أيام قلائل تفصلنا عن الموعد العالمي الكبير الذي تحتضنه الجزائر، ويصفه الخبراء بأنه سيضع استراتيجية شاملة تهدف إلى تحويل الغاز الطبيعي إلى «مورد مركزي للتنمية الشاملة والمستدامة»، وأنها فرصة لمعالجة التحديات والفرص في قطاع الطاقة، والدفع بالتقدم التكنولوجي في الصناعة، مع تعزيز المكانة الدولية لمنتدى البلدان المصدرة للغاز بصفتها «منصة رائدة لخطاب الطاقة»، خاصة وأن الغاز الطبيعي– كما يصفه الخبراء- هو المعبر «السلس والآمن» لإحلال الطاقات المتجددة في بنية الطاقة العالمية.
يشهد جميع الفاعلين في المشهد الطاقوي، «أن قمة الجزائر تكتسي أهمية بالغة، بحكم أن دول المنتدى تساهم في تزويد مختلف مناطق العالم بالوقود الغازي، سواء السائل منه أو الطبيعي». ولا شك أن «الموثوقية العالية» التي تتمتع بها الجزائر في الساحة الطاقوية العالمية، وما تمتلك من مؤهلات وخبرة عالية في المجال، يسمح لها بأن تلعب أدوارا ريادية في تقاسم الخبرات داخل منتدى الدول المصدرة للغاز، ما يبشر بنجاح كبير يتوقعه معظم الخبراء الطاقويين، خاصة وأن الجزائر حرصت على الدّوام كي تكون الشريك العادل الأمين في معاملاتها على مختلف المستويات.
الغاز.. محرك للنمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي في العالم
تعرف الاحتياجات الطاقوية في العالم نموا كبيرا في السنوات المقبلة، لاسيما الغاز الطبيعي، بحسب ما أكدته عديد الدراسات والتقارير الصادرة عن هيئات دولية مختصة، مشيرة بشكل خاص الى النمو الديمغرافي والاستهلاك على مستوى قطاعات متعددة مرتبطة بهذه الطاقة التي تعتبر محركا أساسيا للتنمية الاقتصادية والرقي الاجتماعي في العالم.
غالبا ما يحظى الغاز الطبيعي بالإشادة، سيما لآثاره على البيئة، عكس المحروقات الأخرى مثل الفحم والنفط، وبالتالي فإن دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أصبح يشكل محور عديد الندوات التي ينشطها مختصون جزائريون وأجانب بمناسبة احتضان الجزائر للقمة 7 لرؤساء دول وحكومات منتدى البلدان المصدرة للغاز، من 29 فبراير الى 2 مارس. وتعتبر عديد البلدان المنتجة والمصدرة، أن الغاز الطبيعي يوفر تلك الإمكانية الهامة لتطوير اقتصاداتهم عبر الحصول على صناعة استراتيجية بامتياز، توفر الثروة والمداخيل اللازمة لإنجاز مشاريع عمومية وتحسين مستوى معيشة السكان. كما تعد هذه الطاقة ضرورية للبلدان المستهلكة، حيث تستفيد منها اقتصاداتها من اجل ضمان إنتاج السلع والخدمات. تجدر الاشارة في هذا الصدد، الى خطاب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي ألقاه خلال القمة 6 لرؤساء دول وحكومات منتدى البلدان المصدرة للغاز، التي جرت في فبراير 2022 بالدوحة (قطر)، حيث أكد فيها بأن «الغاز الطبيعي هو طاقة الحاضر والمستقبل»، كما انه «طاقة نظيفة ومرنة ويمكن الوصول اليها وهو ايضا طاقة مفضلة من حيث حماية البيئة، الى جانب الطاقات المتجددة الأخرى».
وأكد رئيس الجمهورية، ان الغاز يحتل «مكانة خاصة في العلاقات الاقتصادية الدولية»، وان تطويره «يتطلب استثمارات ضخمة وحلولا تكنولوجية فعالة من اجل تحسين جودته كطاقة نظيفة».
وتجد دعوة رئيس الجمهورية سندا لها في عديد الأبحاث والدراسات التي تم القيام بها على مستوى المنظمات الدولية ومراكز البحث، بخصوص دور الغاز الطبيعي في التنمية الاقتصادية.
في هذا الصدد، قام الاتحاد الدولي للغاز بإنجاز دراسة بعنوان «مستقبل مستدام يعمل بالغاز» التي أبرزت مزايا وايجابيات هذه الطاقة التي تستجيب، بحسبها، الى اهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة والى المتطلبات الاقتصادية.
وتمت الإشارة في هذه الدراسة، الى ان الغاز يظل عنصرا حاسما في التنمية والتطور الاجتماعي مع أثره المباشر على المحافظة على صحة ومستوى معيشة السكان، سيما من حيث النظافة مقارنة بالفحم والنفط. وبالإضافة الى مزاياه فيما يخص انخفاض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتحسين جودة الهواء، فإن الغاز الطبيعي يعد مصدر طاقة من الطراز الأول، سيما فيما يخص رفاهية المساكن عبر ضمان احتياجات التدفئة والانارة والطبخ. كما يشكل الغاز، بحسب ذات الوثيقة، مصدرا هاما في الانتاج الصناعي، سيما بالنسبة لمصانع الإسمنت ومواقع التعدين.
وفي مجال النقل، فإن الغاز الطبيعي المضغوط والغاز الطبيعي المسال، يستعملان كوقود ويعدان بديلا أكثر نظافة للوقود التقليدي، مثل البنزين والمازوت، وبالتالي يسهم في تخفيض تلوث الهواء.
وبالنظر الى مجموع هذه الايجابيات، فإن الجزائر لطالما أعطت الأولوية لبرامج تعميم الكهرباء وتوزيع الغاز الطبيعي.
وقد سمحت الجهود التي بذلت في هذا الخصوص، للبلاد بتحقيق مستوى معتبر في مجال الربط بالشبكة الكهربائية والغازية، بنسبة 98% للكهرباء وأزيد من 65% بالنسبة للغاز.
الإنتاج العالمي للغاز فاق 4000 مليار متر مكعب في 2023
بلغ الإنتاج العالمي للغاز 4051 مليار متر مكعب سنة 2023، بحسب التقرير الشهري لمنتدى الدول المصدرة للغاز، الذي أوضح أن دول المنتدى وفرت أكثر من 40٪ من هذا الانتاج، فيما قارب إنتاج الدول غير الأعضاء 60٪ من إنتاج الغاز المسوق عالميا.
بحسب تقرير المنتدى لشهر يناير، فقد بلغ إنتاج أعضاء منتدى الدول المصدرة للغاز 1657 مليار متر مكعب من الغاز السنة الماضية، فيما بلغ إنتاج الدول غير الأعضاء 2394 مليار متر مكعب.
وتمثل دول المنتدى، الذي تحتضن الجزائر قمته السابعة ما بين 29 فبراير و2 مارس القادم، 70٪ من احتياطي الغاز العالمي المؤكد و47٪ من الصادرات عبر الأنابيب وما يفوق نصف صادرات الغاز الطبيعي المسال على المستوى العالمي.
أما تقرير المنتدى لشهر فبراير، فكشف أن صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب نحو أوروبا، ارتفعت، خلال شهر يناير الماضي، على أساس سنوي، فيما استقرت صادرات البلاد من شحنات الغاز الطبيعي المسال في الفترة ذاتها.
وذكر المصدر ذاته أن أوروبا استوردت في يناير الماضي 13.3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر الأنابيب، مسجلة ارتفاعا بنسبة 7٪ على أساس سنوي.
وكانت النرويج المورد الرئيسي للغاز الطبيعي عبر الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي في يناير 2024، حيث استحوذت على 58٪ من إجمالي الواردات، تلتها روسيا بنسبة 18٪ والجزائر بنسبة 16٪، وفق التقرير الذي أشار الى أن نسبة إمداد الاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي عبر الأنابيب لم تتغير بشكل كبير منذ أكتوبر 2023.
صادرات عالمية قياسية نصفها من دول المنتدى
وبخصوص الغاز الطبيعي المسال، أوضح تقرير المنتدى أن شهر يناير شهد تسجيل 565 شحنة على مستوى العالم، أي أقل بشحنتين من شهر ديسمبر 2023، وبزيادة قدرها 5٪ على أساس سنوي.
وحققت الصادرات العالمية من الغاز الطبيعي المسال في جانفي الماضي «ذروة شهرية غير مسبوقة»، بلغت 37.53 مليون طن، ما يمثل، بحسب التقرير، نموا قويا على أساس سنوي بـ7٪ (2.42 مليون طن).
وأشار التقرير إلى أن هذا الارتفاع في النمو الشهري على أساس سنوي، هو «الأكبر منذ نوفمبر 2022»، لافتا إلى أن الارتفاع كان مدفوعا بزيادة الشحنات، سواء من أعضاء المنتدى أو الدول المصدرة غير الأعضاء فيه.
وعلى المستوى العالمي، احتلت الولايات المتحدة وقطر وأستراليا صدارة الترتيب فيما يخص تصدير الغاز الطبيعي المسال في يناير.
ولفت الى أن دول المنتدى كانت مصدر 48,2٪ من صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية، حيث ارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المسال من الدول الأعضاء والمراقبين في المنتدى بنسبة 6.1٪ (1.03 مليون طن) على أساس سنوي، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 18.09 مليون طن.
وقادت ماليزيا وموزمبيق ونيجيريا وقطر وروسيا وترينيداد وتوباغو هذه الزيادة الشهرية القوية في صادرات الغاز الطبيعي المسال من قبل دول المنتدى، مما عوض ضعف الصادرات من أنغولا ومصر.
وبالنسبة للجزائر، أشار التقرير إلى استقرار عدد شحنات الغاز الطبيعي المسال التي تم تصديرها في يناير 2024، مقارنة بالشهر ذاته من السنة الماضية.
وفيما يخص الأسعار، ذكر التقرير أن الأسعار الفورية للغاز والغاز الطبيعي المسال في أوروبا وآسيا، شهدت «انخفاضا ملحوظا» للشهر الثاني على التوالي بسبب جملة من العوامل، على غرار العرض القوي ومستويات التخزين المرتفعة وضعف الطلب في هذه المناطق.
وزير النفط والغاز الليبي: لقمة الجزائـر أهمية بالغة
وقال وزير النفط والغاز الليبي، المهندس محمد عون، أن القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، التي ستحتضنها الجزائر نهاية الأسبوع القادم، تكتسي “أهمية بالغة “ في ظل ما يشهده العالم من اضطرابات، خاصة وأن الغاز سيكون وقود التحول من طاقات الوقود الأحفوري إلى الطاقات البديلة والمتجددة.
وأشار الوزير الليبي الى أن الدول المصدرة للغاز لديها مخزون ربما يفوق 70 بالمائة من احتياط الغاز في العالم، ما يعطي لهذا المنتدى الذي ينعقد كل سنتين “أهمية بالغة لكون دوله تساهم في تزويد مختلف مناطق العالم بالوقود الغازي سواء السائل منه أو الطبيعي”.
وأبرز المسؤول أن الجزائر وليبيا من ضمن دول القارة الإفريقية التي تصدر كميات كبيرة من الغاز إلى العالم، مثمنا “مساهمة دول المنتدى في التخفيف من أزمة نقص الوقود في أوروبا”و التي تكتسي أهمية خاصة في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة.
ورافع الوزير الليبي من أجل شراكة طاقوية مبنية على “الندية” و«الاعتراف بالمصالح المشتركة” مع مراعاة ظروف العديد من الدول الإفريقية المنتجة والمصدرة للغاز.
وصرح في هذا الإطار قائلا: “يجب مراعاة ظروف كل دولة على حدى، خاصة الدول الإفريقية، التي تتوفر على ثروات طائلة”، مشددا على أن “الدول الإفريقية لم تستفد من هذه الثروات وحان الوقت الآن لتستفيد منها”.
ودعا المسؤول الليبي إلى “ضرورة أن تتوحد الدول الإفريقية في ما يتعلق بشبكات الغاز والكهرباء والمياه والطرقات والسكك الحديدية بما يضمن مصالحها، وحتى مصالح الدول الأخرى”، مردفا بأنه: “يمكن ربط هذه الدول بشبكات الكهرباء وغيرها على غرار خطوط الغاز”.
وفي نفس السياق، جدد وزير النفط والغاز الليبي الدعوة إلى أن “تتوحد المنظمات المهمة في القارة الإفريقية مثل الاتحاد الإفريقي ومنظمة الدول الإفريقية المنتجة للنفط، للعمل وفق ما يخدم مصالح دولها”، مشيرا إلى أن هناك “أكثر من 600 مليون إفريقي غير مربوط بالكهرباء”.
وذكر الوزير بأن القارة الإفريقية لديها ثروات هائلة سواء الطاقوية (الغاز أو النفط ) أو الثروات الطبيعية والزراعية والحيوانية، وبالتالي “لا بد أن يحيا الأفارقة حياة كريمة وفق ما تتوفر عليه قارتهم من ثروات.
وشدد عون على أن الدول الإفريقية “ليست ضد الشراكة مع الأجانب أو مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لكن يجب أن تكون الشراكة لمصلحة الطرفين، مصالح متساوية ليس فيها حيف أو ظلم لأي دولة بل قائمة على +الندية+ ومراعاة للظروف التي مر بها العالم الثالث”.
الخبير مهماه بوزيان: الطاقات المتجددة في البنية العالمية تمرّ عـبر الغاز الطبيعي
وأكد الخبير الطاقوي، مهماه بوزيان، أن الغاز الطبيعي هو المعبر “السلس والآمن” لإحلال الطاقات المتجددة في بنية الطاقة العالمية، مبرزا دور الجزائر كدولة “رائدة” في هندسة نموذج وطني للتحول الطاقوي يقود الغاز الطبيعي قاطرته.
وأوضح الخبير، أنه أمام الاوضاع والتقلبات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية الراهنة، لا سيما آثار جائحة كورونا ثم الأزمة في أوكرانيا، والتي أثرت كثيرا في اسواق الطاقة الدولية، “يبرز الغاز الطبيعي بوصفه المعبر السلس والآمن لإحلال الطاقات المتجددة والنقية والمحايدة كربونيا في بنية الطاقة العالمية”، مؤكدا أن تعزيز صناعة الغاز الطبيعي هو بحد ذاته تعزيز لمسارات الانتقال الطاقوي عبر العالم.
وبعد أن ذكر بمكانة الجزائر كأحد أهم مصدري الغاز المسال في العالم، حيث أصبحت سنة 2023 أكبر دولة إفريقية مصدرة له، فضلا عن كونها من أهم موردي للغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر الأنابيب، اعتبر الخبير أن الجزائر تتموقع، من هذا المنظور، “كدولة رائدة في هندسة نموذج وطني للتحول الطاقوي الذي يقود الغاز الطبيعي قاطرته”.
ومن الأمثلة الدالة على ذلك، يضيف، إنشاء الجزائر للمحطة الهجينة بحاسي الرمل (غاز/طاقة شمسية) والتي اعتبرت من قبل الخبراء والهيئات الدولية المتخصصة في الطاقة كـ«نموذج را ئد” للمزيج الطاقوي النظيف، ما يبرز، مرة أخرى، ضرورة التعويل على الغاز الطبيعي للعبور نحو منظومة طاقوية منخفضة الكربون.
وعن سؤال حول دور المعهد الدولي لأبحاث الغاز التابع لمنتدى الدول المصدرة للغاز، الذي سيتم تدشين مقره بالجزائر العاصمة على هامش اشغال القمة السابعة للمنتدى (الجزائر، 29 فبراير الى 2 مارس القادم)، أكد السيد مهماه أنه يشكل أداة للبحث العلمي لتبادل المعارف والتقنيات عالية المستوى والقيمة. وأوضح أن هذه المؤسسة البحثية ستكون “هيئة مرجعية دولية داعمة لصناعة الغاز، وملتقى للباحثين من مختلف جهات العالم”.
لذلك، من المنتظر أن يباشر هذا المعهد التكفل بعديد الموضوعات المركزية في صناعة الغاز، وعلى وجه الخصوص التكفل بأكبر تحد يواجه هذه الصناعة المزدهرة والمتمددة والواعدة مستقبلا، ألا وهو التحدي المناخي”.
وسيقدم المعهد مشروعه الأول حول موضوع الغاز المحترق، وفق الخبير الطاقوي الذي ابرز، في نفس السياق، أن إعادة بعث مشروع السد الأخضر، وبرنامج مجمع سوناطراك للتخلص من الانبعاثات في أنشطتها، مع خفض انبعاثات الميثان إلى حدود 1 بالمائة بحلول سنة 2030، تترجم تكفل الجزائر بالتحدي البيئي لصناعة الغاز.
وبخصوص أهمية قمة الجزائر، أوضح السيد مهماه أنها تمكن في التطرق لجملة من التحديات الماثلة أمام الدول الاعضاء، والمتعلقة أساسا بأهمية تعزيز الاستثمارات المستقبلية في سلسلة صناعة الغاز والتكفل ب الجوانب المناخية والبيئية مع التمكين للرؤية الاستراتيجية التي سطرها المنتدى أفق 2050.
ومن ضمن التحديات التي يتعين رفعها من قبل دول المنتدى، التي تحوز على 70 بالمائة من احتياطات الغاز الطبيعي العالمي، يضيف، “ضرورة إخراج صناعة الغاز من دورة التذبذبات السعرية الحادة إلى دورة الأسعار المتوازنة” وتحديث وثيقة العمل المنظمة لنشاط المنتدى بشكل يعزز أمن الطاقة المستدامة، مبرزا أهمية التمسك بالعقود طويلة المدى لتصدير الغاز الطبيعي.
في هذا الاطار، يرى السيد مهماه ان أعضاء المنتدى ‘’كلهم على وعي تام بأن الضغط المستمر الذي تمارسه الدول المستوردة والمستهلكة للطاقة على سوق الغاز بحثا عن “الغاز الرخيص”، من خلال الدفع بالدول المنتجة والمصدرة للتوجه نحو الأسواق الفورية هو “فخ قاتل” لمصالح الجميع، لأن التخلي عن نمط العمل بالعقود الطويلة والمتوسطة الآجال المبرمة لتوريد الغاز سيكون عاملا مولدا ل+ضبابية+ المشهد المستقبلي بخصوص معادلة العرض والطلب”.
وذكر أن الجزائر، التي دافعت دائما عن العقود طويلة ومتوسطة الأجل، قدمت قبيل هذه القمة “رسائل قوية” تكرس هذا التوجه، من خلال قيام مجمع سوناطراك بإبرام اتفاقيات مع زبائن جدد، على غرار اتفاقية لمدة 10 سنوات مع شركة “غراين أل.أن.جي” لإمداد بريطانيا بالغاز الجزائري، واتفاقية ثانية مع شركة “في. إن. جي” لتزويد ألمانيا مستقبلا “بموجب عقد متوسط الأجل”.
وذكر الخبير ب«الموثوقية العالية” التي تتمتع بها الجزائر على الساحة الطاقوية العالمية لامتلاكها الموارد الكافية والهامة، ولكن لكونها تميزت أيضا وعبر عقود من الزمن بالوفاء بالتزاماتها التعاقدية، فضلا عن خبراتها الذاتية الكبيرة في هذا المجال، مشيرا الى أن الإنتاج الجزائري من الغاز، سنة 2022 على سبيل المثال، “أنجز بنسبة 83 بالمائة بفضل الجهود الذاتية لسوناطراك” وهو “ما يبرز بوضوح حيازة الجزائر للمؤهلات العالية في صناعة الغاز بما يؤهلها عن جدارة للعب أدوار متقدمة في تقاسم الخبرات داخل منتدى الدول المصدرة للغاز”.
الخبير أمود شكري: قمة الجزائر.. دور حاسم في مواجهة تحديات الطاقة عالميا
يشكل اتساع نطاق المواضيع المرتقب مناقشتها خلال القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، المقررة من 29 فبراير الى 2 مارس بالجزائر، أحد مميزات هذه القمة، التي ينتظر أن تلعب «دورا حاسما» في مواجهة تحديات الطاقة العالمية الراهنة والتأثير على اتجاه مشهد الطاقة العالمي، مع إبراز «ريادة» الجزائر في هذا المشهد، بحسب ما أكده خبير استراتيجي دولي في شؤون الطاقة.
أوضح الدكتور أمود شكري، وهو باحث وأستاذ زائر في جامعة جورج ميسون الأمريكية، أن «ما يميز قمة الجزائر هو اتساع نطاق المواضيع التي ستتناولها، بما في ذلك التطورات الجيو-سياسية والاقتصادية والسياسية، لاسيما في الشرق الأوسط، إضافة الى تحديات الطاقة الحرجة، ودور الغاز الطبيعي في التحول الطاقوي».
وعلى هذا الأساس، يضيف الخبير الدولي، «من المتوقع أن تسمح قمة منتدى البلدان المصدرة للغاز بالجزائر، بإجراء محادثات من شأنها التأثير على سياسة الطاقة الدولية والتأكيد على ريادة الجزائر في صناعة تصدير الغاز».
في هذا السياق، اعتبر الجزائر «لاعبا رئيسيا في مسرح الطاقة العالمي في ظل امتلاكها للمواد الطبيعية، وأيضا من خلال تطويرها للطاقات المتجددة قصد تقليل اعتمادها على الموارد التقليدية وتنويع مصادر الطاقة، من خلال برنامج وطني للانتقال الطاقوي»، مشيرا الى قدرة الجزائر، من جهة أخرى، على «تزويد أوروبا بالكهرباء الشمسية القابلة للتوزيع».
ولفت أمود شكري، إلى أن الاستراتيجية الشاملة لمنتدى البلدان المصدرة للغاز تهدف إلى وضع الغاز الطبيعي كـ»مورد مركزي للتنمية الشاملة والمستدامة»، حيث ستعمل القمة كـ»محرك رئيسي لتعزيز هذه الرؤية»، كما ستساهم بفعالية في الحوارات الجارية بشأن تخفيف غازات الدفيئة وضمان التنمية المستدامة، مع تسليط الضوء على الدور الذي «لا غنى عنه» للغاز الطبيعي في تحقيق أهداف هذه التنمية وتسهيل التحول إلى أنظمة الطاقة منخفضة الانبعاثات.
كما تشكل القمة أيضا، يضيف الخبير الدولي، فرصة لمعالجة التحديات والفرص في قطاع الطاقة، وتعزيز «التقييم العادل» للغاز الطبيعي، والدفع بالتقدم التكنولوجي في الصناعة، مع تعزيز المكانة الدولية لمنتدى البلدان المصدرة للغاز كـ»منصة رائدة لخطاب الطاقة».
ولذلك، فهي تلعب «دورا مهما في الترويج للغاز الطبيعي، وإبراز فوائده البيئية والاقتصادية وتعزيز الحوار والتعاون بين الدول الأعضاء للتأثير على أجندة الطاقة العالمية»، يضيف الخبير، مشيرا الى أن قطاع الغاز الطبيعي حول العالم تواجهه اليوم العديد من التحديات من بينها تلك الضغوطات المطالبة بمعايير بيئية أكثر صرامة، والتي تتطلب خفض الانبعاثات وتحسين الاستدامة.
ويكمن التحدي الثاني، يضيف، في تفاقم المشاكل التي تواجهها الصناعة الغازية بسبب التحول إلى الوقود منخفض الكربون نتيجة لتغير المناخ، وهو ما يتطلب، بحسبه، «إنفاقا كبيرا على البنية الأساسية وا لتكنولوجيات البديلة».
وباعتماد الصناعة بشكل كبير على التكنولوجيا، «أصبح الأمن السيبراني بدوره مصدر قلق كبير يتطلب اتخاذ تدابير صارمة لحماية الأصول الرقمية»، بحسب شكري، الذي أشار الى أن خفض تكاليف التصنيع أصبح أيضا «عائقا أمام الحفاظ على القدرة التنافسية في مواجهة تحديات السوق».
ولمعالجة الوضع، أكد الخبير أنه «من الضروري اعتماد نهج متعدد الأبعاد يشمل الابتكار التكنولوجي، والامتثال للوائح، وإيلاء اهتمام خاص للاستدامة البيئية والكفاءة المالية»، خصوصا وأن صناعة الغاز العالمية تشهد «تغيرا كبيرا» في الوقت الحالي.
ووفقا لتوقعات الغاز العالمية لـ2050، الصادرة عن منتدى البلدان المصدرة للغاز، ستزداد تجارة الغاز الطبيعي العالمية بنسبة 36٪، مدفوعة بشكل أساسي بالغاز الطبيعي المسال، في ظل استمرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ في احتلال المركز الأول من حيث واردات هذا الغاز.
الخبير في شؤون الطاقة توفيق حسني: زيادة إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة سيزيد صادرات الغاز
واعتبر الخبير في شؤون الطاقة، توفيق حسني، أن زيادة إنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقات المتجددة، سيسمح للجزائر مستقبلا برفع صادراتها من الغاز الطبيعي، بفضل اقتصاد كميات كبيرة من الغاز تستهلك محليا بسبب استعمالها في لإنتاج الكهرباء.
في ندوة موضوعاتية من تنظيم حركة البناء الوطني، تحت عنوان “الانتقال الطاقوي في الجزائر.. قراءة استشرافية”، بحضور رئيس الحركة، عبد القادر بن قرينة، بمناسبة الذكرى 53 لتأميم المحروقات، المصادفة لـ24 فبراير الجاري، أوضح السيد حسني أن الجزائر بمقدورها، مستقبلا، تغطية حاجياتها الطاقوية من خلال الطاقات المتجددة، “ما يسمح لها بتوفير الاستهلاك المحلي للغاز، وبالتالي رفع صادرات البلاد من الغاز الطبيعي”. واعتبر أن اعتماد الجزائر على الطاقات المتجددة سيسمح لها “بتوفير 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، بالإضافة إلى استحداث مليون منصب شغل في مجال الطاقات المتجددة”.
وأبرز الخبير أن رفع الجزائر لصادراتها من الغاز الطبيعي سيمكنها بالمقابل من توفير الأموال اللازمة لتمويل برنامج تطوير الطاقة الشمسية، “بهدف الوصول إلى 40 ألف ميغاواط آفاق 2050”. وحيا الإرادة السياسية في الجزائر التي تدعم التوجه نحو الطاقات المتجددة، مؤكدا على أهمية استقطاب الاستثمارات الأجنبية لتطوير هذه الطاقات.
وأشار الخبير الى أن الجزائر بمقدورها أيضا تصدير “الكهرباء الخضراء” نحو أوروبا، بالنظر إلى الإمكانيات التي تتوفر عليها في الجنوب لإنتاج الطاقة بالاعتماد على الطاقات المتجددة.
من جهته، أبرز الخبير الطاقوي، الدكتور بوزيان مهماه، أهمية “هندسة نموذج طاقوي سلس ومرن، ومكيف مع الخصوصيات الوطنية، مع ضرورة خلق الطاقات المتجددة في فضائها مناصب شغل، التي هي حتمية وطنية واقتصادية، وكذا خلق الثروة”. وأكد الخبير أن النموذج الطاقوي الاستهلاكي “ينبغي أن يبنى على التطبيقات التي يتم استهلاكها في كل شعبة من شعب الطاقة”، مبرزا أن التطبيقات السكنية هي “أهم تحدّ للجزائر”. وأشار إلى أهمية استخدام الطاقة الشمسية الحرارية في قطاع المناجم، “لكون هذه الصناعة شرهة في استهلاك الطاقة”.