قطعت الجزائر أشواطا معتبرة لتجسيد رهان التحول الطاقوي الوشيك، في ظل تحول عميق ومواكبة منسجمة مع التغيرات المسجلة في أسواق الطاقة العالمية. فقد أدركت أن المسارعة إلى طرح منتجات طاقوية نظيفية، صار حتمية لا مفر منها، فأعدت الدراسات وثمنت المقومات، وانطلقت في الاستثمار بشكل تدريجي وسلس، آخذة بعين الاعتبار أن الطاقات المتجددة تتطلب تكنولوجيا عالية، فعكفت على تكوين موردها البشري من أجل التخفيض من كلفة الإنتاج، وواصلت، بثقة، في ضخ الإنتاج بمرونة واحترافية عالية.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وهيام لعيون
ولقد حرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من خلال أوامر صارمة وتوجيهات حكيمة، إلى التركيز على تطوير إنتاج الطاقة وتعزيز الفرص المتاحة لتوسيع القاعدة الإنتاجية وتنويع مصادر تدفقها، وفق رؤية جديدة، من أجل تبوإ مكانة أكثر تأثيرا في مسار التنمية المستدامة، وكي يكون للجزائر موقعها المتقدم ضمن أهم الموردين المؤثرين في المشهد الطاقوي العالمي، بعد أزيد من ستة عقود اكتسبت خلالها خبرة كبيرة واحترافية عالية، ما يدعو إلى المواصلة في التطوير لمواكبة مستجدات سوق الطاقة العالمية، وتعزيز مقامها كبلد غازي وطاقوي محوري.
تشق الجزائر، إذن، مسار التحول الطاقوي المنسجم مع نمو تدفق الغاز، بنجاح كبير واعتراف دولي يرشحها – على المديين المتوسط والطويل – لتبوإ الريادة، من خلال تكريس المرونة المطلوبة في تأمين الطاقة لأسواق عالمية، عبر نجاحها في التخطيط لبرامج طموحة وبهدف التأسيس لمستقبل واعد. ولعل دور الجزائر البارز والمؤثر، يعكس الرهان عليها لاحتضان المعهد الدولي لدراسات الغاز، والمقرر أن يتم افتتاحه خلال قمة الغاز المرتقب انطلاق أشغالها هذا الخميس.
مدير الهيدروجين بمحافظة الطاقات المتجددة رابح سلامي لـ “الشعب”: إستراتيجية وطنية آفاق 2030 – 2035 لإنتاج 15 جيغاواط من الطاقة الشمسية
تجسيدا لالتزامه 21 من أجل تحقيق الأمن الطاقوي للبلاد، ومواكبة للمتغيرات الاقتصادية الطاقوية العالمية وكذا التغيرات المناخية التي دقت ناقوس الخطر جراء الانبعاثات الغازية، وفرضت التوجه إلى الطاقات النظيفة والمتجددة، حفاظا على الطاقات الأحفورية المعرضة للزوال في حال استنزافها من جهة، وتصديا للمخاطر الناجمة عن الانبعاثات الغازية من جهة أخرى، أصدر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تعليمات صارمة من أجل بعث الأبحاث والاستثمار في الطاقات المتجددة، حيث تجسدت تعليماته في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتحول الطاقوي في مارس 2023، كتتويج لسلسلة من جلسات عمل وورشات جمعت مختلف الفاعلين في مجال الطاقات المتجددة وآفاقها المستقبلية.
وأوضح مدير الهيدروجين والطاقات البديلة بمحافظة الطاقات المتجددة، رابح سلامي، أن الجزائر اعتمدت استراتيجية وطنية للتحول الطاقوي بهدف ضمان أمنها الطاقوي وبلوغ أهداف التنمية المستدامة، مشيرا إلى أن الاستراتيجية ترتكز على ثلاث ركائز أساسية، أولها تطوير حلول تسمح بالتحكم في استهلاك الطاقة، من خلال عدة برامج لتطوير الفعالية، النجاعة والرصانة الطاقوية، خاصة وأن الاستهلاك الداخلي للطاقة قد بلغ ذروته في السنوات الأخيرة. في هذا الصدد، استدل مدير الهيدروجين والطاقات المتجددة، بقطاع السكن كمثال عن القطاعات التي سجلت أرقاما قياسية في استهلاك الطاقة، بما لا يقل عن 44% من إجمالي الطاقة المستعملة بالجزائر، إضافة إلى قطاع النقل، مما دفع السلطات العمومية إلى اتخاذ عدة تدابير وإجراءا للتقليل من استعمال الطاقة في هذين القطاعين. فالبنسبة لقطاع السكن، يقول المتحدث، فقد قام القائمون على القطاع بوضع برامج لدعم عملية عزل البنايات للتقليل من حاجتها للطاقة، سواء من أجل التبريد في فصل الصيف أو التدفئة في فصل الشتاء، إضافة إلى التخفيض من استعمال الغاز في فترات الذروة من البرودة في فصل الشتاء.
كما قامت السلطات العمومية بعدة إجراءات بهدف ترشيد استعمال الكهرباء باستخدام مصابيح “لاد” ذات النجاعة الطاقوية، وطرح على مستوى السوق المحلية، منتجات كهرومنزلية مقتصدة للطاقة.
أما فيما تعلق بقطاع النقل، فقد نال حظه هو الآخر من برامج ترشيد استعمال الطاقة، يقول رابح سلامي، وذلك من خلال محاولة التخفيض من استعمال الوقود والبنزين باستخلافهما بالغاز المميع. وهي استراتيجية أثبتت نجاعتها من خلال النتائج والأرقام المسجلة ميدانيا، حيث. تم تسجيل انخفاض في استعمال البنزين قدر بـ3 ملايين طن سنة 2022 مقابل 4 ملايين طن سنة 2015، أي بفارق قدر بمليون طن.
الطاقات المتجددة للحفاظ على الأحفورية
من جهة أخرى، وفيما تعلق بالمحور الثاني من الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة، فقد عملت الجزائر على تطوير استخدام الطاقات المتجددة، من خلال الرفع من نسبة هذه الأخيرة في المزيج الطاقوي الجزائري، حيث أوضح رابح سلامي، أن 96% من الكهرباء المستهلكة مصدرها الغاز الطبيعي. كما أن توسعة مجال استخدام الطاقات المتجددة – وفق المتحدث – سيسمح بتقليص استخدام الغاز الطبيعي وتوجيهه سواء إلى التصدير بما يسمح الرفع من مداخيل الخزينة العمومية من العملة الصعبة، أو توجيهه إلى عمليات التكرير والتحويل من أجل تطوير الصناعات التحويلية والبتروكيماية وتلبية حاجيات السوق المحلية من المواد البلاستيكية مثلا، وما يستعمل كمواد أولية بالنسبة لبعض الصناعات البروكيماوية، بلغت تكلفتها أرقاما قياسية من العملة الصعبة.
في هذا الإطار – يقول محدثنا – وضعت الحكومة برنامج عمل واستراتيجية وطنية طموحة، تهدف إلى إنتاج 15 جيغاواط من الطاقة الشمسية آفاق 2030- 2035، حيث تم الانطلاق مؤخرا في تجسيد جزء منها، يعادل 3 جيغاواط، سيتم انجازها في المستقبل القريب، ومن خلال عملية حسابية – يضيف المتحدث- نجد أن 1 جيغاواط من الطاقة المتجددة سيمكن من اقتصاد 500 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي، وبالتالي فإن 15 جيغاواط يمكن من اقتصاد من 6 إلى 7 ملايير متر مكعب، يمكن استغلالها وتوجيهها إلى استعمالات مربحة للاقتصاد الوطني، كالتصدير بالنسبة للتجارة الخارجية أو الصناعات التحويلية بالنسبة للاستغلال المحلي وإنتاج المواد الهيدروكربونية.
استثمار المؤهلات الجغرافية
دائما وفي إطار الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة والتحول الطاقوي، أوضح رابح سلامي، أن هذه الأخيرة تعززت مؤخرا بإنجاز خارطة طريق لإنتاج وتطوير الهيدروجين النظيف والمتجدد، حيث قدم المتحدث شروحات أفادت أن الجزائر بإمكانها اعتماد مقاربتين لإنتاج الهيدروجين بنوعيه الأزرق والأخضر، حيث يمكنها الاعتماد على مخزونها من الغاز الطبيعي لإنتاج النوع الأول، فيما يمكنها الاعتماد على الطاقات المتجددة بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من اجل إنتاج النوع الثاني من الهيدروجين. وفي هذا، تعتبر الجزائر – بحسب المختص في مجال الهيدروجين – من البلدان المؤهلة لتصدر المراتب الأولى في إنتاج الهيدروجين الأخضر، لما تمتلكه من مؤهلات طبيعية تعود إلى مساحتها المشمسة في أغلب فترات السنة، ومناخها الذي تخدم مميزاته هذا النوع من الطاقة النظيفة. مما يسمح بإطلاق عدد مهم من محطات إنتاج الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح بالعديد من مناطق البلاد، وهنا تجدر الإشارة إلى أن 80% من مساحة الجزائر تبقى غير مستغلة، مما يستدعي إعادة النظر والتبصر من أجل إعداد برنامج استشرافي من أجل أحسن استغلال للمقدرات الطبيعية ببلادنا.
تسويق الهيدروجين.. أرضية جاهزة مسبقا
وفيما يتعلق بتسويق إنتاج الجزائر من الطاقة، بالتحديد إنتاجها من الهيدروجين الأخضر، أشار رابح سلامي إلى أن موقع الجزائر الجغرافي المتوسطي، جسر استراتيجي يربط بين ضفتي المتوسط وكذا قربها من الأسواق الأوربية، سيسمح لها بنقل منتوجها من الهيدروجين الأخضر، معتمدة على بنى تحتية قوية، متكونة من أنابيب نقل الغاز الطبيعي من الجزائر إلى أوروبا بحراً، يزيد طولها عن 25 ألف كلم، حيث يمكن استغلالها في نقل الهيدروجين الأخضر والنظيف إلى الأسواق الأوروبية، سجلت الإحصائيات الاستشرافية أن حاجياتنا من الهيدروجين الأخضر، في غضون 2030، تصل إلى ما يعادل 20 مليون طن من هذه الطاقة النظيفة. وفي هذا الشأن، يرى سلامي أن الجزائر بإمكانها أن تصبح موردا ذا أفضلية وذا أولوية، بالنظر إلى مؤهلاتها السابقة الذكر.. حيث تستعمل الجزائر شبكتها من أنابيب نقل الغاز الطبيعي في نقل الهيدروجين، عبر شريطها البحري إلى الأسواق الأوروبية، إضافة إلى مشاريعها المستقبلية فيما يتعلق بالبنى التحتية وإنشاء أنابيب مخصصة لنقل الهيدروجين الأخضر. كما ستتدخل خبرة الجزائر الطويلة في إنتاج ونقل الغاز الطبيعي في دعمها كأفضل منتج ومورد للغاز الطبيعي، منذ عقود، حيث يعتبر مصنع تمييع الغاز الطبيعي “لاكامال” للغاز المسال الذي أنشئ سنة 1964، الأول والوحيد على مستوى العالم.
البروفسور مراد كواشي: دور الجزائر مؤثر وهام وحاسم في سوق الطاقة
يتوقع البروفسور مراد كواشي أن تحقق الجزائر وثبة عالمية غير مسبوقة في مجال توريد وتدفق الغاز نحو الأسواق الخارجية، مثمنا التوجه الذي رسخه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، القاضي بإطلاق برامج ضخمة وواعدة لإنتاج الطاقة التقليدية والبديلة على حد سواء. وبفضل ذلك، تم تبني رؤية ترجمت في السير نحو تعزيز الاحتياطي بشكل سيجعل الجزائر بلدا ممونا مؤثرا في الخارطة الطاقوية العالمية. وقال، إن قمة الغاز المقبلة، ستحاول تأسيس منظمة عالمية، على غرار منظمة أوبك، تسند لها مهمة التكفل بتسيير ملفات الغاز على المستوى العالمي، بقصد وضع استراتجيات دقيقة لإنتاج وتسيير وتصدير الغاز. وقدم كواشي تصورا حول معالم سوق الطاقة المتغيرة والدور الذي يمكن للجزائر أن تقوم به.
قدم الخبير الاقتصادي مراد كواشي صورة واضحة عن مكانة الجزائر في صناعة وإمداد سلاسل الطاقة الإقليمية والعالمية بالطاقة، مركزا على دورها وقدراتها الطاقوية الكامنة. وقال، إن الجزائر دولة غازية كبيرة، وتحتل المرتبة السادسة عالميا في احتياطي الغاز الطبيعي، مقدرا أن احتياطي الغاز بالجزائر، قد بلغ نحو 4500 مليار متر مكعب، ومرشح لأن يرتفع أكثر بفضل مشاريع الاستكشاف الجارية. أما فيما يتعلق بالإنتاج، فإن إنتاج الجزائر من الغاز الطبيعي، وصل متوسطه في الوقت الحالي إلى 130 مليار متر مكعب، غير أنه من المرتقب أن يرتفع في المدى القصير إلى حدود 150 مليار متر مكعب، وهذا في آفاق 2025، خاصة إذا تم الاستغلال الأمثل لجميع الحقول التي تم اكتشافها مؤخرا.
ريادة إقليمية في توريد الغاز
وبدا الخبير متفائلا بالمسار الصحيح والمنحنى التصاعدي لقطاع الطاقة بالجزائر، في ضوء مكاسب وإنجازات محققة تستدعي التثمين. وأكد أن الجزائر تعتبر – في الوقت الحالي – أكبر ممون بالغاز الطبيعي في منطقتي حوض البحر المتوسط وإفريقيا. وما يعزز هذا الرصيد، افتكاكها المرتبة الأولى إفريقيا في مجال تصدير الغاز المسال متفوقة على نيجيريا.دبالإضافة إلى ذلك، فقد تمكنت الجزائر من تحقيق زيادة في الإنتاج بأكثر من 4 ملايير متر مكعب خلال 2022، وتتطلع لتحقيق زيادة أخرى بنحو 10 ملايير متر مكعب، خلال الفترة الممتدة من 2024 إلى غاية 2028، وهذا بعد دخول الحقول الجديدة المكتشفة حديثا قيد الإنتاج.
ووقف الخبير على مدى قدرة الجزائر على الاعتماد على ثروة الغاز، بهدف تحقيق رهان الانتقال الطاقوي السلس، مؤكدا أن ذلك ممكن في ضوء مشاريع هامة لشركة سونطراك الرائدة، كونها تحتل المرتبة الأولى إفريقيا و12 عالميا. علما أنها سطرت برنامجا طموحا ورصدت ميزانية ضخمة تناهز 50 مليار دولار في مجال الإنتاج والاستكشاف وإنتاج الطاقات الأحفورية، سواء الغاز أو النفط وكذا الطاقات المتجددة.
في المقام، يرى الخبير أن الجزائر ملزمة في الوقت الراهن، بالاستمرار في نهج الاستثمار في مجال الطاقات الأحفورية من غاز وبترول، وهذا بهدف الوفاء بالتزاماتها نحو زبائنها خاصة الأوروبيين، إضافة إلى كونها تولي أهمية ومدركة جيدا لفعالية وأهمية الطاقات المتجددة والبديلة، كمفتاح أساسي لمستقبل الطاقة في العالم، وكل ذلك يصب في إطار السعي إلى تحقيق ما يراهن عليه مستقبلا والمتمثل في الانتقال الطاقوي السلس والصحيح.
وأشار الخبير كواشي إلى وجود خطة استراتيجية للمزج بين الطاقات التقيليدية الأحفورية والطاقات المتجددة، وتترجمها المشاريع سواء الكبرى والضخمة في الطاقات التقليدية، أو من خلال الاهتمام الكبير بالهدروجين الأخضر أو الطاقة الشمسية في الجزائر.
عائدات الغاز لإنجاز مشاريع الطاقة البديلة
وفي ظل وجود إمكانية الاستفادة من الغاز الطبيعي، بهدف تحقيق طموح ومشروع الانتقال الطاقوي السلس، تملك الجزائر العديد من الخيارات والطرق، من بينها الاستفادة من التجربة والتكنولوجيا التي تمتلكها الشركات الرائدة وشركاء مجمع سونطراك، خاصة الإيطاليين والأمريكيين والفرنسيين والألمان، علما أنهم شركاؤها في مجال الطاقات التقليدية الأحفورية كذلك، وفي الوقت نفسه، في الطاقات المتجددة. وتعد فرصة لهذه الشراكات، من أجل تطوير استغلال الطاقات المتجددة، إلى جانب إمكانية استغلال عوائد تصدير الغاز الطبيعي المرتفعة كثيرا في الفترة الأخيرة، خاصة بعد قيام الجزائر بمراجعة أسعار الغاز المصدر عبر الأنابيب مع زبائنها الأوروبيين، عبر استغلال الفائض المالي من أجل تمويل مشاريع متعلقة بالطاقات البديلة.
وبخصوص قدرات الجزائر المستقبلية في ضخ الغاز في ظل الاستثمارات الكبيرة المعلن عنها مؤخرا، بعد أن نجحت في زيادة إنتاج الغاز المسال، وأسفر ذلك عن الزيادة في حجم صادراتها نحو أوروبا خاصة إلى إيطاليا، لذا – يقول كواشي – باتت كل الظروف مواتية للجزائر لتتقدم بعد أن صارت مؤثرا في سوق الطاقة، وموردا موثوقا بعد الوفاء بجميع الالتزامات الطاقوية.
معالم سوق الطاقة تتغير بسرعة
من الطبيعي أن يكون مستقبل الطاقة والصناعة الغازية في الجزائر واعدا – يؤكد الخبير – لأنه يرتكز على أرضية صلبة وبنية تحتية متينة من المشاريع الضخمة المسطرة والمبرمجة ومع تخصيص ميزانية ضخمة للاستثمار والإنتاج والبحث والاستكشاف عن الطاقات الأحفورية، وكذا إرساء قاعدة كبيرة للطاقات المتجددة، بالإضافة إلى الاستكشافات المهمة المحققة مؤخرا.
وخلال تطرقه لأهم القرارات المرتقبة من قمة الجزائر لمنتدى الدول المصدرة للغاز، ذكر البروفسور كواشي، أن الدول المنتجة للغاز التي ستحضر قمة الجزائر السابعة، ستحاول تأسيس منظمة عالمية على غرار منظمة أوبك، وسيهدف من خلال إنشاء هذه المنظمة، التكفل بتسيير ملفات الغاز على المستوى العالمي، ووضع استراتجية دقيقة وواضحة، فيما يتعلق بإنتاج وتسيير وتصدير الغاز وهذا خاصة تفاديا للأزمات التي سبق وأن حدثت خلال الفترة الأخيرة على مستوى سوق الغاز في العالم.
وخلص الخبير إلى القول، إن معالم سوق الغاز تتغير كثيرا وبسرعة، ومع ذلك مكانة الجزائر صارت أكثر أهمية وتأثيرا في الخارطة العالمية للطاقة، خاصة بعد أن تحولت إلى أكبر مصدر قاري وإقليمي في البحر المتوسط وحجمها يتزايد يوما بعد يوم، وقد افتكت احترام كل الدول المنتجة والمستهلكة للغاز.
الخبير مهماه بوزيان: الجزائر قادرة على بناء التوافقات المستدامة
أبرز الخبير الطاقوي مهماه بوزيان، أهمية ودور ومكانة الغاز الطبيعي في هندسة انتقال طاقوي سلس وآمن ومرن، مكيّف بالخصوصيات الوطنية بما يجعله مستداما. واستند إلى حجم النجاحات التي حققها الجزائر في مجال صناعة الغاز، وللقيمة المضافة العالية التي تقدمها على مختلف المستويات من المحلي إلى الدولي، إضافة إلى نجاح الجزائر الباهر كدولة في الوفاء بالالتزامات البيئية والتعهدات المناخية، من خلال تجويد البصمة البيئة في مجال صناعة الغاز، خاصة وأن هذا المورد الطبيعي يعد المورد الطاقوي المعزز للأمان في نظام الطاقة، مدعوما بنمط نقل ممتد عبر الأنابيب له إمكانية التمدد إلى شبكات التوزيع، كما يتميز بالخاصية الأقل إزعاجا للبيئة من حيث الضوضاء، والتلوث البصري، وتلويث الهواء، ما يمنحه القدرة على أن يكون المعبر السلس نحو نشر الطاقات المتجددة والتحول نحو الطاقات الأنظف.
أكد المختص في مجال الطاقة، أن تنامي دور الجزائر في منظومة الغاز الطبيعي دوليا يستوجب من مكونات الكيان الوطني كلّها التنويه والدعم، لتعزيز مكانة بلدنا وتعضيد الجهد الوطني الذي يبذل في هذا الاتجاه، مبرزا أن الجزائر بلد رائد في الانتقال الطاقوي، فهي أحد الفاعلين التاريخيين منذ السنوات الأولى لاستقلالها، حيث تم بسط سيادتها الطاقوية عبر خيار تأميم المحروقات، وتهيئة الظروف لتجسيد تحول طاقوي لصالح الغاز الطبيعي وفي تحسين مزيج الطاقة، وبناء منظومة لإنتاج وتوزيع الكهرباء بنسبة تغطية شاملة تعتمد على مورد الغاز الطبيعي، بما جعلها تاريخيا من أنظف وأنقى منظومات الكهرباء في العالم، في الوقت الذي كان الفحم والنفط يهيمنان على العالم.
وأوضح مهماه، أن “النتائج العلمية تؤكد ذلك بصفة حاسمة، من خلال عمل علمي منشور بتاريخ 10 ماي 2022 في دورية علمية متخصصة ومصنفة دوليا، هذه النتائج المتحصل عليها من خلال البحث المشترك بين سوناطراك والوكالة الفضائية الجزائرية (ASAL) في إطار الاتفاقية الإطارية للتعاون التي وقعت فيما بينهما، وهي الاتفاقية التي تهدف إلى إنشاء نظام معياري لتقييم وتقدير انبعاثات حرق الغاز وتسربات الميثان، حيث يبقى هذا التعاون العلمي والتقني متواصلا لاستغلال التقنيات الفضائية وتطبيقاتها في إجراء قياسات مباشرة في المواقع على الأرض، ودراستها من خلال مقارنتها مع الصور الاستشعارية الملتقطة بالقمر الصناعي”.
وأشار محدثنا، إلى “تعزيز الجهود التي تقودها سوناطراك في مجال خفض البصمة الكربونية الناتجة عن أنشطتها واستغلال التقنيات والتكنولوجيات الفضائية في ذلك، خصوصا وأن “العملاق النفطي” يعكف على تنفيذ برنامج وطني مهم للتخلص النهائي من الانبعاثات في أنشطتها مع خفض انبعاثات الميثان إلى أقل من “1%” بحلول سنة 2030.
اليقظة.. لتجاوز أي ضغوطات
وعن أهمية العمل التشاركي والتعاوني بين الوكالة الجزائرية للفضاء وسوناطراك، قال الخبير الطاقوي، إنه “مكّن من الحصول على تطابقات في القياسات وثبوت الاتساق بين أحجام الانبعاثات المقاسة على الأرض من قبل مهندسي سوناطراك، وتلك القياسات الفضائية التي أنجزها الباحثون بالوكالة الفضائية. كما تبيّن وجود فروقات كبيرة بين النتائج المحصل عليها بجهد جزائري فائق المهنية وتلك التقديرات المنشورة من قبل منظمات وهيئات أخرى أجنبية، ما يجعلنا ندرك بأن هذه التقديرات المضخمة للانبعاثات لا علاقة لها لا بالحقيقة ولا بالواقع، وتدعونا لليقظة أكثر حتى لا تتحوّل إلى حدّ السيف الذي يمكن تسليطه على صناعة الغاز الجزائرية، وعلى صناعة الغاز لكل الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز”. وأضاف مهماه قائلا: “هنا تبرز أهمية الأعمال المستقبلية التي سيتكفل بها المعهد الدولي لدراسات الغاز الذي تحتضنه الجزائر والذي سيجري تدشينه ضمن فعاليات قمة الغاز المرتقبة، لبناء إطار مرجعي للقياسات ونظم الرقابة ومختلف الأدوات المنهجية المرتبطة بها، حتى يتم إخراج صناعة الغاز للدول الأعضاء في المنتدى من دائرة السياسة والاستهداف المغرض، إلى حقل المعطى العلمي الموثوق”.
وأضاف: “هذا النهج المتعلق بقياس وتقدير حجم انبعاثات الغازات الدفيئة في قطاع الطاقة الجزائري والحدّ من مستوى انبعاثاتها، بما يقلل من آثار البصمة الكربونية في مختلف الأنشطة والمنتجات، يأتي أيضا كعمل استباقي لتجاوز مختلف ضغوطات أجندات المناخ المتوالدة والمزاجية”.
التعاون مع الشركاء الاستراتيجيين للجزائر
في هذا الخصوص، أشار الخبير إلى “تطلع الجزائر لمقاسمة هذا الجهد على مستوى القارة الإفريقية، خصوصا بعدما انتخبت، منتصف شهر فيفري الجاري، لعضوية المجلس الإفريقي للفضاء لعهدة مدتها أربع سنوات، تقديرا لجهودها والتزامها المتجدد، تحت قيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في المساهمة الفعلية وبفعالية في تعزيز القدرات ونقل المعارف العلمية والتكنولوجية بالقارة الإفريقية، لاسيما في ظل العناية الخاصة التي يوليها رئيس الجمهورية لتطوير عمل الوكالة الفضائية الجزائرية، والتوجيهات السامية التي أسداها مؤخرا بغرض تزويدها بأحدث الوسائل التقنية الفضائية، بما يتماشى وآخر التطورات للتكنولوجيا الحديثة، وكذا رصد الإمكانات المالية والبشرية المكونة في الاختصاصات العالية والدقيقة، من خريجي معاهد التعليم العالي للرياضيات والمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، وفقًا لنظرة استشرافية تمتد إلى غاية 2040، وهذا بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين للجزائر”.
تعزيز دور الغاز الجزائري في التنمية
في هذا السياق، أبرز المختص في الشؤون الطاقوية، الجهد الوطني بين سوناطراك والوكالة الجزائرية للفضاء لتعزيز دور الغاز الطبيعي الجزائري في التنمية وفي التصدير وفي التموقع بالأسواق الخارجية، معتبرا أنه مسعى جوهري باشرته الجزائر بكل حزم وعزم، سيكلفها تعبئة موارد مالية معتبرة، لكنه، في المقابل، سيعزز عديد مسارات التنمية والشراكة الدولية، إضافة إلى ثمين التزامات الجزائر الدولية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي يشكل الميثان جزءا منها.
وأشار محدثنا إلى ما تقوم به سوناطراك في هذا المضمار، “الذي سيترتب عنه تحقيق أهداف أخرى مهمة وطموحة جدا جراء الاستثمارات، منها ما سيتمثل في دعم صادراتنا خارج المحروقات وتقويتها وتعزيز تنافسيتها في الأسواق الدولية، في إطار تعزيز قدراتنا في التصدير خارج المحروقات من خلال تجويد البصمة البيئية في قطاع الطاقة، ستكون واضحة جدا ومدركة في العمق حين نستحضر عقبة ضريبة الكربون الحدودية (CBAM) التي من المقرر أن يباشر الاتحاد الأوروبي فرضها على الواردات إلى فضائه، بدءا من العام 2026، عبر احتساب البصمة الكربونية”.
وأوضح مهماه، أنه “في البداية سيتم استهداف واردات السلع كثيفة الكربون، خصوصا صناعات الحديد والصلب والألمنيوم والإسمنت والأسمدة والكهرباء والهيدروجين، وكلها منتجات تجد الجزائر نفسها معنية بها ضمن سلة صادراتها ذات الميزة التنافسية، لكن ضريبة الكربون عبر الحدود ستعيقها وتكبحها إن لم نتكفل بها على الوجه الأمثل”.
الجزائر فاعل مؤثر في منتدى الغاز
وبخصوص القمة السابعة لرؤساء وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، أكد مهماه أن “الجزائر دولة محورية قوية الحضور والتأثير الإيجابي في بناء التوافقات المستدامة وتشييد المعابر الصلبة بين المنتجين والمستهلكين، كونها دولة ذات موثوقية عالية، ومشهود بوفائها بمختلف التزاماتها التعاقدية ومضامين المواثيق الدولية بكل اقتدار، وذات ديبلوماسية طاقوية واقتصادية وسياسية نشطة، فالجزائر – يقول مهماه- ملتزمة برهانات التنمية المستدامة بكل حزم ضمن احترام عالي الأداء لالتزاماتها الدولية، مع امتلاكها موارد طبيعية في غاية التنوع، بدءًا من الموارد الأحفورية ذات الإمكانات الكبيرة من حيث الهيدروكربونات، وصولا إلى موارد الطاقة المتجددة التي ثَبُتت إمكاناتها من قبل أكثر من هيئة مرجعية دولية، خاصة في مجال الطاقة الشمسية، ويضيف أنها “تمتلك أفضل الخيارات لتخطيط أفضل المسارات التنموية لتثمين مورد الغاز الطبيعي وتطويع توقعات التطورات المستقبلية، والتمكن بكل اقتدار من تحديد أولويات التنمية وأهدافها وسياساتها”.
وقال مهماه: “الحفاظ على الموارد، والانتقال الطاقوي، وتطوير الطاقات المتجددة مدرجة في الالتزامات 54 لرئيس الجمهورية التي ترمي إلى هندسة تنمية اجتماعية واقتصادية تعنى بتحسين المستوى المعيشي للمواطن، ويتم التذكير بها في عدة مناسبات كتوجيه أساسي ومركزي في ضوء العناية بالبيئة المستدامة وتوريثها للأجيال القادمة، لأن الرؤية الاستراتيجية للرئيس تشتمل على تجسيد تحول مزدوج اقتصادي وطاقوي، لتحقيق أهداف كبرى تتمثل في خفض مستوى اعتماد الاقتصاد الوطني على المحروقات، وبناء مزيج طاقوي أكثر تنوعا، ويعزز الأمن الطاقوي للبلاد ويُرشد استهلاكنا للطاقة، هذا التحول المزدوج يكون معزّزا بسباعية الأمن (أمن طاقوي، أمن غذائي، أمن مائي، أمن بيئي، أمن رقمي، أمن مالي وأمن مجتمعي).
نمو الغاز الطبيعي متوقع حتى عام 2050
وتحدث مهماه عن دور الغاز الطبيعي في تحقيق انتقال طاقوي، عندما أكد أنه ومن أهم التطورات التي شهدها العالم، خلال الخمسين سنة الماضية، سواء من حيث نمو الاحتياطيات أو الإنتاج، أو النمو القوي في استهلاكه وحتى اليوم، بقي الغاز الطبيعي يُمثل المورد الطاقوي المفضل، فهو يعتبر جسر وقود يسمح بالانتقال من الفحم إلى طاقة أقل كثافة من حيث الكربون.
هذه المكانة المميزة للغاز ــ يضيف ــ الطبيعي تُفسّر أيضا بخصائصه البيئية، حيث إن محتواه المنخفض من الكربون وكفاءته العالية في توليد الكهرباء تجعله أداة مفضلة لتكريس السياسات الهادفة إلى الحد من انبعاثات الغازات المسببة لحالة الاحترار العالمي، واليوم نجد الرؤى المستقبلية لمؤسسات مرجعية، على غرار توقعات منتدى البلدان المصدرة للغاز، تشير إلى أن فرص نمو حصة الغاز الطبيعي بشكل عام واعدة أكثر مقارنة بالمصادر الأخرى للوقود الأحفوري.
ولفت في السياق، إلى أن “الغاز الطبيعي بإمكانه أن يشكل المعبر الأنظف لانتقال آمن نحو مستقبل يكون للطاقة المتجددة وللطاقات المنخفضة المحتوى الكربوني الحظ الأوفر للنمو السلس في منظومة مزيج الطاقة الوطني والعالمي، فالغاز الطبيعي هو مصدر الطاقة الأحفورية الوحيد الذي من المتوقع أن ينمو حتى عام 2050، لتشكل مساهمته (26%) في مزيج الطاقة العالمي ويتربع على عرش المصادر الطاقوية”.
وشدد في السياق، على أنه و”على المديين القصير والمتوسط، سيرتبط دور الغاز الطبيعي ارتباطًا وثيقا بالطلب العالمي على الكهرباء، والذي من المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2060، مبرزا أن “استبدال الفحم بالغاز في إنتاج الكهرباء في عديد مناطق العالم، سيمثل وسيلة مهمة لمكافحة تغير المناخ وستكون الزيادة في حصة الغاز في مزيج الكهرباء العالمي المحرك الرئيسي لنمو هذه الطاقة. لذلك سيشكل الغاز الطبيعي الطاقة الأنسب للتحول نحو الطاقة النظيفة، خاصة مع إحلال تقنيات عزل الكربون (التقاطًا، وحجزا، وتحويلا، وتخزينا)، خصوصا وأن استخدامات الغاز الطبيعي تتسم بالتعدد والمرونة، بدءًا من توليد الكهرباء والتدفئة واستخدامه كوقود في قطاع النقل إلى البتروكيمياء”.
وخلص محدثنا إلى التأكيد على أن “البنى التحتية للغاز الطبيعي توفر إمكانية التحول سريعا إلى الهيدروجين والأمونيا في المستقبل، في حين قال إن الغاز الطبيعي سيشهد انتشارا في استخداماته في النقل البحري والبري وفي الآلات الزراعية. كما أن الغاز الطبيعي هو المُسعف للتغلب على تقطعات الطاقات المتجددة، خاصة في الظروف الجوية السيئة، وبذلك فهو يمثل عنصرا احتياطيا للطاقة بامتياز، كما أن للغاز الطبيعي مكانته الأساسية في تعزيز الأمن الغذائي من خلال إنتاج الأسمدة.