بنظرة ثاقبة ورؤية واضحة وثقة قوية في قدرات المورد البشري الجزائري، استعادت الجزائر الجديدة الروح الثوري، وأعادت الثروات الباطنية إلى جادة الصواب، لاستغلالها بشكل يسمح لها بأن تكون في خدمة التنمية الوطنية.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وفايزة بلعريبي
في الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الإتحاد العام للعمال الجزائريين، تتمسّك الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بذلك النهج القويم، برمزيته ومكاسبه وطموحاته العالية، رافعة رهانات كبرى، ومجسّدة مشاريع ضخمة، أطلقت من خلالها ثورة جذرية وتغييرا عميقا في المنظومة الاقتصادية، جاعلة من ثروة الطاقة خادمة للتنمية وتكثيف النسيج الاقتصادي.
إن تحدي الأمس يشبه تحدي اليوم، لأنه جاء بنفس الروح الوطنية، وفي ظل رهانات متشابهة، لهذا، تواصل الجزائر تطوير قدراتها الإنتاجية والاستكشافية للطاقة، خاصة بعد أن أرست استراتجيات رصينة، وأسست لمشاريع استثمارية واعدة غير مسبوقة لتنويع وتكثيف تدفق الطاقة من بترول وغاز وطاقات متجدّدة، في الأسواق الخارجية، حتى أصبحت الوجهة المفضلة لأكبر الشركات العالمية في حقول الطاقة للاستثمار في مخزونها الكبير.
تعود رمزية الذكرى في هذه المحطة المركزية، فلا يمكن للجزائريين أن ينسوا ما حقّقوه بسواعد أبنائهم في تلك الفترة المشرقة، يوم كان التحدي غاية في الخطورة والحساسية والأهمية، لذا يمكن القول إن الرهان واحد ومستمر تتعاقب عليه الأجيال من عمال وإطارات قطاع المحروقات بنفس الحماس والإخلاص، لأن الهدف واحد يتمثل في تأمين ديمومة النشاط وحماية الأمن الاقتصادي والمالي للجزائر.
إن تاريخ الطاقة في الجزائر، حافل وثري، بل باعتبار أن تجربة الجزائر كانت حافزا للعديد من الدول لتقدّم على تأميم محروقاتها، وحاليا، ينظر بإعجاب لمسار الجزائر وتطورها الكبير في إنتاج وضخّ الطاقة، ما يدفعنا إلى التأكيد على أن التقدّم المحقق بهذا الريتم السريع، إنما يدفعه رصيد تاريخي وخبرة وعزيمة، وتوجيهات حصيفة من رئيس الجمهورية، كي تكون الجزائر بين أكبر الدول المؤثرة في هذا القطاع الاستراتيجي.
الخبير محفوظ كاوبي: من التأميم.. إلى كفاءة الأداء والتنافسية العالية
وقف الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي محفوظ كاوبي، عند أبعاد محطة حاسمة في تاريخ الجزائر والمتمثلة في تأميم المحروقات، وقال إنها تمثل قرارا تاريخيا، وذكرى فاصلة واستثنائية، حملت اقتصاد البلاد إلى مكانة فارقة، مجسّدة السيادة الطاقوية، ومن ثمّ نجحت في تعبيد الطريق لبناء جزائر قوية اقتصاديا ومؤمنة طاقويا، وكل ذلك مهّد أن تشق الجزائر نهجا جديرا بالفخر، وتحولت – على مدار عقود – إلى أحد أهم مُنتجي ومُوردي الغاز في العالم، وهذا ما جعلها تحتل موقعا استراتجيا في الأسواق الخارجية، وانعكس ذلك على دورها وتواجدها داخل منظمة أوبك، بحكم أنها أحد الأعضاء الذين يهندسون للقرارات الصائبة والمؤثرة في التوازنات الخارجية لمعادلتي العرض والطلب، على خلفية أن السوق يلعب فيه الكبار وتؤثر عليه التغيرات الجيو استراتجية، ودون شكّ فإن هذا الموقع المحقق، لم يكن وليد الأمس، بل جاء على إثر تراكم خبرات وحنكة وعمل كبير متواصل.
وعبّر كاوبي عن قناعته بأن سونطراك تعمل وفق منهجية بناءة عنوانها “النجاعة”، وألح على أهمية التركيز على الرفع من معامل التنافسية مستقبلا، ليؤكد أن هذين عاملين رئيسيين في معادلة الحفاظ على المكاسب والزيادة في مستوى فعالية الأداء، من أجل أن تحافظ سونطراك على حصتها من الأسواق العالمية، بعد أداء تاريخي ساطع وتحكم باهر لإطاراتها في التكنولوجيا، جسده تحقيقها للعديد من الاستكشافات المهمة خاصة خلال الفترة الأخيرة، وبالتحديد في عام 2023.
وأوضح الخبير كاوبي، أن عملية تسريع وتيرة النمو مرتبطة بالزيادة في حجم الاستثمارات، ويتطلّب الأمر تحسين الحوكمة والزيادة من فعالية التسيير، مقترحا في نفس الوقت التكثيف من حجم الشراكات في المستقبل.
وعاد كاوبي، ليشرّح ذلك الوهج والتحدي القائم انطلاقا من ذكرى تأميم المحروقات، ووقال إنه مازال على مساره القويم، يسير بنفس العزيمة، يتناقلها جيل بعد جيل، بهدف مشترك برمي إلى بناء جزائر قوية أمنيا واقتصاديا وطاقويا، معتبرا أن مكاسب كبيرة تحقّقت منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، خاصة الانطلاقة القوية المسجلة خلال السنوات القليلة الماضية في مجال الرفع من إنتاج الطاقة، مسلطا الضوء بكثير من التفصيل على أداء قطاع المحروقات بصفة عامة، على خلفية أنه جسّد العديد من الانجازات، انطلاقا من تأميم المحروقات وبناء قاعدة إنتاجية وتحويلية مهمة، تتصدرها سونطراك وفروعها المختلفة في مجال التنقيب والبحث والإنتاج وكذا النقل وتحويل المحروقات، سواء كان بترولا أو غازا، وكذا استثمارات أخرى في قطاع الطاقات المتجدّدة خلال السنوات الأخيرة على وجه الخصوص.
سونطراك.. أداء احترافي
ولم يخف الخبير كاوبي، خلال تطرقه إلى إنجازات مجسدة على أرض الواقع، أن هذه المكاسب جلية وظاهرة للعيان، وأفضت إلى جعل الجزائر بلدا متواجدا في الساحة الطاقوية العالمية، سواء في سوق البترول أو سوق الغاز، وزيادة على ذلك، فإن الجزائر تعتبر من بين الموردين الموثوقين ولديها سمعة جيدة، خاصة بعد أن تمكنت سونطراك من فرض ثقلها كشريك، يتحكم في الجانب التكنولوجي، وأيضا كشريك موثوق من ناحية الوفاء بالالتزامات التجارية مع مختلف زبائن الجزائر.
بالفعل، يواصل كاوبي، فإن الطاقة عصب التنمية ومحرك الاقتصاديات، ونجاح الجزائر الجديدة التي استدركت ما فات بعد فترة صعبة عاشتها سونطراك من ناحية بطء الاستثمارات، وسجلت نجاحها بعودة ملحوظة وانطلاقة قوية ومستوى أداء احترافي، مازال يشهد منحى تصاعديا، انصهرت فيه كل الجهود المحلية، لجعل سونطراك المجمع الرائد قاريا وإقليميا، أكثر قوة عبر السعي والعمل المتواصل في الميدان، بهدف الرفع من قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية، سواء ما تعلّق بحصص البترول أو الغاز.
عودة الشركات الأجنبية للاستثمار
وركز الخبير كثيرا على الأهداف الأساسية الحالية والتحديات الجوهرية الراهنة الجاري ترجمتها، وفق خطّة فعالة وإستراتجية مدروسة ودقيقة، والمتمثلة في الزيادة من مخزون الجزائر من الغاز والنفط، ولم يخف أن كل المنجزات تطلّبت رصد استثمارات مهمة في مجال التنقيب، وإقامة شراكات هامة مع الشركات الكبرى على المستوى العالمي، ومن الطبيعي أن يتضمن برنامج الاستثمار لشركة سونطراك في الفترة الممتدة بين 2024 و2028، تسخير أزيد من 40 مليار دولار، من أجل تطوير القدرات الإنتاجية وتعزيز قدرات البحث، بالإضافة إلى إقامة شراكات مع أكبر الشركات العالمية، وهو ما يتمّ تجسيده منذ عام 2019، وبعد سنوات من الأداء والحركية، بدأت الشركات الأجنبية تنجذب بقوة إلى الجزائر، بل إنها صارت تمنح اهتماما أكبر للاستثمار والتنقيب في الجزائر، ومن هذه الشركات “إيني” و«كونتينونتال”، إلى جانب شركات أمريكية أخرى رائدة في مجال الغاز والإنتاج البترولي، كونها منذ أشهر، تعمل على دراسة الإمكانات من أجل العودة واقتحام عالم الاستثمار بالجزائر بالشراكة مع مجمع سونطراك بطبيعة الحال.
استشراف التحديات المستقبلية
وفي ذكرى تأميم المحروقات، تحدث الخبير كاوبي، باعتزاز وفخر كبيرين عن التأميم وما تحقق بعده خاصة الوثبة المسجلة في الوقت الحالي في الرفع من القدرات الانتاجية ومن حجم الاستكشاف وتعزيز مخزون الاحتياطي، ولم يخف بأن الجزائر وبالتحديد سونطراك، تتواجد أكثر من وقت مضى في رواق جيد لتتبوأ مكانة أفضل عبر تكريس المزيد من النجاحات، من خلال الاستمرار في تطوير الإنتاج وبناء اقتصاد عصري. وذكر بالمناسبة أن ما يتحقّق اليوم، لا يختلف عما تحقق بالقرار التاريخي القاضي باسترجاع المحروقات الجزائرية للجزائريين.
وقال كاوبي إن الجزائر شرعت في ترجمة الخيارات الجدية في الميدان، فراهنت على الاستراتيجية الجديدة والتنظيم المحكم، وجعلت عنوان الأعمال المرونة والعودة للاستثمار والزيادة من القدرات التنافسية لمجمع سونطراك الرائد إفريقيا، وبذلك عادت إلى سكة الاستثمار سواء في المنبع من خلال القيام باستثمارات مهمة بالشراكة بطبيعة الحال مع شركاء أجانب، نذكر منهم أمريكيين وإيطاليين وصينيين، من أجل الزيادة في القدرات الإنتاجية وعصرنة عمليات الإنتاج، وكذلك تعميق الاستثمار من أجل التقليل من الانبعاث الكربوني، بهدف مواجهة التحديات المستقبلية على مستوى الأسواق الخارجية، إلى جانب الزيادة من قدرات الاسترجاع التي ستمكن سونطراك في المستقبل، من استرجاع كميات مهمة تحرق خاصة في مجال الغاز، وستمكنها من الزيادة من إنتاجها وتدفقه نحو الأسواق الخارجية.
وقدم الخبير محفوظ كاوبي قراءته للمنهجية الحالية والإستراتجية المستقبلية لشركة سونطراك، وأشار أنه يمكن القول بأن سونطراك تعمل وفق منهجية بناءة عنوانها النجاعة ورفع سقف التنافسية بهدف المحافظة على حصتها في الأسواق العالمية سواء في مجال النفط أو الغاز بل حتى في الطاقات المتجدّدة.
بناء اقتصاد تنافسي
ويرى الخبير كاوبي، أن تسريع وتيرة النمو مرتبطة بالزيادة في حجم الاستثمارات وتحسين الحوكمة والزيادة من فعالية التسيير، إلى جانب التكثيف من حجم الشراكات في المستقبل، واقترح سلسلة من المقومات، ينبغي إرساؤها، بينها العمل أكثر وفق منطق برغماتي، بل ومنطق الامتياز، مع التأكيد على أهمية تفعيل الاستراتجيات المجسدة في الميدان.
يقول كاوبي: من الضروري أن توجّه القدرات الطاقوية إلى بناء اقتصاد قوي ومتنوع، من خلال تحويل النفط والغاز الجزائري، وجعله عنصرا أساسيا في حلقة بناء اقتصاد تنافسي وبناء صناعة نفطية وبتروكيماوية، ستكون القاطرة للدفع بعملية النمو نحو الأمام، ذلك أن محدثنا ينتظر من كل هذا تحقيق التنوع الاقتصادي والتنوع في المنظومة الصناعية على وجه الخصوص، وكل تلك العناصر – حسب توقعات الخبير وتقديراته – يمنح سونطراك القدرة على أن تبقى في المستوى العالي الذي تحقق لها منذ حظيت بعناية الرئيس تبون، فهي تُعد حاليا من ضمن العشر شركات نفطية الأكبر على المستوى العالمي.
عميد كليـة المحروقات بورقلة عبد المجيد دبي: تأميم المحروقات.. قرار سيادي أعلى من المساومة
تتمتّع الجزائر اليوم بكامل سيادتها الوطنية، منذ قرار التأميم التاريخي للمحروقات الصادر في 24 فيفري 1971، عن الرئيس الراحل هواري بومدين، تاريخ استرجاع السيادة الوطنية، من خلال استعادة الجزائر لكامل ثرواتها الباطنية وبسط سيّادتها الكاملة دون نقصان على كل خيراتها، ومن ثمّ الشروع في الوصول إلى التأسيس لصناعة نفطية وغازية، توصلت اليوم إلى تحقيق حصيلة ايجابية للاستكشاف والإنتاج والتصدير عبر إمداد العالم بالغاز والنفط الجزائريين، واكتساب موثوقية عالية على المستوى العالمي، فرضتها احترافية “سوناطراك” والتزامها بمقتضيات الشراكة.
شدّد عميد كلية المحروقات والطاقات المتجدّدة وعلوم الأرض والكون بولاية ورقلة، البروفيسور عبد المجيد دبي، على أن تأميم المحروقات يعتبر مكسبا وجب الحفاظ عليه، حيث كان قرارا سياديا يحمل عدة دلالات، تتعلق باسترجاع السيادة الوطنية التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء، فهو قرار لا يمكن ربطه بأيّة مساومة، فضلا عن أنه قرار اقتصادي سمح للبلد بالتحكم في موارده الطاقوية.
جزائرية خالصة..
وأبرز العميد دور السواعد الجزائرية ومساهمتها في تأميم المحروقات، منذ 53 سنة مضت، حين قرّر الرئيس الراحل هواري بومدين، التأميم، مشيرا إلى أن هذا القرار أعطى الفرصة للكفاءات الجزائرية للبروز والتحكم في تكنولوجيا الاستكشاف والتنقيب، وكذلك في الإنتاج ونقل المحروقات وتقنيات التصدير على مدار الـ53 سنة الماضية.
وعن أهم الشركات في مجال المحروقات، قبل الإعلان عن قرار بسط السيادة الوطنية كاملة، أشار المختص في المجال الطاقوي، وجود كل من الشركة الوطنية للمحروقات “سوناطراك”، التي تأسست سنة 1963، والتي تحوّلت إلى مجمّع وسّع من نطاق أنشطته ليشمل جميع جوانب الإنتاج والاستكشاف والاستخراج والنقل والتكرير. وقد نوّعت في أنشطتها، مثل البتروكيمياويات وتحلية المياه والطاقات المتجدّدة، حيث أصبحت الشركة الجزائرية اليوم تصنف كأهم شركة في القارة الإفريقية. إلى جانب الشركة الوطنية للبحث والاستغلال التعديني “سوناريم” التي تأسست سنة 1968، وشركة الكهرباء والغاز الوطنية (سونلغاز) عام 1969، وهي كلها شركات ساهت وتساهم في ضمان السيادة الطاقوية للجزائر.
الدرع الحامي لاقتصاد الوطن..
وأبرز البروفيسور دبي، أن احتياطيات الجزائر المثبتة من النفط بلغت نهاية 2020، عشرة مليارات برميل سنويا، ترعاها “سوناطراك”، حيث تعمل الجزائر جاهدة على تحقيق الأمن الطاقوي، وتعزيز إستراتيجية الأمن الطاقوي، ما يوضح أسباب تخصيص ميزانية كبيرة للاستثمار بحلول عام 2026، من قبل شركة سونطراك، بقيمة إجمالية تبلغ 40 مليار دولار. موازاة مع اكتشافات جديدة واستثمارات وطموحات الشركة التي تعد بين أبرز الأدوات التي تسمح للجزائر بالتأسيس لاقتصادها الجديد، وتعتبر الدرع الحامي له، مؤكدا أن تأميم المحروقات الذي كرس بسط السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية، يعد مكسبا واجب الحفاظ عليه من خلال العمل على الدفع بسوناطراك، للاضطلاع بدور الريادة في مجال تطوير صناعة مستقبلية منخفضة الكربون.
الأمن الطاقوي والتنمية المستدامة
من جانب آخر، أشار البروفيسور دبي إلى أن الأمن الطاقوي، يمكن التطرّق إليه من باب التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس باحتياجات الأجيال القادمة، ومنه الأمن الطاقوي، والمرتكز على ثلاثة محاور أساسية وهي جودة البيئية والمساواة الاجتماعية، الكفاءة الاقتصادية والإنتاج والاستهلاك الطاقوي الوطني.
عن مصادر الطاقة
من جانب آخر، تحدث دبي عن الغاز الطبيعي، وقال إن الاستهلاك المحلي يقدر بـ 38%، فيما يتمّ تصدير 36% من الإنتاج، مبرزا “المجهودات الجبارة التي تبذل من أجل ترشيد الاستهلاك، حيث إن الكل معني بالمسؤولية أفرادا كانوا أم مؤسسات عمومية وخاصة، إلى جانب إدماج أنواع أخرى من مصادر الطاقة في السياسة الطاقوية الوطنية، وهذا لتعزيز موارد البلاد من العملة الصعبة وتدعيم الخزينة العمومية من تصدير الغاز”.
وحيال هذا الوضع، يلح عميد كلية المحروقات بورقلة، على ضرورة تكثيف البحوث العلمية والتقنية من أجل رفع نسب الاسترجاع وتحقيق اكتشافات جديدة، وهذا لن يكون إلا عن طريق تكتلات وطنية قارية ودولية.
وأوصى المتحدث بوضع سياسة طاقوية صلبة من أجل ضبط تسعيرات للغاز والبترول تتماشى مع المنطق الاقتصادي للدول بعيدا عن الهيمنة والسيطرة، وقال: هذا ما ننتظره من القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز التي تنعقد بالجزائر نهاية الشهر الجاري، مؤكدا في السياق، أن “الهدف يتمثل اليوم، وفق روح 24 فيفري 1971، الشروع في الانتقال الطاقوي عن طريق التطوير والاهتمام أكثر بالطاقات المتجدّدة، لا سيما الشمسية، كما ينبغي التحكم في سلسلة القيم انطلاقا من إنتاج خلايا الألواح الشمسية”.
وبهذا الخصوص، أشار دبي أنه وحسب الأبحاث الحديثة، فإنه ومن الآن إلى آفاق سنة 2050، فإن التحول الطاقوي من الطاقة الأحفورية إلى الطاقات المتجدّدة، يتطلب إنتاج حوالي 490 مليون طن من معدن الألمنيوم، وهذا من أجل صناعة أجهزة طاقوية جديدة لإنتاج الطاقة من مصادر الطاقات المتجددة، هذه الصناعة تنبعث منها كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري، مبرزا كذلك، أن الحل يكمن في بعض النقاط التي يمكن التحكم فيها أهمها الطاقة الشمسية، وكمثال على ذلك الصحراء الجزائرية التي تمثل مساحة أكثر من 2 مليون كم2، وطبيعة تضاريسها وساعات التشميس السنوية التي تفوق 3500/ساعة/سنة، والتشعيع الشمسي السنوي البالغ حوالي 2650 (كيلو واط/ م2/ السنة).
الخبير الدولي في قضايا الطاقة بغداد مندوش: 1971 – 2024.. تاريخ حافل يتوّج الاقتصاد الجديد
سونطراك.. صاحب الريادة في إفريقيا، والمرتب ضمن العشر الكبار عالميا، يتوّج مسار طويلا من العمل الجاد بسواعد الكفاءات الجزائرية واتخذت من تاريخ تأميم المحروقات، رمزا للعهد وتحقيقا للوعد الذي يتجلى اليوم في السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون.. ووفاء للالتزام البومديني، تواصل الجزائر الجديدة مسار التفوق..
عرض الخبير الدولي في قضايا الطاقة، بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لتأميم المحروقات، المسار الطويل للدولة الجزائرية وعملاقها الطاقوي، من منبر المعايش للعديد من المحطات التاريخية التي شكّلت منعرجات مفصلية في تاريخ المحروقات الجزائرية، فقد بدأ مساره المهني كمهندس على غرار باقي زملائه من خريجي المعهد الجزائري للبترول، وقبل الغوص في المسار الطاقوي الذي خاضته الجزائر ونضالها من أجل استرجاع سيادتها على ثرواتها النفطية، استحضر بغداد مندوش، شريط أحداث ما قبل الاستقلال وسلسلة المفاوضات التي توّجت بتأميم المحروقات الجزائرية في 24 فيفري 1971، وأشار إلى أن استغلال المحروقات الجزائرية قبل الاستقلال كان خاضعا لقانون المحروقات الفرنسي، ومسيرا من طرف الشركتين الفرنسيتين “ريبال” و«سي أف بي أس” وشركة “ كريبس” المتخصصة في استكشاف وإنتاج البترول، إضافة إلى شريكتي “توتال” و«أكيتان” اللتين ادمجتا مع بعضهما فيما بعد ضمن مجموعة “توتال”.
صرح طاقوي بسواعد جزائرية
وواصل الخبير في قضايا الطاقة سرد محطات البترول الجزائري الذي كان ينقل عبر الأنابيب من الجنوب الجزائري إلى شمال البلاد تحديدا نحو مصفاة تكرير البترول بسيدي رزين ببراقي. أما بالنسبة لعملية تكرير البترول، فقد كانت من نصيب الشركتين الأمريكيتين “موبيل” و«أيسو” في حين تكفلت شركة “غيتي” الأمريكية بتوزيع المحروقات الجزائرية.
واعتبر مندوش تأميم المحروقات في الـ24 فيفري 1971، ثمرة مفاوضات تمّت بحنكة دبلوماسية عالية، ومواقف ثابتة للدولة الجزائرية التي تعتبر سيادتها على ثرواتها الباطنية، استكمالا لسيادتها السياسية، حيث خاض الرئيس الراحل هواري بومدين – يقول المتحدث – مفاوضات صارمة مع الشركات الفرنسية المسيطرة على البترول الجزائري، من أجل التمكّن من التحصيل الجبائي للمحروقات لصالح الجزائر، خاصة وأن اتفاقيات إيفيان، لم تتضمن أي بند متعلق بالمحروقات.
وفي السياق، أشاد مندوش بمسار المعهد الجزائري للمحروقات في تكوين مهندسين وفنيين، منذ تاريخ إنشائه سنة 1965، والحصيلة المشرفة التي حقّقها من خلال تكوينها لخيرة الإطارات الجزائرية في مجال المحروقات التي تمكنت من تحصيل مناصب قيادية في كبرى الشركات الطاقوية العالمية، ويعدّ محدث “الشعب” أحد إطاراته وأول الدفعات التي تلقت تكوينا في الجامعات الجزائرية وتخرجت من المعهد الجزائري للبترول في عدة اختصاصات كالجيوفيزياء، الجيولوجيا، الحفر، التكرير، وغيرها من الاختصاصات التي شكلت حجر الزاوية، لبناء صرح طاقوي بحجم سونطراك التي أنڜئت سنة 1963.
وبڜأن محتوى قرار التأميم، أوضح الخبير الطاقوي، أن هذا الأخير تضمن محورين أساسيين، الأول متعلق بالتأميم، فيما تعلق المحور الثاني بالإطار القانوني للشراكة بين سونطراك والشركات الأجنبية، والفرنسية منها، التي كانت متواجدة بالجزائر آنذاك، بما يكفل للجزائر حقوقها فيما يتعلق بسيطرتها على ثرواتها الباطنية.
إستراتيجية ناجعة وراية عالية
وشكلت سنة 1972، وفق المتحدث، منعرجا مهما في تاريخ الشركة الجزائرية للمحروقات، سونطراك، حيث استحوذت على ثلاثة أرباع من النشاط البترولي، مقابل استحواذ كلي بنسبة، 100% من الإنتاج الغازي، وبنسبة 100% من النقل عبر الأنابيب، لتشمل مهامها كل من نشاطات الاستكشاف، الانتاح، النقل عبر الأنابيب، التكرير والتسويق، واستدل مندوش بالإحصائيات والأرقام المسجلة منذ سنة 1972، أين صدرت سونطراك لأول مرة منذ إنشائها 24 مليون طن من البترول، مقابل 10 ملايين طن تمّ تصديرها قبل قرار التأميم السيادي.
في هذا الصدد، أشار مندوش إلى الرواج العالمي الذي عرفه البترول الجزائري على مستوى السوق الطاقوية العالمية، وهو ما ترجمه الكم المعتبر لعقود التوريد التي تمكّنت سونطراك من إبرامها، ما شجّعها إلى إطلاق المزيد من الاستثمارات البترولية في مجال الطاقة، حيث استثمرت في تلك الفترة 90 مليون دولار، من أجل تطوير حقول البترول بالجنوب الجزائري، في حين لم تتجاوز استثمارات الشركات الفرنسية قبل قرار التأميم 60 مليون دولار. وقدّمت هذه الاستثمارات ثمارها منذ السنوات الأولى لعقد السبعينيات، أين سجلت سونطراك أداء عاليا فيما يخص إستراتيجيتها الخارجية، من خلال احترامها للعقود المبرمة مع شركائها الأجانب من الدول الأوروبية والأمريكية، فيما يتعلّق بالكميات المصدرة وآجال تسليمها، صرامة وانضباط والتزام، جعل من سونطراك عبر جميع محطاتها التاريخية، تفتك لقب الشريك الموثوق عالميا، وهو مرجع النجاح الذي حققته سونطراك، بفضل مجهودات الإطارات الوطنية التي قدمت تضحيات كبرى من أجل رفع راية السيادة الطاقوية الجزائرية عاليا، والوصول ببلادنا اليوم إلى تصنيف دولي مرموق في مجال تصدير الغاز.