرّك الصّناعيّون أدوات البحث عن فكرة جديدة تبعث الحياة في الشاشات، وقيل إنّ «هاتف المابعد» سيكون أكثر ذكاء من «هاتف الماقبل»، ويستحسن أن لا يتجاوز في حجمه زرّ المعطف، ويمكن زرعه وراء الأذن، أو إلصاقه بالملابس، حتى إذا أراد صاحبه استعمال الراقن، يكفي أن يطلق عليه (تعزيمة) صغيرة (من قبيل: أوكي هاتف)، فيُخرج راقنا ضوئيا (في الهواء)، أو يرسمه على كفّ مستعمله، بل إن هناك من يذهب إلى أن التواصل الجديد، يمكن أن يكتفي بـ (النّية) المجرّدة، فالهاتف يحفظ عادات مستخدمه، ويعرف مواقيت حاجته إلى (قهوة دوبلي)، ومواعيد شوقه إلى (حمّص دوبل زيت)، وهكذا لا يبقى أمام (الأذكياء الحقانيّين) سوى تشغيل الآلات، واكتساح السّاحات، في انتظار الـ «ما بعد» الجديد..ولله في خلقه شؤون.