يتفق خبراء ومتابعون للشأن الطاقوي، والغازي بالأخص، على وجود مؤشرات نجاح قمة منتدى الدول المصدّر للغاز بالجزائر العاصمة، بين 29 فيفري و2 مارس، ومنهم من يذهب بعيدا في تحليله للمتوقع من هذه القمة ودورها في رسم الخارطة الطاقوية عالميا مستقبلا..
متابعة “الشعب أونلاين” وحياة كبياش
الباحث بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة مصطفى أوكي: منتدى الدول المصدرة للغاز.. الأقدر على إعداد مسار الانتقال الطاقوي
يؤكد الباحث الجزائري في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، مصطفى أوكي، أن منتدى الدول المصدّر للغاز، الذي سيعقد اجتماعه على مستوى القمة في الفترة بين 29 فبراير و2 مارس بالجزائر العاصمة، يعد الأقدر على تطوير مكانة الغاز الطبيعي بوصفه طاقة الانتقال الطاقوي، معتبرا أن الدول المصدرة للغاز عليها مواجهة “تحديات معقدة” من أجل الحفاظ على مكانة الغاز الطبيعي.
وقال الخبير: “فيما يخص مسألة الانتقال الطاقوي، يعتبر منتدى الدول المصدرة للغاز الأقدر على التطوير المستدام للغاز باعتباره وقود الانتقال الطاقوي”، مضيفا أن “إطار التعاون الذي يتيحه المنتدى بإمكانه كذلك تسهيل تبادل التجارب بخصوص المشاريع الرامية لخفض بصمة الكربون والتي تمّ إطلاق بعضها من طرف عدد من الدول الأعضاء في المنتدى”.
وإذ أبرز أهمية القمة المقبلة، سواء بالنسبة للجزائر أو الدول الأخرى المصدرة للغاز، يرى أوكي أن “الدول المصدرة للغاز عليها أن تتهيأ لرفع تحديات معقدة من أجل أن لا يتم إعادة النظر في دور الغاز الطبيعي” في مسار الانتقال الطاقوي مع أن “الاعلان الختامي لاجتماع كوب 28 حول المناخ يعترف بشكل غير مباشر بدور الغاز الطبيعي في الانتقال الطاقوي”.
ويصادف انعقاد القمة والاجتماعات المصاحبة لها الذكرى الـ60 لوصول أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال في العالم والتي صدرتها الجزائر لبريطانيا سنة 1964 عبر جزيرة كانفي (جنوب البلاد)، وهو حدث تاريخي أعلن عن ميلاد التجارة الدولية للغاز المسال، وفق ما ذكر به الخبير.
كما يأتي اللقاء في سياق خاص سواء على الصعيد الجيوسياسي أو الطاقوي، يؤكد أوكي، مشيرا في ذات الصدد إلى الأزمة في أوكرانيا والسياسة الأوروبية الجديدة التدخلية في أسواق الغاز، وكذا بروز الولايات المتحدة كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال، وكذا التدابير الأوروبية لإزالة الكربون.
ويؤكد الباحث بأن الغاز الطبيعي “سيواصل لعب دور هام في المزيج الطاقوي بعديد الدول لاسيما في إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا” لافتا إلى وجوب أن تكون نشاطات الاستكشاف/الانتاج والتحويل والنقل وتسويق الغاز الطبيعي موائمة لشروط الاستدامة وخفض بصمة الكربون. ويرى المتحدث أن الانتقال الطاقوي سيأخذ وقتا وسيتجسّد في أشكال مختلفة في مناطق مختلفة في العالم.
وعن سؤال حول الدور المتعاظم للجزائر في الساحة الدولية كممون آمن وموثوق للغاز الطبيعي، أبرز الخبير الطاقوي أن الجزائر “بإمكانها أن تواصل لعب دور بارز في تموين أوروبا بالغاز الطبيعي بالنظر إلى القدرات التي تتمتع بها البلاد والتي منها قربها الجغرافي من الأسواق الأوروبية المستهلكة ووجود الأنابيب العابرة للحدود لنقل الغاز بين الجزائر وأوروبا”.
ويتعلّق الأمر أيضا بوجود مركبات الغاز الطبيعي المسال بشرق وغرب الجزائر يضيف المتحدث الذي يشير إلى أن الجزائر ستكون في حاجة لرفع كميات الغاز الطبيعي المتوفرة للتصدير مع مواصلة تغطية الطلب الوطني على هذه الطاقة.
ويتطلّب هذا بشكل أساسي رفع الاستثمارات في نشاط المنبع والتحكم في النمو السريع في الطلب الوطني على الغاز، وتقليص بصمة الكربون المسجلة في سلسلة قيم الصناعة الغازية، يؤكد الخبير الغازي.
الخبير بوجمعة حمادة: القمة السابعة.. كل المؤشرات تدل على النجاح
يؤكد الخبير في مجال الطاقة، بوجمعة حمادة، من جامعة بومرداس، أن قمة رؤساء الدول المصدرة للغاز المرتقب انطلاقها بالجزائر غدا الخميس، تكتسي “أهمية بالغة” بالنظر للظرف الدولي الراهن الذي تسوده اضطرابات وعدم استقرار أثرا على الإمدادات الطاقوية وأسعار هذه المادة الحيوية.
وأوضح حمادة، الذي يشغل منصب عميد كلية المحروقات والكيمياء، أن هذه القمة ستنعقد في ظل الأزمة الجيو-سياسية العالمية حاليا التي تتصدرها أزمة أوكرانيا والعدوان الصهيوني على قطاع غزة بفلسطين التي انعكست سلبا على إنتاج وإمداد وأسعار الغاز، متوقعا أن يبقى الوضع على حاله “على المدى القريب وحتى المتوسط”.
وبخصوص النتائج السياسية والاقتصادية المرتقبة لهذه القمة، أكد الخبير أنها ستكون “إيجابية لا محالة” على منتجي ومستهلكي الغاز عالميا وستتجلى من خلال بعث الحوار والنقاش لتحقيق ما أمكن من التوافق حول هذه المادة بين الدول المصدرة والدول المستهلكة لها، ولن تخص هذه النتائج الانعكاسات الايجابية على الأسعار وضمان الإمدادات فحسب وإنما ستمتد إلى جوانب أخرى، كما يقول.
وحدّد الخبير النتائج الأخرى التي ستنجر عن قمة الجزائر، في بعث التشاور والجمع بين الدول المنتجة والمصدرة للغاز والمستوردة والمستهلكة، من أجل حل المشاكل والصعوبات التي تواجهها وكذا مناقشة ودراسة الآراء المختلفة فيما يخص عمليات البحث والاستثمار في الإنتاج ونقل هذه الطاقة الحيوية النظيفة.
واعتبر الخبير هذا اللقاء الدولي بمثابة “منصة تشاورية على أعلى مستوى” لشرح وتذليل المخاوف حول كل ما يخص علاقة هذه المادة الطاقوية بالمناخ والبيئة، وأيضا للتقريب بين آراء وتصورات مختلف البلدان أو الأطراف المعنية.
وقال حمادة أيضا إن قمة الغاز “ستبرز مكانة الجزائر ووزنها وحنكتها” على مستوى العالم في مجال هذه الطاقة، من خلال الأفكار التي سيتم الإعلان عنها في هذه الفعالية الدولية، مؤكدا أن القمة ستكون “ناجحة بكل المقاييس” لكون كل المؤشرات تدل على ذلك خاصة من حيث التحضيرات والإمكانيات المسخرة لإنجاحها.
وبعدما أشار إلى أن الإنتاج الوطني من الغاز يقدر بـ130 مليار متر مكعب سنويا، لفت الخبير إلى أن للجزائر “مكانة عالمية” في إنتاج الغاز وتصديره ومن حيث الاحتياط، ولها أيضا “تاريخ عريق” فيما يخص تصدير هذه المادة سواء عبر الأنابيب أو عبر بواخر نقل الغاز المميع، وهي من الدول “السباقة” التي بادرت باستحداث منشآت مكيفة موجهة لنقل الغاز وتصديره.
وجزم أن هذه الطاقة النظيفة المتمثلة في الغاز الطبيعي، أصبحت “مصدر استقرار” للدول والجماعات على المستوى العالمي، كونها “ما تزال تعد أول مصدر يعتمد عليه في إنتاج مختلف الطاقات” على غرار الطاقة الكهربائية وبالتالي أضحت “الطاقة الرئيسية التي ستواكب الانتقال الطاقوي عالميا مستقبلا”.
ويتوقّع الخبير أن يبقى الغاز الطبيعي إلى سنة 2050، في “المراتب الأولى عالميا” من حيث الإنتاج والإمداد والاستغلال، مؤكدا في الوقت نفسه، أنه “لحد اليوم، لا يمكن الحديث عن إمكانية الاستغناء عن هذه المادة الحيوية أو استبدالها بطاقات أخرى بديلة بالنظر إلى ما هو سائد عالميا من ظروف صعبة وارتفاع تكاليف الاستثمار”، في تلميح لتكاليف استخراج الغاز الصخري من باطن الأرض.
وخلص الخبير إلى القول، إن الغاز الطبيعي سيكون في المستقبل “العامل الأساسي المساعد والمساهم بشكل كبير في تحقيق الانتقال الطاقوي عبر العالم، كما سيكون عاملا للاستقرار الطاقوي، وبالتالي، الضامن للتطور ولمواصلة النمو الاقتصادي وللتماسك الاجتماعي”.
الخبير ديديي هولو: قمة الجزائر.. استعادة الثقـة في سوق الغاز
تكتسي القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، أهمية بالغة في السياق الحالي، حيث من شأنها المساهمة في استعادة الثقة بين المصدرين والمستوردين لضمان استقرار السوق، حسبما أفاد به الخبير الأوروبي في شؤون الطاقة، ديديي هولو.
وأكد هولو الذي يرأس أيضا جمعية “يوروغاز”، وهي تمثل قطاع بيع وتوزيع الغاز في أوروبا، على دور المنتدى في استقرار سوق الغاز، وفي استعادة الثقة مع البلدان المستوردة، مشددا على “أهمية احترام العقود طويلة الأجل لضمان استقرار الإمدادات وإمكانية التنبؤ بها”.
وأضاف: “لا يمكن تطوير صادرات الغاز دون ضمان تأمين الإمدادات للمشترين”، مذكرا بأن عدة أحداث، لاسيما ذات طابع جيوسياسي، وقعت في السنوات الأخيرة متسببة في تذبذب التسليم”.
وفي هذا السياق، أشار المتحدث إلى أنه “يمكن لمنتدى الدول المصدرة للغاز أن يساهم في حل مشكل الإمدادات، عبر دعوة الدول الأعضاء إلى احترام العقود طويلة الأجل من أجل الحفاظ على سمعة المصدرين، وبشكل أعمق، سمعة الغاز الطبيعي”.
وحول توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن زيادة الطلب على الغاز، أكد أن النمو في استهلاك الغاز سيأتي على المدى المتوسط، لاسيما في آسيا.
وتابع بالقول: “في أوروبا، سيكون هناك استقرار في الاستهلاك، وعلى الأرجح سيكون أقل من المستوى المسجل في 2023، بسبب جملة من العوامل، من بينها الجهود الرامية إلى الكفاءة الطاقوية التي نأمل أن تكون مستدامة”.
أما بالنسبة للطلب الآسيوي، فإنه يعتمد ـ حسبه – على تنافسية سعر الغاز مقارنة بالفحم، مشيرا إلى أن أحد استخدامات الغاز، لاسيما في الصين، هو استبدال الفحم في إنتاج الكهرباء.
الغاز.. ضرورة للانتقال الطاقوي
وفيما يتعلّق بالغاز كطاقة للمستقبل، أشار إلى أن جمعية “يوروغاز” اعتبرت دائما أن هذه الطاقة ضرورية للانتقال الطاقوي، لاسيما للقضاء على الفحم ومرافقة التحوّل إلى الطاقات الخضراء، من خلال، على سبيل المثال، تسيير حالات الانقطاع على مستوى محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
“يجب أن نظهر في الوقت نفسه أن الغاز يمر بمرحلة انتقالية خاصة به، وعليه، يجب على قطاع صناعة الغاز، لاسيما في البلدان المصدرة، أن يكافح بشكل أكثر نشاطا مما كان عليه في الماضي ضد تسرب غاز الميثان والإحراق”، يقول هولو موضحا أن “الدول المشترية ستكون حريصة بشكل متزايد حول هذه النقطة، لاسيما تحت ضغط اللوائح الأوروبية”.
ولفت أنه “حتى بعض الدول المنتجة التي لا تتمتع بالعضوية في منتدى الدول المصدرة للغاز، على غرار الولايات المتحدة، أطلقت مبادراتها الخاصة لضمان الحد من انبعاثات غاز الميثان، والتي في حال نجاحها، ستكون بمثابة معيار يتعين على جميع الدول الأخرى اتباعه”.
إضافة إلى ذلك، أوصى الخبير بتشجيع صناعة الغاز لتطوير “الغازات المتجددة” أو منخفضة الكربون (الميثان الحيوي، توليد الغاز من النفايات، الميثان الإلكتروني والهيدروجين)، مؤكدا أن عدة دول من المنتدى، يمكنها التموقع كدول منتجة لهذه الغازات، لاسيما فيما يتلق بإنتاج غاز الميثان منخفض الكربون، والذي يمكن تصديره عبر نفس البنى التحتية الخاصة بالغاز.
وحول صعوبات الحصول على التمويل لمشاريع الغاز، أكد هولو أن العقود طويلة الأجل ضرورية دائما لضمان تمويل هذه الاستثمارات، سواء تعلق الأمر بالغاز الطبيعي المميع أو المصدر عبر الأنابيب، لافتا إلى هذه المشاريع تعتمد على سعر الغاز الطبيعي في السوق لضمان استهلاكه وربحيته.
وذكر رئيس “يوروغاز” أيضا أن العديد من المشترين الآسيويين مستعدون لإبرام عقود مدتها 25 عاما، “ولكن بالنسبة للمشترين الأوروبيين، من الصعب التوقيع لمدة تزيد عن 15 إلى 20 عاما”، مبرزا أن “هذه الحقيقة يجب أن تأخذها المشاريع الجديدة في الاعتبار، إما عن طريق اهتلاك الاستثمارات على فترات أقصر، أو عن طريق تحمل مخاطر السعر والحجم، على الإنتاج، بعد انتهاء العقد”.
الدكتور عرقوب واعلي لـ”الشعب”: الجزائر.. قاطرة إفريقيا إلى رحاب الطاقات النظيفة
تجسّد القمة الـ7 للدول المنتجة للغاز دور الجزائر المحوري في عالم الطاقة، وتؤكد وزنها على الخارطة الطاقوية عموما والغازية بصفة خاصة، حسبما يرى الدكتور عرقوب واعلي الخبير في الاقتصاد.
لا شكّ أن الجزائر رائدة فيما يخص تصدير الغاز الطبيعي، فهي تمثل قوة غازية ونفطية كبيرة متصاعدة، وسيكون لديها دور حاسم خاصة مع قمة الغاز ومنتدى الدول المنتجة للغاز التي ستحضرها 12 دولة منتظر إضافة إلى 7 دول مراقبة، هذا ما يؤكد على أن للجزائر فاعلية بالخارطة الطاقوية عموما والغازية يقول الدكتور عرقوب.
وركز عرقوب في تصريح لـ«الشعب”، على أهمية الموقع الذي تحتله الجزائر، فهي تتوسّط أوروبا وإفريقيا، إضافة إلى الغنى في مجال الثروات النفطية الذي جعل منها محورا طاقويا هاما، مشيرا إلى أن الجزائر تحتل المرتبة الأولى إفريقيا في إنتاج الغاز والمرتبة الـ11 عالميا، والمرتبة السابعة عالميا فيما يتعلّق بالتصدير، حسب ما تؤكده التقارير الصادرة عن منظمات عالمية مختلفة اقتصادية ونفطية.
وقال عرقوب، إن الجزائر تقود قاطرة إفريقيا في مجال الطاقة النظيفة المتمثلة في الغاز، المورد الأكثر طلبا كونه طاقة غير ملوثة للبيئة ويحترق بشكل أحسن من الطاقات الأحفورية الأخرى على غرار البترول.
وأشار عرقوب إلى أن الموارد الطاقوية والغازية على وجه أخص، فتحت الباب أمام الجزائر لتكون لها أسواق أوروبية، واعدة بالإضافة إلى سلوفينيا والنمسا، كما يُعدّ الخط العابر للصحراء بين الجزائر، النيجر ونيجيريا، مشروعا هاما جدا في بعده الإفريقي، إذ يمتد على طول يفوق 4000 كلم، لافتا إلى أن الجزائر ستصبح منطقة عبور غاز غرب إفريقيا، وأنه سيتم نقل 99 بالمائة منه إلى أوروبا عن طريق إيطاليا.
ويعتقد الخبير في الاقتصاد أن الاتفاقيات المبرمة في مجال الغاز ما بين الجزائر وإيطاليا والجزائر والنيجر ونيجيريا، ستوسّع الشراكات إلى موريتانيا بعد أن أصبحت بلدا منتجا للغاز.